الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

خطأ ...في قراءة مشروع السلام الأمريكي

خطأ ...في قراءة مشروع السلام الأمريكي

د.مصعب أبو عرقوب

"كان يعني ذلك أنهم اخطأوا تماما في قراءة مشروع السلام الأمريكي: إسرائيل فقط كان مسموحا لها بوضع بنود جدول أعمال السلام، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتسوية الدائمة".

كان ذلك كلام المورخ اليهودي المشهور اٍيلان بابه في وصفه "إدراج الفلسطينيين النكبة ومسؤولية إسرائيل عنها في رأس جدول الأعمال الفلسطيني" في مفاوضات كامب ديفيد، ويؤكد بابه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" إن ذلك جاء بعد "طلب منظمة التحرير المشورة من جهات من المستغرب اللجوء إليها، مثل معهد آدم سميث" الذي أدرجت بإشرافه تلك القضايا.

قد ترسم حروب الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة في أفغانستان والعراق وباكستان صورة للجندي الأمريكي الذي لا يتورع عن قتل الأبرياء وسحق آمال الأطفال وحرمانهم من ذويهم على حواجز الموت في أحياء بغداد وغيرها من المدن المقهورة التي دخلت موقع ويكيلكس كأسماء لمسرح جريمة نفذتها القوات الأمريكية على أرضنا، وقد تتضافر الأحداث التاريخية في وصم الأمريكي بالتوحش والهمجية فهيروشيما وناكازاكي تبقى شاهدة على مدى القيمة الحقيقية للانسان في حروب الولايات المتحدة!

الا أن جوهر السياسية الامريكية الذي صنع عقلية ذلك الجندي وحرك آلة الموت تلك في أصقاع المعمورة يتوارى خلف أدوات وفّرت لصانعي السياسية الأمريكية الرأسماليين غطاءً أخلاقيا، فيهيم الإعلام العالمي بحب الديمقراطية الأمريكية، وتولع الأقلام المأجورة بالنمط الأمريكي في الحكم، وتمجد سياسات البنك الدولي، وتنزه تقارير لجان حقوق الإنسان، ويحتكم لمجلس الأمن في فض النزاعات ورفع الظلم، وتعطى الأنظمة التابعة في سياستها وإدارتها للدولة الأولى الشرعية، لتصبح هي الأخرى أداة تضلل وتغطي عورة النظام الرأسمالي بغطاء يراه كل من ارتبط بعجلة الدولة الأولى رؤية حاشية الملك للثوب المزيف، ومن يتمرد فيرى الولايات المتحدة الأمريكية عارية من الأخلاق أو الإنسانية يوصف بالإرهابي أو المتطرف!

وقد تضيع تلك الحقائق الثابتة عند التعاطي مع السياسة، فيقع البسطاء في كمين التضليل، وقد يصفق لجمال الثوب أو لإنسانية الحل أو اكتراث الدولة الأولى بمآسي الشعوب ودموع الأطفال كل من صدق الهالة الإعلامية المزيفة والتصريحات المنمقة، فاهتمام الولايات المتحدة بالقضية الفلسطينية المتمثل بمشروع السلام الأمريكي القائم على حل الدولتين، يجب أن يقرأ في سياقه الشرعي والتاريخي أو بمعنى أدق أن يعيد أولئك الذين اخطأوا مراراً في القراءة ....قراءة المشروع الأمريكي قراءة مبدئية تضع الموازين القسط، وتخرج القضية من أوهام التسويات البرغماتية الهشة.

فالولايات المتحدة الأمريكية حاملة لواء الرأسمالية في العالم لا ترى القضية الفلسطينية إلا من خلال المنظور الرأسمالي المادي، فهي لا تقيم وزنا للمقدسات... ولا تعبأ بالقتل المستعر في أهل فلسطين ولا ترى ركام المنازل في القدس أو غزة بعد مرور الجرافات أو الطائرات فوقها، ولا تشتم رائحة الفسفور في مدارس اللاجئين، كل ما يمكن أن تراه هو مصلحتها كدولة استعمارية خرجت للعالم تفتش عن المناجم والمعادن ..عن ثروات وحاصلات الشعوب الفقيرة لتكون غذاءً لبطون مصانعها وشركاتها العملاقة، فاستبدت بمنابع النفط دون أصحابه الشرعيين. وجاست خلال الديار لتأمين أسواق لمنتجاتها، تحت غطاء كثيف من القصف والقتل والمكر والتجسس والانقلابات العسكرية والثورات الملونة، وفي سبيل تحقيق تلك المطامع المادية التي اصطلحت على تسميتها مصالح حيوية تخوض الولايات المتحدة حروبها وترسم سياستها ويتحرك دبلوماسييها، ووجود قضية تأجج المشاعر وتهدد حياة الجنود الامرييكين على حد تعبير باتريوس يضع منظومة المصالح تلك تحت تهديد التغيير وخروج المنطقة من القبضة الأمريكية،

ففلسطين جسدت وما زالت تلك الحالة التي تعاني منها الأمة من شرذمة وهوان وقتل وضياع مقدسات ونهب ثروات. فكان لا بد للإمبراطورية الأمريكية من إطفاء ذلك اللهب المشتعل وتقسيم الأرض بين أهلها ومحتليها في تطبيق عملي لنظرية الحل الوسط، وميل مبدئي طبيعي باتجاه "إسرائيل" كامتداد حضاري وعسكري أمام الخطر المحدق بالاستعمار الجديد والزاحف من الشرق الإسلامي.

وقد يهيأ لبعض متعاطي السياسة وجود منطقة رمادية في أولويات المصالح الأمريكية يمكن من خلالها النفاذ والتأثير قي مجريات الأحداث والمساهمة على الأقل في اقتراح نقاط على جدول الأعمال لمشروع السلام الأمريكي، وتستخدم تلك الفئة حقيقة أن مصالح الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي أكبر بكثير من مصالحها مع "إسرائيل"، ومن خلال تلك المقاربة السطحية يرى بعضهم ضرورة إقناع الولايات المتحدة ولفت نظرها ...لتدرك أن مصلحتها مع العالم العربي والإسلامي تتعاظم أمام تضائلها مع "إسرائيل" المشاغبة، في محاولة لحث الإدارة الأمريكية للضغط على "إسرائيل" لتقبل بحل الدولتين (الرؤية الأمريكية للحل).

ومع أن الرؤية الأمريكية للحل تكرس الاحتلال وتضمن بقاء "إسرائيل" وتحافظ على أمنها، إلا ان هذه المقاربة وتلك المعادلة السطحية تشكل حرصاً زائداً على مصالح الدولة الأولى ومنطقاً معوجاً في تحقيق المصالح والغايات من بوابة الحرص على مصلحة الولايات المتحدة وإقناعها بأن مصلحتها معنا... في مص ثرواتنا ونهب بلادنا!!، وذلك السلوك لا يجلب على صاحبه سوى مزيداً من الاستهانة والاستهتار بطاقاته ولا يضعه إلا في خانة التبعية وانعدام الوزن، وتفتقر تلك المقاربة مرة أخرى إلى القراءة المبدئية للصراع، ففلسطين تشكل ساحة المعركة بين الحق والباطل، بين الاستعمار وأهل البلاد، بين الجلاد والضحية، بين الأرقام في ويكيليكس وأصحاب الأرقام في وول ستريت، بين مادية الرأسمالية وعدالة الإسلام.

ولا يمكن بحال من الأحوال للنخب الحاكمة في العالم الإسلامي أن تشكل تهديداً للمصالح الأمريكية، يفضي إلى تغيير في سياستها أو في جدول أعمالها، ذلك أن تلك النخب والأنظمة الحاكمة أقرب في ولائها وتبعيتها للإدارة الأمريكية منها إلى الأمة الإسلامية، ففي ظل بعد الأنظمة عن آمال الأمة وطموحاتها وانفصالها التام عن مجتمعاتها ومشاعر مواطنيها وأفكارهم، ارتبط وجودها بوجود الاستعمار ودعمه لشرعيتها، وبذلك أصبحت أداة طيعة بيد الاستعمار الجديد. بالإضافة إلى أن توحد الأمة الإسلامية في كيان سياسي واحد يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة والعالم، فوجود الأنظمة الحاكمة وانخراطها في تحقيق الرؤية الأمريكية للحل وتكريسها لواقع التبعية والفرقة...يوازيه حرص الولايات المتحدة على وجود تلك التوليفة الغريبة في العالم العربي والإسلامي... أنظمة عربية و"إسلامية" في حالة عداء وخوف مع شعوبها وفي حالة تقارب أو مفاوضات مع "إسرائيل"، يشكل شبكة الأمان للمصالح الحيوية الأمريكية.

وسيبقى التخبط سيد الموقف والأخطاء تترى، حتى تستعيد الأمة وحدتها، وتجتمع تحت ظل راية واحدة، لتضع تحرير الأرض والمقدسات على قائمة أولوياتها .. لتنطلق إلى العالم بعدها برسالة نور وعدالة تنقذه من وحشية المادية الرأسمالية، والى تلك اللحظة الحاسمة في تاريخ البشرية لا يمكن لأحد أن يدّعي القدرة على إدراج أي قضية على جدول أعمال العملية السلمية...فوضع بنود في جدول أعمال المشروع الأمريكي للسلام ... حصرٌ على "إسرائيل"!!

4/12/2010م

الخميس، 26 أغسطس 2010

لو لم يكن للعرب غيرك لكفى

د.مصعب أبو عرقوب

" شر البلاد بلاد لا أمير بها.. " ، تابع أكثم بن صيفي حديثه بباب كسرى ليأسر الألباب ويغير الصورة التي كان يحملها كسرى عن العرب ، فما كان من كسرى إلا ان علق مادحا : لو لم يكن للعرب غيرك لكفى.

وقد ترأس أكثم "رهطا من العرب ، لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم ، وعقولهم وآدابهم " ، ابتعثهم النعمان بن المنذر لكسرى ليعلم ان العرب على غير ما ظن بهم من وحشية وصغر همة ، ولخوف النعمان من ان يتخذ كسرى العرب "خولا كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج اليه، كما يفعل بملوك الامم الذين حوله " .

ومع ان الواقع السياسي للعرب في الجاهلية لم يكن ليسمح بمقارعة الدول الكبرى في ذلك الزمان فلا وجود لدولة مبدأيه تجمعهم تحت لواء واحد ولم يعتقدوا الإسلام حينها كنظام ورسالة عالمية ، إلا أنهم على الأقل حازوا على الاحترام والتقدير، وأبى ملكهم النعمان بن المنذر أن يعامل العرب بإهانة فيدفعوا الخراج لكسرى.

وقد تعوز حكمة العرب البعض عند الوقوف على الواقع السياسي المرير الذي نعيش ، فبعد اعتراف الجميع بفشل المفاوضات الغير مباشرة ، واعتبار نتائجها "صفرا كبيرا "و "فشلا ذريعا لجهود السلام "، جاءت لجنة المتابعة العربية لتحض على المفاوضات المباشرة وتلقي الكرة في ملعب السلطة الفلسطينية لتستعين الأخيرة بالمجلس الثوري واللجنة التنفيذية علها تتبنى الذهاب للمفاوضات المباشرة ، فالكل يلقى بكرة اللهب تلك للآخرين تنصلا من وزر البدء بالمفاوضات المباشرة ، في مسلسل درامي معقد ، تلتبس فيه الأدوار وتتداخل الصلاحيات فلا تكاد تميز بين الرئيس والرعية في تلقي الاوامر ، وبين التنفيذية والعربية والرباعية في الصلاحيات ، والثوري والتشريعي في البعد عن التأثير في الأحداث ، فلا قرار واضح يتخذ حيال المفاوضات التي اقر الكل بفشلها عبر مسيرتها الطويلة ولا يظهر في الأفق مسئول أو هيئة تستطيع البت في تلك القضية ، ويصبح المسلسل عصي على الفهم أكثر إذا نسيت حكمة العرب "شر البلاد بلاد لا أمير بها".

فقد كان واضحا بعد اجتماع اللجنة العربية أن كل شيء قد تم قبل الاجتماع في كواليس فندق الـ(فور سيزون) في القاهرة الذي كان يرابط فيه ديفيد هيل كبير مساعدي مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل، فقد كان التناقض والارتباك سيد الموقف في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد الاجتماع ، وتناقضت فيه الأقوال بين الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ورئيس اللجنة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، فموسى قال إن المفاوضات تحتاج لمتطلبات وشروط ، بينما تحدث الشيخ حمد عن خلق البيئة وإطلاق يد الرئيس أبو مازن في عملية السلام، مما يعني تهربا من المسؤولية وإلقاء الكرة في ملاعب الآخرين ، وتوالت الأحداث في قضية مصيرية للأمة الإسلامية لتكشف حقيقة الشر الذي تعيشه الأمة في ظل غياب الأمير وتشعر بهذا الشر يلامس جلدها ، فلا يستطيع أحد أن يتخذ قرارا حتى وان كان يتنافى مع مصالح الأمة ، إلى أن جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون لتقطع قول كل خطيب، وتعلن بدء المفاوضات المباشرة وتحدد مراسيم الاحتفال بها وقائمة الحضور ، فتسقط كل الاشتراطات ويصمت كل خطباء المفاوضات ليحزموا أمتعتهم في موسم الحج لواشنطن.

ولا يجادل أحد في أن عدم اتخاذ القرارات يدلل على التبعية والارتهان للغرب، وفقدان السيادة، وان جاء كل ذلك تحت عنوان الضغوط الكبيرة والغير مسبوقة ، فما هي إلا مصطلحات تجميلية تدلل على فقدان السيادة والتبعية للدولة الأولى في العالم ، وتفتقر تلك المصطلحات لحكمة العرب وبساطة بلاغتهم وصدق تعبيراتهم ، فالواقع يشير إلى أننا نعيش في شر البلاد إذ لا أمير بها ولا سيادة .

إلا أن اللافت في الأمر ان الإدارة الأمريكية لم تعد تبذل جهدا في إخفاء تلك الحقيقة عن الشعوب ، وباتت تتصرف غير آبهة بمصير حلفائها وصورتهم أمام شعوبهم ، فأصبحت أوامرها واضحة جلية غير مغلفة بتمنع بعض الأنظمة وعنتريات البعض الأخر ، فالكل أمام الأوامر الأمريكية سواء ، فالإدارة الأمريكية لا تريد العودة للوراء لتقاتل في حصون سقطت وأصبح من العسير عليها استعادتها في معركة العقول والقلوب ، ففي ذلك مضيعة للوقت والجهد في زمن الأزمات والمستنقعات ، فحقيقة الأنظمة وتبعيتها للغرب و انسلاخها عن الأمة رسختها الإحداث والمصائب التترى في عقول وقلوب الأمة عبر عقود من العيش في شر البلاد والوقوع فريسة لانعدام الوزن وفقدان السيادة وتكسر الأحلام.

فالإرادة السياسية المستقلة ذات السيادة تنتج سلوكا سياسيا ملبيا لمجموعة الأفكار والمعتقدات ومتماشيا مع المنظومة الفكرية التي تعتقدها الأمة في سبيل تحقيق آمالها وطموحاتها ، وما دون ذلك يأتي ضمن الانخراط في تامين مصالح الأعداء والدفاع عنهم والتردي في مستنقعات التبعية ، فأرض فلسطين مسرى الرسول وأولى القبلتين، أرض مباركة في عقيدة الأمة وفكرها ، ولن تهدأ الأمة حتى ترى القدس وفلسطين محررة طاهرة ، وما دون ذلك لا ينسجم مع فكر الأمة وآمالها ، وسيان عند الأمة بعد تلك الحقائق ان ضاعت الأرض المباركة مباشرة بأوامر الغرب أو عبر وسطاء ... قد يسمون زورا... أمراء .

فلا وزن لقادة ولا لمجالس ولا لهيئات ولا لوزارات ولا لجامعة عربية أو إسلامية ، إذا فقدت الإرادة والسيادة ولم تأت القرارات منسجمة مع عقيدة الأمة وآمالها، وما تعيشه الأمة من فقدان الرعاية في المجالات السياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية وغيرها من النواحي يجسد حقيقة غياب الأمير أو الحكم العادل ويرسخ الحكمة العربية في شر البلاد التي نعيش .

وللخروج من هذه الأزمة لا بد للأمة ان تتوحد في ظل دولة واحدة ، ولا بد لها من أمير يحكم الأمة بما تعتقد من نظام إسلامي يحقق لها السيادة والرعاية ويعيدها خير امة أخرجت للناس ، لا تحتاج إلى كثير اجتماعات وتوصيات ولجان متابعة لإحقاق الحقوق وإرجاع المقدسات ففي ظل وجود الأمير تكفي رسالة منه.. يكتب فيها : "الرد ما تراه لا ما تسمعه" .

د.مصعب محمد ابو عرقوب

24-08-2010

السبت، 3 يوليو 2010

أبعد من تركيا.. وأعمق من مياه الأطلسي


أبعد من تركيا.. وأعمق من مياه الأطلسي

د. مصعب أبو عرقوب*

انتقلت القضية الفلسطينية عبر عقود من الزمن من قضية أمة إسلامية احتلت مقدساتها ، وفقدت أولى قبلتيها وثالث حرميها ومسرى نبيها، إلى قضية عربية قومية قُزّمت إلى وطنية فلسطينية قُسّمت إلى فصائلية مصلحية.

وقد مهدت لهذا الانتقال بين تلك الأبعاد هجمة على مفهوم الأمة وعلى كيانها السياسي الذي وحدها في دولة على مدى أربعة عشر قرنا، وتوازى القفز من بارجة الأمة إلى قوارب ضيقة هشة مع الهجمة على كل ما يوحد الأمة، فقُسمت بلادنا ورُسخت حدود سايكس-بيكو، واحتُلت الأرض مرة أخرى في العراق وأفغانستان ونزلت بها القواعد العسكرية والمطارات، وتقاتل الإخوة من أجل كرة قدم أو من أجل عيون المستعمرين.

وعلى وقع تلك الهجمة على الأمة وكيانها الفكري الموحد، ورغم ذلك الوهن والضعف الذي أصاب الأمة إلا أن القضية الفلسطينية لم تهدأ ولم تستطع الأنظمة الحاكمة أن تدفنها في الأرض المحتلة وتجعلها عهدة حصرية للفصائل الوطنية والإسلامية الإقليمية.

ورغم تناقض أسس الدول الإقليمية الضيقة مع الارتباط بقضية لها هذا البعد على مستوى الأمة إلا أن الأنظمة ومن يقف وراءها من الغرب لم تستطيع تجاوز هذه الحقيقة السياسية والفكرية.

فمن القاهرة خاطب أوباما شعوب العالم الإسلامي بوصفها أمة واحدة، وجاءت تصريحات باتريوس في نفس السياق لتدلل على ارتباط الشعوب برابط قوي تحت مفهوم الأمة الواحدة، فالصراع بحسب باتريوس في فلسطين يهدد جنود الولايات المتحدة في كل مكان، ولولا وجود ارتباط عقدي ومعنوي يوحد العالم الإسلامي في نظرته لفلسطين والمقدسات لما خاف باتريوس على جنوده من تهديد عابر للحدود.

وقد يُفسر في هذا الإطار أيضا، المبادرات التي صيغت لتأخذ بعداً إقليميا في محاولة لزج الأمة بمجموعها في حل القضية الفلسطينية حسب الرؤية الأمريكية المتمثلة في حل الدولتين، وطفت على السطح المبادرة العربية كشكل من أشكال الحل الجماعي، في غياب لأي تجسيد لهذا التجمع أو الاتفاق في مجالات أخرى، مما يثير التساؤلات حول طبيعة الأنظمة الحاكمة ومدى خضوعها للإرادة السياسية الأمريكية، وتوحدها في تأمين مصالحها السلطوية عبر الخضوع للنظام العالمي الذي تفرضه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها في عالمنا العربي والإسلامي، وهي تستخدم في تحقيق ذلك قوة كامنة وأسسَ وحدةٍ لا يمكن تجاهلها في أمةٍ مشتتة سياسياً عبر كيانات مصطنعة تتوحد أنظمتها وقياداتها لخدمة قرارات وحلول بعيدة كل البعد عن آمال الأمة وتطلعاتها.

ويدخل البعد الإسلامي في معادلة الأمة وقوتها، وقد كان من بعض تجليات ذلك البعد إعلاميا "أسطول الحرية" الذي قصد غزة المحاصرة يمخر عباب البحر بسفن تحمل التركي مع العربي في صورة تعيد للذاكرة وحدة الأمة الإسلامية ثقافيا وعقدياً.

لم يصل الأسطول إلى شواطئ غزة ... وقضى بعض الأتراك نحبهم في مياه المتوسط، وانطلقت المظاهرات في اسطنبول وارتسمت وحدة المسلمين مرة أخرى في مراسم الجنازة والدفن وآيات القران واحترام الشهداء الذين خاضوا البحر من أجل عيون فلسطين، وتردد في شوارع تركيا التكبير باللغة العربية والمصطلحات الشرعية بلغة القرآن في مشهد يخترق الحدود ويختزل التاريخ ومئات الكتب والأبحاث ويسلط الضوء على فشل المؤامرات السياسية التي حاولت كسر هذه الروابط وتقسيم الأمة الإسلامية وإنهاءها من الوجود عبر تقطيعها إلى دول وممالك.

إلا أن هذا التوحد في مفهوم الأمة وفي المنظومة السلوكية والثقافية لها وفي تطلعاتها لتحرير المقدسات والأوطان لم ينعكس على الواقع السياسي الذي تعيشه الأمة، ولا زالت الأنظمة في الحالة العربية تحاول استغلال أسس الوحدة و تجذر مفهوم الأمة عند الشعوب لتمرير الحلول الأمريكية التي تضمن بقاء الاستعمار، وعلى تلك الخطى تسير الأنظمة في العالم الإسلامي كذلك مستغلة تطلعات أبناء الأمة الإسلامية للتغيير والخروج من واقع التبعية والتخلف ومحاولة لعب دور في قضايا الأمة المصيرية والتأثير في الموقف الدولي.

إلا ان هذا التطلع وهذه التحركات الشعبية لا تنسجم مع واقع الأنظمة والحكومات القائمة في العالم الإسلامي التي ترتبط أصلا بالنظام العالمي المسيطر عليه أمريكيا، ولا تأتي تحركات الأنظمة في العالم الإسلامي إلا ضمن القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تخدم الدول الكبرى وأطماعها في عالمنا الإسلامي والعربي وثرواته وخوفه من عودة الأمة الإسلامية موحدة في دولة واحدة، فلا قيمة لأي تحركٍ مقيد بتلك القرارات وبذلك المجتمع الدولي ولا يلتفت فيه إلى مصالح الأمة الإسلامية التي تتجسد في الانعتاق من الاستعمار والعيش في ظل دولة واحدة، والشعوب لم تعد تتعلق بظواهر صوتية وجعجعات إعلامية وهي ترى ثروات الأمة وطاقاتها تهدر تحت أقدام الاستعمار الجديد، وتحاصر غزة ومحيطها العربي والإسلامي قادر على تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال وفك الحصار لكنه لا يحرك ساكنا على مستوى الأنظمة والحكومات.

فرفع الحصار عن غزة وتحرير المقدسات لن يأتي عبر حلف الناتو الذي كان الملجأ للحكومة التركية، ولا عبر الإدارة الأمريكية التي تتطلع إليها عيون الأنظمة للضغط على "إسرائيل" لتخفيف الحصار أو وقف الاستيطان، فقضايا الأمة المصيرية لا تحل إلا بسواعد شبابها، والارتماء في أحضان النظام العالمي لن يزيد المشاكل إلا تفاقماً ، وأمة من المغرب إلى اندونيسيا موحدة بأفكارها وتطلعات شعوبها وعقيدتها ودينها تستطيع وبلا أدنى شك ان تحتل مكانة عالية بين الأمم ان هي تخلصت من تبعات الارتباط بالغرب وأدواته.

إلا ان القضية وعبر "أسطول الحرية" ظهرت للعالم بعمق آخر، فركب الأسطول أناس من أمم أخرى وثقافات متباينة، جمعهم واستفز عقولهم رؤية مدى الظلم الواقع على أهل غزة، والذي أصبح تجسيدا واقعياً للظلم الواقع على البشرية من النظام الرأسمالي الظالم الذي تطبقه الدول الكبرى التي لا ترى سوى مصلحتها المادية ولا ترى أي قيمة للإنسان أو المكان إلا ضمن قيمته بالدولارات، فتسحق شعوباً بكاملها من أجل توفير النفط للرأسماليين وشركاتهم، وتسقط الدول في حروب أهلية لتأمين منابع النفط والمعادن الثمينة لمصانع الرأسماليين وسياراتهم ، وتحاصر غزة أو يفكر بتخفيف الحصار عنها خدمة لمصالحها ومشاريعها السياسية في منطقتنا الإسلامية المترابطة.

وحتى تعود للأمة مقدساتها وثرواتها وتحرر ما احتل من أرضها وتمتلك إرادتها السياسية لا بد لها من الانعتاق من النظام العالمي وأدواته ، والخروج على قواعد اللعبة الدولية التي تضمن تفوق الاستعمار، ولن يكون ذلك إلا بالتخلص من وكلاء الاستعمار الرأسمالي في العالم العربي والإسلامي وإزالة الحدود المصطنعة بين أبناء الأمة الواحدة لتعيش الأمة في ظل دولة واحدة تخلق فضاءً واسعاً لأبناء الأمة، تتفجر فيه طاقاتهم وتتحقق فيه آمالهم وتطلعاتهم في عيشة كريمة عزيزة تعيدهم لدورهم الحضاري، يحملون رسالة نور للبشرية يخرجونها من ظلم الرأسمالية وتوحش النظام العالمي المادي إلى عدل النظام الإسلامي ، وروحانية التشريعات الربانية التي تكرم الإنسان،وتعالج مشاكله على أساس إنسانيته من خلال منظومة القيم الأخلاقية والروحية والإنسانية التي يضمنها تطبيق الإسلام كنظام عالمي.

فالأمة الإسلامية بذلك هي المرشحة الوحيدة لإنقاذ العالم من المادية التي يكابدها ومن الظلام الذي يغرق فيه ومن الحصار الذي يفرضه أصحاب الشركات الرأسمالية على عقول البشر وثروات الشعوب ومقدرات الأفراد.

ومع تعطش الأمة الإسلامية المتزايد للعيش في ظل دولة واحدة ومع تغول النظام الرأسمالي وجشعه ، فإن التغيير حتمي وملامحه ترتسم في الآفاق، والبشرية على موعد مع تغيير أبعد من تركيا وأعمق من مياه الأطلسي.

28-6-2010

الخميس، 20 مايو 2010

صن تزو و المأساة الفلسطينية


صن تزو و المأساة الفلسطينية

د.مصعب أبو عرقوب*

انفجرت نساء القصر بالضحك عند سماع الجنرال صن تزو يصيح "لليمين درن"، وكان قد اقترح إجراء تجربة عليهن، ليثبت لإمبراطوره صحة نظرياته في الحرب وادارة الجند التي وضعها في كتابه الشهير"فن الحرب"، عَقّب صن على عدم انصياع النسوة للأوامر بالقول "إذا كانت كلمات الأوامر غير واضحة ومميزة وكانت غير مفهومة فهما شاملا، فإن اللوم يقع على القائد".

لقد كانت الأوامر بسيطة، تلك التي أعطاها الجنرال صن تزو، لكنه كان حازما في وضع نظرياته التي حازت على الثقة والتقدير، و دفعه الإخلاص لأمته لأن يكون صادقا مع نفسه فألقى اللوم على القائد، إذا كانت الأوامر غير مفهومة وغير دقيقة، واللوم يصل إلى حد التجريم، إذا كانت الأوامر على مستويات أرفع وأعقد من قيادة سرية وتدريبها،

فالأوامر على مستوى أمة ومستقبل أرض مقدسة، وشعوب تهدر ثرواتها وتحتل أرضها، يجب أن تكون واضحة ومفهومة فهما شاملا حتى تنفذ و تترجم إلى واقع يضع الأمة على طريق النصر وتحرير المقدسات وصون الدماء.

وعدم الوضوح في القرارات والأوامر يفضي إلى التراجع والانتكاس، وتضييع الحقوق وتثبيت الواقع المرير والمأساة التي نعيش، وتعمد الغموض في إصدار الأوامر والقرارات في القضايا المصيرية يتجاوز حدا أبعد من مجرد إلقاء اللوم على القادة والحكام إلى البحث عن حقيقة الأنظمة والنخب الحاكمة وارتهان قراراتهم بأوامر وتعليمات سلبتهم كل معاني السيادة والإرادة السياسية، ونزعت عنهم صبغة القيادة لتجعلهم أقرب إلى وصفهم بالمحكومين أو المنفذين لسياسات لا تخدم إلا مصالح الدول الاستعمارية وأطماعها، ولا يمكن وضع ذلك الغموض إلا في خانة التضليل وإيهام الشعوب بوجود قيادات تصدر قرارات وأوامر قد تحل قضايا أمة تذبح وتحتل أرضها وتنتهك مقدساتها وتحرق مساجدها، وتعيش فقيرة على قارعة الحضارة بثروات أصبحت نهبا لكل طامع في انتظار قرار يعيد الأمور إلى نصابها، إلا أن القرارات تأتي دوما جوفاء غامضة في محاولة للتستر على عجز الأنظمة وتبعيتها للغرب.

فالقرارات و الأوامر المتعلقة بالقضية الفلسطينية كواحدة من قضايا الأمة الإسلامية الرئيسية يلفها الغموض والضبابية، فبعد الإعلان عن نية "إسرائيل" طرد عشرات الآلاف من أهل فلسطين، أصدرت الجامعة العربية أمرا لأهل فلسطين "بعدم الانصياع لأوامر الطرد"!!، في تطبيق نموذجي لقاعدة صن تزو، فالأمر الصادر غير واضح وغير مفهوم ولا يلام أهل فلسطين إن أفرطوا في الضحك ولم ينفذوا أمر الجامعة العربية، وذلك ليس هروبا من المقاومة والتصدي للاحتلال بقدر إدراك مرارة الواقع، فلو كان باستطاعة أهل فلسطين التصدي للاحتلال وحدهم لما احتلت فلسطين، ولا هدمت البيوت في القدس ولا حفرت الأنفاق تحت المسجد الأقصى ... لو كان باستطاعتهم لما تركوا آلاف المعتقلين من خيرة شباب فلسطين في سجون الاحتلال يصارعون الموت البطيء أمام أعين أمهاتهم وزوجاتهم و أطفالهم، لو كان باستطاعتهم لفكوا الحصار عن غزة، ومنعوا قنابل الفسفور من اختراق أجساد أطفالهم وصواريخ الطائرات من هدم بيوتهم ومساجدهم، لو كان باستطاعتهم لصلوا الجمعة في المسجد الأقصى واستجموا على سواحل حيفا وعكا، لو كان باستطاعتهم لفعلوا ذلك كله، ولم ينتظروا أمراً من احد.

و تدخل تحت قاعدة صن الكثير من الأوامر والتصريحات الغامضة، التي تطالب أهل فلسطين بالتصدي والصمود في وجه الاستيطان والتهويد والقتل والطرد والحصار والجدار والاعتقال، فعدم الوضوح يخرج قضية فلسطين من بعدها الإسلامي، و يلقي المسؤولية على الكتيبة المحاصرة من الأمة في فلسطين ويحملها ما لا طاقة لها به، ويسلط الضوء على نوعية القادة وتقيدهم بأوامر ورؤى تخط بحروف أجنبية وبلغة لا تفهمها الشعوب ولا تعبر عن آمال الأمة وطموحاتها في إيجاد حل جذري ينهي الاحتلال ويحرر المقدسات.

وعلى جانب آخر تتجلى الأوامر واضحة وتنفذ بدقة، فتحفر الأرض ويسكب الفولاذ وتقفل المعابر وتحاصر غزة، وتعلن الحرب على "الإرهاب"، وتصدر الأحكام الواضحة بالسجن المؤبد لمن يحاول فك الحصار، وتجتمع لجنة متابعة المبادرة العربية لتقر البدء في مفاوضات غير مباشرة في تنفيذ سريع لأوامر وسياسات رسمت في البيت الأبيض.

وفي تجسيد درامي لعلاقة الحاكم بالمحكوم على مسرح القضية الفلسطينية، أصبحت الرؤية الأمريكية المتمثلة بحل الدولتين دستورا للأنظمة و تنفذ كأوامر واضحة لا يمكن العدول عنها، حتى وإن كان ذلك يتناقض مع رؤية الأمة المستمدة من عقيدتها، رؤية تقيد بها حكام وقادة كصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس انطلقت الأمة خلفهم وبدون تردد باتجاه تطبيق أوامرهم الواضحة.

فالحقائق التاريخية والسياسية تدلل على أن الأمة الإسلامية لن تبخل بالتضحيات ولن تخطأ في تنفيذ الأوامر عند تلقيها أوامر واضحة من قادة حقيقيين، وستغير مجرى التاريخ وتحرر المقدسات وتسود الدنيا، فذلك طبعها وتاريخها، فالأمة مطالبة بإيجاد ذلك النوع من القادة الذين يأمرون ولا يأتمرون ...فتتوحد الأمة بهم على قرار واحد و في دولة واحدة، ولا بد للمؤثرين وأهل القوة والمخلصين من أبناء هذه الأمة تقدم الصفوف وحمل راية القيادة الحقيقية للأمة، حتى لا تستمر المأساة، وتتحول قضايا الأمة في هذا العصر وعلى أيدي هذه الأنظمة والقيادات إلى...مجرد ملهاة.

د.مصعب أبو عرقوب

الاثنين، 8 مارس 2010

حدود الرحلة مع نتانياهو


حدود الرحلة مع نتانياهو

د.مصعب أبو عرقوب*

"عندما أصطحب أحيانا، أحد الضيوف الأجانب، في رحلة جوية أطلب من الطيار الاتجاه غربا مرة ثانية، باتجاه الساحل، والتحليق فوق منطقة السفارات في شارع اليركون في تل أبيب، وتستغرق الجولة الجوية حتى الحدود والعودة، أقل من عشر دقائق، وعندما يكون الضيف دبلوماسيا تتخذ حكومته موقفا متشددا في موضوع المناطق المحتلة، يستطيع أن يتصور بسهولة، كيف يمكن له أن يعمل في سفارة تقع على مسافة 5 دقائق طيران بطائرة خفيفة من الحدود الجديدة التي تريدها دولته لإسرائيل."

من خلال هذه الرحلة الجوية يحاول نتانياهو وكما يذكر في كتابه "مكان تحت الشمس" أن يقنع العالم "بالواقع الجغرافي الخطير لإسرائيل" وبصعوبة التنازل عن الضفة الغربية "التي تمنح الدولة اليهودية عمقا وارتفعا استراتيجيا".

ولتحريك العملية السلمية وعجلة المفاوضات جهد الجنرال دايتون في طمأنة قادة الاحتلال على ملئ هذا "العمق الاستراتيجي" في الضفة الغربية بأجهزة أمنية لن تشكل بحال من الأحوال أي خطر على الاحتلال، بل ستقوم بتأمين الحدود وفرض الأمن، كاستحقاق تفرضه العملية السلمية والاتفاقيات الموقعة.

وفي محاضرته الشهيرة بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط ربط الجنرال دايتون التقليل من آثار أقدام الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بقدرة الأجهزة الأمنية للسلطة على السيطرة والضبط، وقد دفع التفاؤل الجنرال للقول "لقد انخرطوا في سلسلة ما يدعونه الهجوم الأمني عبر الضفة الغربية، وبمنتهى الدهشة بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وبسلسلة من الجهود المتواصلة لاستعادة حكم القانون في الضفة الغربية وإعادة بناء السلطة الفلسطينية"، وقد بدت الأمور وردية اللون وباتجاه تحقيق نظرية الولايات المتحدة وجنرالها في تحقيق "السلام عبر الأمن".

إلا أن المسافة التي تقطعها طائرة نتانياهو حتى الحدود والعودة لم تتغير، والأحداث لم تظهر تغيرا على فكره وقناعاته، وإن تغيرَ أسلوبه واتجه نحو دبلوماسية التصريح في مواكبة لروح العصر، لكنه لم يبتعد كثيرا عما كتبه في تسعينيات القرن الفائت عن "خطأ الحكومة الإسرائيلية في إنشاء قوة عسكرية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية غربي نهر الأردن.....لأنها – وبحسب قناعاته- ستوجه في يوم ما ضد الدولة اليهودية ."

ويبدو أن الجهد الأمريكي لم يستطع نزع هذه القناعات من عقله وبتقيد صارخ بما صرح به من ضرورة "عدم موافقة الدولة اليهودية على وضع يقضي بأن تراقب قوات جيشها ما يجري في المنطقة، من وراء الأسلاك الشائكة المحيطة بمعسكراتها المغلقة، وعلى وجوب "تمكين الجيش الإسرائيلي من الوصول إلى أي زاوية في المنطقة بما فيها التجمعات السكنية في المدن"، فجاء اقتحام مدينة نابلس واغتيال أعضاء الخلية التي قتلت مستوطنا ليصب في نفس السياق، وبالاعتقالات المستمرة بوتيرة منتظمة يكرس نتانياهو نظريته بل ويطورها للوصول وعلى حد قوله إلى أي منطقة يريد، فوصلت فرق اغتياله الى ضواحي دبي وغيرها من العواصم.

ولم يتوانى نتانياهو في التصريحات التي تؤكد على أن "وادي الأردن سيظل في أيدي إسرائيل في كل مفاوضات مستقبلية". وبقراره ضم الحرم الابراهمي ومسجد بلال بن رباح لقائمة ما سماه التراث اليهودي سار في اتجاه التصعيد ،ووضع خططه للمسجد الأقصى قيد التنفيذ.

وقد رفد وزير خارجيته افيغدور ليبرمان هذا التوجه فقال أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي "إن الفكرة المتمثلة في أن النزاع في الشرق الأوسط الممتد منذ عقود يمكن أن يحل عن طريق تسوية على الأراضي، هي مجرد وهم."

ومع أن الرحلة الجوية لا تتجاوز العشر دقائق، فإنها ترسم صورة لذهنية نتانياهو ولواقع وتوجسات إسرائيل الأمنية، ومن الغريب أن إدراك تلك الحقيقة قد تطّلب من البعض سنوات عجاف من الجري وراء سراب المفاوضات وإيجاد حل وهمي لقضية فلسطين.

كما انه من العبث بمكان تعلق البعض بحبال الإدارة الأمريكية وقدرتها على الضغط لإخراج حل افتراضي يقسم الأرض المباركة بين أهلها ومغتصبيها، فعلاوة على أن هذا الضغط لم يكن يوما لعيون أهل فلسطين ولم تقحم الولايات المتحدة نفسها في هذا الصراع إنصافا للحقوق بل تثبيتا لمصالحها، ومحاولة منها لإغلاق ملف يربك خططها ومشاريعها في المنطقة،

فإن الحديث عن هذه الحلول لا يستهوي إلا من بقي أسيرا لحفر أوسلو وأخواتها، أو مقيدا باتفاقيات ومصالح شخصية تحول بينه وبين التحليق بفكره يوما ليرى أبعاد الصراع وليبصر حدوده، فأمة تعدادها أكثر من ثلث سكان العالم تعتقد بأحقيتها بأرض الإسراء والمعراج وترى في المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين وتتطلع لذلك اليوم الذي تحرر فيه المقدسات، ولن ترضى بحلول أقل من تلك التي رسمها قادة كصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس.

وإلى تلك اللحظة التي تحل فيها قضية فلسطين حلا جذريا يرتقي لطموحات الأمة وأمالها، ستبقى محاولات الحل لهذه القضية محاولات وهمية فحدود رحلة التفاوض "المباشرة أو غير المباشرة "مع الاحتلال واضحة المساحة والمفردات، ولن يدخل في قاموسها إلا المزيد من المستوطنات والحواجز والجدران والأسرى والاغتيالات والاقتحامات، والتهويد وحفر الأنفاق وهدم البيوت وقتل الأطفال، وستبقى حدود المفاوض لا تتعدى الالتزام بالاتفاقيات الموقعة وحفظ الأمن، أضف إليه الشجب والاستنكار والمطالبة بوقف أو تأجيل الاستيطان وإزالة الحواجز، ولن تتداول كلمة التحرير في تلك الأجواء مطلقا، فهي خارج حدود تلك الرحلة مع نتانياهو في أفق النظام العالمي والقرارات الدولية والاتفاقيات الموقعة .

و حتى تعود مفردات التحرير والنصر واستعادة المقدسات إلى الأفق، لا بد للأمة الإسلامية أن تُفعل مشروعها الحضاري بإقامة الخلافة الإسلامية لتوحد صفوفها وتحلق في فضاء العزة والمجد بلا حدود.

5/3/2010

الخميس، 28 يناير 2010

خارج التغطية.........


خارج التغطية.........

بقلم الدكتور مصعب أبو عرقوب *

تتنافس شركات الاتصال على تغطية اكبر مساحة جغرافية بتردداتها لضمان شريحة أكبر من المستهلكين ولن تستطيع الإفلات من تغطيتهم عبر نظام التجوال وتقاسم الشركات للفضاء، و بكبسة زر عند استعمالك للهاتف تفقد حريتك وتفتح جيبك للتعرفة التي تمليها تلك الشركات بلا رقيب أو حسيب، وقد تغريك بعض العروض والحملات الترويجية فتصرف في الرسائل والاتصال لتتفاجئ بفاتورة فلكية ...كل ذلك لأنك لم تنتبه للجملة الأخيرة ذات الخط الميكروسكوبي في نهاية الإعلان والتي تنص على أن "الأسعار خاضعة لشروط الحملة" وإذا كنت ممن حالفهم الحظ وقرأت تلك الجملة فإنك لن تجد الوقت لتتصل وتسأل عن تلك الشروط وإن وجدته واتصلت فستكون الشروط غامضة لدرجة تشككك في قدراتك العقلية على فهم ما يقوله موظف الاستقبال بشكل سريع وشبه آلي.

وفي عصر الفضاء المفتوح أصبح لا بد لكل صاحب رسالة أن يدرك الشبكة التي يستخدم والتعرفة والشروط التي يتوجب عليه دفع فواتيرها إن استخدم أو اختار شبكة معينة، فقرار محكمة لاهاي بخصوص عدم شرعية الجدار الذي تقيمه إسرائيل وما تبعه من تقرير جولدستون و مذكرات اعتقال لمجرمي حرب غزة لا تعدو كونها رسائل ضمن شبكة عالمية تخضع في قوانينها وعلاقاتها لسيطرة الدولة الأولى وبالتالي لمصالحها الاستعمارية في عالمنا العربي والإسلامي، وسرعان ما تتبخر تلك القرارات والمذكرات ويضلل السامع بآلاف التبريرات والتفصيلات والجداول الزمنية والمعايير الدولية وآليات التطبيق ومؤشرات النجاح وضرورة خضوعها للتصويت والمصادقة والعرض على مجلس الأمن في دوراته دون أن يفضي ذلك إلى تغيير أي شيء،

وما أن تنتهي قضية وتنسى حتى تبدأ أخرى تعطي فتات من الأمل للذين لم يدركوا طبيعة الشبكة أو لم يتمعنوا في شروط الحملة لتنهال عليهم الفواتير بأثمانها الباهظة، فالأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية لا تخرج عن كونها أجهزة تنفيذية لشبكة السياسة العالمية التي تتفرد بقيادتها الولايات المتحدة الأمريكية، واللجوء لمجلس الأمن أو المحاكم الدولية أو لجان حقوق الإنسان لإنصاف المظلومين سطحية في التفكير و إمعان في تضليل الشعوب وتخديرها، فالحقوق والبلاد لن ترجع عبر هذه الشبكة العالمية.

وإذا كان من منطق الأنظمة الإقليمية الحاكمة التي تستمد شرعيتها من خلال ارتباطها بالمنظومة العالمية أو الشبكة الدولية التوجه للمؤسسات الدولية لإحداث جعجعة كي لا تبدو عاجزة قاصرة أمام مآسي وطموحات مواطنيها، فإنه ليس من الشرعي ولا المنطقي ارتماء بعض الحركات ذات التوجه ألتغييري في أحضان الأنظمة والحكومات وكيل المديح لبعض زعمائها واستجدائهم لفض الخصومات أو رفع الذل عن الشعوب، في اعتراف صارخ بشرعية تلك الأنظمة بل إن الأمر قد وصل ببعض تلك الحركات إلى طرق أبواب المؤسسات الدولية في تجاهل واضح لقيمة الفواتير التي يتوجب دفعها في حال استخدامها لتلك الشبكة،

فشروط الرباعية والاعتراف بإسرائيل والقوانين الدولية والاتفاقيات السابقة والتخلي عن العنف ونبذ الإرهاب فواتير تستحق الدفع حال استخدام تلك الشبكة. ولا يمكن لتلك الحركات المماطلة كثيرا أمام شعوبها كما لا يمكنها رفض دفع الفواتير فالقانون لا يحمي أولائك الذين لم يدركوا شروط الحملة فخطوط السياسة أدق من ذلك الخط الميكروسكوبي في نهاية الإعلان، ولا بد لتلك الحركات إن هي أرادت الرجوع إلى صفوف الجماهير أن تسحب اشتراكها من تلك الشبكة وتخرج لتستمد شرعيتها من التمرد على شروطها الظالمة وإلا فإنها ستستمر في دفع الفواتير حتى تعلن إفلاسها أمام شعوبها وهو ما لا نتمناه لتلك الحركات وننتظر منها رفض الارتهان لأي شبكة غريبة عن الأمة ومبدأها.

أما إذا كنت من المحاصرين في غزة أو المشردين في شوارع القدس أو الفقراء في مصر أو أحد المظلومين في العالم الإسلامي أو من تلك الحشود التي تتطلع إلى نصر أو تحرير للبلاد والعباد أو حتى كنت سفيرا أهينت كرامته إن كنت من أولائك فلا ترسل صرخاتك وطموحاتك عبر تلك الأنظمة الحاكمة ولا تنتظر نجدة من المحافل الدولية فصرخاتك واستغاثتك ستصب حتما في شبكة لست من رعاياها، وإن لم تكن مطلعا على شروط الحملة وطلبت تفسيرا فستغمرك التصريحات عن سيادة الدولة وضرورات الأمن القومي واختلال موازين القوى، والتهديد الفارسي وقد تقع تحت طائلة الأحكام العرفية أو تطالك قوانين مكافحة الإرهاب أو تصبح فاسقا ظلاميا بفتوى من علماء الشبكة .

عندها فقط ستدرك حقيقة تلك الشبكة وستدرك انك وأمة من المحيط إلى الخليج.....خارج نطاق الرعاية الحقيقية وأنه لا راع لك ولا منجد.

وعلى الرغم من حداثة الاتصال عبر الأقمار الصناعية فإن الأمة الإسلامية كانت تحظى بتغطية لكل رعاياها فقد كان يكفي لامرأة اعتُدي عليها أن تصرخ وامعتصماه حتى تقع تلك الاستغاثة ضمن شبكة تحكم بأنظمة وقوانين الإسلام لتلقى الاستجابة السريعة من المعتصم يثأر لها ويفتح عمورية فيكون السيف اصدق إنباء من الكتب والقرارات والمذكرات ولجان التحقيق والمؤتمرات والتصريحات والقمم والتهديد والاستنكار وسحب السفراء .

وما لم تنتظم الأمة في شبكة واحدة يمتد نطاقها من المحيط إلى الخليج تحت راية واحدة فإنها ستبقى شذر مذر ولن تلقى صيحات واستغاثات شعوبها أي استجابة فإنها على هذه الحالة ستبقى..... خارج التغطية.

26.1.2010

الأربعاء، 6 يناير 2010

فشل العرب الكبير

فشل العرب الكبير

د.مصعب أبو عرقوب

أمام كبار الإداريين في الأجهزة الأمنية والسياسية، وقف د. دان شيفطان المحاضر في جامعة تل أبيب ليصرح, "إن العرب هم الفشل الأكبر في تاريخ الجنس البشري"، و"لا يوجد شيء مختل أكثر من الفلسطينيين" و"العالم العربي الفشل الأعمق، ومن لا يقول ذلك يكون قد خضع للياقة السياسية البائسة".

بالرغم من وصول عدد الأميين في العالم العربي إلى نحو 100 مليون نسمة ،إلا انه لم يبقى حتى للامي شك أن هناك فشلا وتقصيرا وسوء رعاية للشعوب, فحقيقة الفشل لم تعد اكتشافا جديدا.وأعضاء الفلسطينيين في أجساد جنود الاحتلال تنبض بذلك، وأطفال المقدسيين الذين يفترشون الشوارع يلمسونه بأناملهم الرقيقة كل يوم والجدار الفولاذي على حدود غزة يزيد تلك الحقيقة سماكة وقوة يخالجها الألم والحسرة على موت الأقارب في حوادث القطارات المتكررة في الأمكنة نفسها وعلى السكة نفسها أو في غرق عبارة .

كما أن العيش في القبور في انتظار صخرة قد تسقط من عل لتنهي مأساة الأحياء العشوائية في قاهرة المعز لا يبقي رائحة للأمل . وأن تصبح الهجرة إلى أوروبا حلما يراود الشباب ويغرقهم في مياه الأطلسي أو يسلب كرامتهم في معسكرات اللجوء فذلك فشل يتجرعه شباب الأمة مع مياه الأطلسي المالحة.

وسقوط عاصمة الرشيد و قتل الآلاف في العراق وتجنب نساء الفلوجة الحمل خشية إنجابهن أطفالا مشوهين يفضح الفشل الذريع في تحقيق الأمن أو الأمل في المستقبل .

فلم ينكر احد ان العرب يعيشون حالة مرعبة من الفشل على جميع الأصعدة إلا إن الأمر الذي يستدعي الوقوف عنده هو القدرة على تشخيص سبب هذا الفشل أو الطريق للخروج منه ،فقد نضيف إلى ذلك الفشل غياب أو تغييب التشخيص الصحيح لأسبابه ،فعلى الرغم من قدرة بعض من يلقبون بالمحللين أو في بعض الأحيان بالمفكرين على تحليل أسباب انهيار

الاتحاد السوفيتي أو انحسار أحادية القطبية وتحليقهم في التحليل في طبيعة المبادئ وتأثيرها على الأمم ورقيها وتقدمها متناولين تلك القضايا برؤية تضع بعين الاعتبار الأمة والمبدأ كأساس لتراجع القوى أو تقدمها، إلا أن تفكيرهم وتحليلاتهم تضيق بضيق حدود سايس بيكو عند حديثهم عن أسباب الفشل في عالمنا الإسلامي وكأن عالمنا العربي والإسلامي هكذا كان منذ القدم ..وكأن فلسطين كانت يوما للفلسطينيين وقضيتهم تنحصر في أهلها وصراع فصائلها ، ومصر كانت قضيتها في الفقر والفساد والتوريث على مدى العصور، واليمن مشكلتها في الحوثيين والسودان في جنوبها ولبنان في طائفيته والمغرب في صحرائها والعراق في احتلاله وأفغانستان في قبائلها والصومال في مليشياتها وتركيا في أكرادها وهكذا دواليك.

ويتناسى الكل مفهوم الأمة والمبدأ عن عمد أو عن جهل قاذفين بذلك قضية الفشل إلى فشل أعمق في التشخيص وبالتالي ضياع الأمل في وضع العلاج الشافي لما تعيشه الأمة من انحطاط وضياع. بإصرارهم على حصر القضية وتقزيمها وتفصيلها على قياس الدول الإقليمية الضيقة وكأن الشعوب قبل تلك الحدود المصطنعة كانت تعيش في فضاء صامت او فراغ لا يمكن تذكر شي منه. و بتلك التحليلات وذلك التقزيم تصبح قصص ألف ليلة وليلة أو الأساطير الإغريقية وحروب جلجامش ومغامرات هاري بوتر موازية في قيمتها مع

تاريخ حطين وعين جالوت والمعتصم وصلاح الدين ومحمد الفاتح وطارق بن زياد.

ويبتعد بذلك بعض المفكرين ومن اخذ برأيهم من مدعي التغيير عن الحقائق التاريخية والسياسية التي يقرونها عند الحديث عن غيرنا من الأمم ، فالأمم تنهض بالمبادئ التي تعتنقها وتعيش وتضحي من اجلها وتحملها رسالة لغيرها من الأمم ، فالاتحاد السوفيتي نهض بالمبدأ الاشتراكي وسعى لنشره في العالم وعند فشل المبدأ وتناقضه مع الفطرة الإنسانية تخلى الناس عنه فضاع وانهار الاتحاد, والولايات المتحدة الأمريكية حامية الرأسمالية رفعت لواء الديمقراطية رسالة للعالم ،

وما إن ظهرت وحشية نظامها الرأسمالي بأزماته المالية المدمرة ووجه الاستعماري القبيح، و بان عور ديمقراطيتها في العراق و أفغانستان وأبو غريب و غوانتيناموا حتى بدأت تفقد بريقها وصورتها الأخلاقية والمثالية ، وبدأت بالتراجع عن تفردها بقيادة العالم .

والأمة الإسلامية بهذا الترتيب المنطقي والفكري الذي يردده معظم المحللين .... انحطت وقسمت ونهبت ثرواتها عندما تخلت عن مبدأها وأخرجته من دائرة التطبيق إلى بطون الكتب والمجلدات ودروس الوعظ والإرشاد.

وبوصف أدق فان الفشل الذي تعيشه الأمة إنما بدأ بانهيار دولة الأمة وحامية نظامها وديارها دولة الخلافة الإسلامية التي تآمر الغرب عليها بعد فشله في الوقوف أمام مبدئها الإنساني فاستطاع أن يجند بعض أبنائها ويعدهم ويمنيهم بإمارات وعروش وجمهوريات حملت في أحشائها بذور الفشل والتبعية التي تعيشها الأمة الآن ، ولا يمكن إن تحل تلك المشاكل الإقليمية إلا بعودة الأمة لتنصهر في بوتقة المبدأ عبر دستور واحد يحكمها في دولة واحدة فتعود خير امة أخرجت للناس ، فالأمة الإسلامية هي الوحيدة المرشحة لقيادة العالم لما تملكه من نظام إنساني عادل.

وحتى لا نبقى أسرى تحليلات ذلك المحاضر يجب وضع النقاط على الحروف ،فلم تكن نهضتنا يوما عربية وان امتلك عرب الجاهلية الأولى أخلاقا تفوقت في إنسانيتها وشهامتها على رأسمالية وديمقراطية الغرب ، إلا إن العرب لم ينهضوا ولم يخرجوا من جزيرة العرب إلا بعد اعتناقهم الإسلام وحمله رسالة هداية للعالم فالعرب وغيرهم من الأعراق شكلوا باعتناقهم الإسلام امة عاشت رقيا ورفعة وقوة على مدى أربعة عشر قرنا عاش فيها كل من حمل التابعية للدولة في رغد وسعة من العيش من ضمنهم أهل الذمة من يهود ونصارى .

فعلى مريدي النهضة والتغيير أن يعملوا على إعادة مفهوم الأمة إلى سياقه الصحيح فالعمل على التغير من خلال هذه الأنظمة التي تمزق وحدة الأمة وكيانها إنما يثبت الوضع القائم ، فلا يمكن لحركات ترتمي في أحضان الأنظمة القائمة وتحافظ عليها وتضفي عليها الشرعية لا يمكنها أن تدعي أنها تغييريه أو حتى مقاومة.

وحتى تهدم الجدران الفولاذية والحدود المصطنعة ويعود شباب الأمة من منافيهم وتعيش الأمة حياة عزيزة تستعيد فيها مقدساتها وثرواتها من مخالب الاستعمار ورجاله،لا بد لها أن تفعّل مشروعها الحضاري وتعود امة واحدة تحت ظل راية واحدة على أنقاض أنظمة ودويلات

كانت سببا في وجود تلك الجامعة وذلك المحاضر على أرضنا .

د.مصعب أبو عرقوب