السبت، 23 ديسمبر 2017

قمة منظمة التعاون الإسلامي ..قراءة إستراتيجية
د. مصعب أبو عرقوب* 
اختتمت  الأربعاء 13/12/2017م القمة الطارئة التي انعقدت في تركيا لمنظمة التعاون الإسلامي بدعوة من الرئيس التركي أردوغان، لاستعراض التطورات التي نتجت عن قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بمدينة القدس عاصمةً لكيان يهود، فأكدت في بيانها الختامي على أنّ قرار ترامب تقويض متعمد لجهود السلام ويصب في مصلحة (التطرف) و(الإرهاب)، وأكد المجتمعون على التمسك بالسلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، والتمسك بالاعتراف بـ(القدس الشرقية) عاصمة لفلسطين وفق المرجعيات الدولية، ومبادرة السلام العربية لعام 2002 التي اعتمدتها القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة عام 2005 - باعتباره خياراً استراتيجياً.
استراتيجياً.. قدمت منظمة التعاون الإسلامي في قمتها باسطنبول لكيان يهود أكبر مما قدمه ترمب في قراره، فالإعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة ورقية يعني صراحة الإعتراف بالقدس الغربية عاصمة لكيان يهود بخاتم اسلامي !!، وإن كان لا قيمة لقرار  ترمب الذي لا يملك القدس ، فان الإعتراف بالقدس الغربية لكيان يهود  ممن يدعون وصلا بالقدس والإسلام يحمل صبغة خاصة قد تضفي شرعية على كيان يهود ..وتقدم لهم القدس على طبق من ذهب .
طبق.. حمل لكيان يهود القدس الغربية والإعتراف بأحقيته في الوجود على أكثر من 78% من مساحة الأرض المباركة، فكانت قمة  منظمة التعاون الإسلامي قمة في التنازل عن الأرض المباركة ، وتعاونا على إثم التفريط والخيانة وتثبيتا لأركان كيان يهود الغاصب عبر الإقرار بالمبادرة العربية التي تعتبر الصراع منتهيا والتطبيع واجبا مع كيان يهود، إذا أقيمت دويلة فلسطينية إلى جانب كيان يهود ، متشبثين بذلك بالقرارات  والقوانين الدولية !!
قرارات وقوانين دولية هي ذاتها التي أعطت جل الأرض المباركة لكيان يهود واعترفت به كيانا شرعيا في قلب الأمة الإسلامية ، جاعلة  منه خنجرا مسموما في خاصرة الأمة، وقاعدة متقدمة للمستعمر الغربي الذي وضع القوانين الدولية وسهر على أمن كيان يهود وتثبت أركانه بدعمه سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ليكون حجر عثرة في وجه نهضة الأمة ووحدتها .
وحدة.. لم و لن تتجسد في منظمة التعاون الإسلامي التي كرست تبعية الأنظمة للغرب المستعمر وسير الحكام الخونة في طريق الخيانة والتفريط في الأرض المباركة، كما لن تتجسد في مواقف هزيلة  لرؤساء البرلمانات العربية الذين أكدوا في  اجتماع لهم سبق قمة اسطنبول على" رفضهم المطلق للمساس بالمكانة القانونية والسياسية والتاريخية للقدس الشريف" ، فمكانة القدس في أذهان المجتمعين مكانة قانونية تحددها لهم القوانين الدولية أي الاستعمار الغربي ، وأعلنوا  سبب اعتراضهم الشكلي على قرار ترمب واصفين اياه بالخروج الصريح عن الشرعية والقانون الدوليين .
فالشرعية الدولية والقانون الدولي يشكلان أساس الدفاع عن قضية الأرض المباركة عند الأنظمة وحاشيتهم من رؤساء البرلمانات العربية ، ليجسدوا بذلك  مدى انسلاخهم عن ثقافة الأمة الإسلامية باعتبارهم الشرعية والقوانين الدولية مرجعية ومنطلقا لحل قضية الأرض المباركة ، فمجرد اعتبار القوانين الدولية التي وضعها الغرب المستعمر الطامع في بلدنا مرجعية لقضية فلسطين يعنى التنازل عن جل الأرض المباركة لكيان يهود ،فالشرعية الدولية وقوانينها ضمنت لكيان يهود الحق في الوجود على جل الارض المباركة في حدد آمنة وثابتة ، فأي تضليل وخيانة وأثم أعظم من جعل الحاكمية للقوانين الدولية الإستعمارية على الأرض المباركة بقدسها وأقصاها..وحق الأمة الإسلامية فيها ؟!.
فالأمة الاسلامية هي صاحبة الحق في الأرض المباركة ، حق وملكية ومكانة عظيمة أنشأتها الأحكام الشرعية التي جعلت من الأرض المباركة أرضا خراجية ملكا للأمة الإسلامية ، و أعطتها مكانة خاصة حفرتها سورة الإسراء في قلوب المسلمين ، ورباطا عقديا جسده إسراء المصطفى عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بورك حوله.
بركة.. جعلت من الأرض المباركة كاشفة لكل خيانة ..ولكل عنتريات فارغة ، فالإنتصار لمسرى الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكون بالتمسك بطاغوت القانون الدولي ولا يكون بالإعتراف الهزلي بالقدس الشرقية عاصمة لدولة ورقية ولا يكون بالشجب والإستنكار وعقد القمم والإجتماعات الفارغة المحتوى والمضمون ، بل يكون بتجييش الجيوش لتحرير مقدسات الأمة وأرضها من كيان غاصب أوجب الشرع على الأمة إقتلاعه .
إقتلاع.. جسده  القادة  الأفذاذ في الأمة كالناصر صلاح الدين والمظفر قطز ، إقتلاع ينتظره كل مسلم موحد بربه كحل شرعي وحيد لقضية فلسطين ، حل تتشوق له أمة كاملة تعرف الغث من السمين ، ولا تقيم وزنا للخونة المجتمعين في قمم التنازل والتفريط ، ولا تعبئ بسيل التصريحات الجوفاء التي لا  تغير شيئا من الواقع المرير.
واقع..  يوجب التحرك الفوري من جيوش الأمة الاسلامية لتحرير الأرض المباركة وإرجاع المسجد الأقصى ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحضان الأمة الإسلامية ، فقضية فلسطين قضية عسكرية تستوجب شرعا التحرك الفوري لجيوش الأمة لتحريرها.
تحرك.. لجيوش الأمة قد تكبله الأنظمة لأنه يهدد كياناتها المرتبطة بالمستعمرين..وقد يصمت عن المطالبة به علماء السلاطين لإرتباطهم بعروش الظلمة..وقد يغيب عن الإعلام والأقلام المأجورة و الفصائل المرتمية في أحضان الأنظمة العميلة ..لكنه رغم ذلك كله  يبقى الحل الشرعي الوحيد الذي أوجبه الله على الأمة الإسلامية، والحل العملي  الذي لم يغب عن أذهان الأمة الإسلامية ولم تسقطه يوما من حساباتها ،   فنادت به جماهير الأمة الغاضبة في المسجد الأقصى والأردن وتونس وماليزيا وتركيا وغيرها من بلاد المسلمين التي خرجت فيها المسيرات مطالبة جيوش الأمة بالتحرك الفوري لإنقاذ  القدس و تحرير فلسطين .
فلسطين التي ما صَدقت يوما قمة أو تصريحا أو جعجعات إعلامية من زعماء عملاء للغرب ، وبقيت تنتظر الفاتحين المحررين الذين سيشرفهم الله بتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام .

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الارض المباركة فلسطين
21-12-2017