الخميس، 9 أكتوبر 2014

سأهاجر إلى كندا !!

سأهاجر إلى كندا !!
د.مصعب أبو عرقوب*
 تعبت من كل شيء هنا، لم أعد قادرا على العيش حزينا عاجزا، سأهاجر إلى كندا أو إلى لندن أو أي بلد أوروبي، هدوء هناك يناديني،عيش رغيد وهواء نقي وراتب مغروأطفال يذهبون إلى الملاعب والمتنزهات، عشب أخضر وبحر أزرق هادئ، أنهار تحفها غابات خضراء ... أمطار وثلوج وماء.

ماء لا ينقطع وسماء صافية لا دخان فيها، لا طائرات حربية ولا قنابل غاز ولا براميل متفجرة، لا هراوات ولا سجون ولا معتقلات، لا حواجز ولا قتل ولا ترويع ... إلى كندا أريد أن أهاجر.

قد تكون تلك لحظة ضعف تجتاح شابا يعيش مأساة الأمة، لكنه يدرك بعد لحظات أنّ الأمر أكبر من عيشة هنية، أكبر بكثير، إنّها مسألة أمة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ تمتد من آدم إلى نوح فإبراهيم واسماعيل إلى أن تصل إلى محمد عليه السلام، صاحب الرسالة السماوية التي خاطب الله بها أهل الأرض.

أهل الأرض الذين يعيشون شقاءً وتعاسة في ظل نظم وضعية أملتها قوى الشر الرأسمالية المتسلطة على رقاب البشرية، فدماء الشعوب وعلى رأسها شعوب الأمة الإسلامية لا تعني شيئا للجاهلية الرأسمالية الجديدة،فجل اهتمامات الدول الاستعمارية تنصب على تأمين موارد النفط وضمان تدفق الثروات والمواد الخام إلى مصانعهم.

مصانع باتت تتغذى على دماء المستضعفين في الأرض بلا رحمة أو شفقة، فالطائرات تقصف والبوارج تدمر والقوانين تسن والساسة يصدرون القرارات ويتجمعون في أحلاف تحت ذرائع واهية كمحاربة الإرهاب وغيرها من الذرائع... كل ذلك لإشباع نهم مصانعهم وتأمين مصالحهم في العالم، وفي بلادنا خاصة.

فبلادنا أصبحت مسرحا صاخبا لمؤامرات المستعمرين الدموية، سياسية كانت أو عسكرية ...فيلتف الاستعمار عبر أدواته القديمة على ثورات الأمة الإسلامية ويستبدل عميلا لهم بأخر، وإن لم يستطع فيعلن حربا بلا هوادة على كل من قاوم، أو على كل من يحمل فكرا تحرريا حقيقيا يسعى لإخراج الأمة الإسلامية من دوامة الاستعمار والتبعية إلى ميادين التحرر والنهضة الحقيقية.

نهضة لن تتم إلا إذا عادت الأمة الإسلامية إلى رسالتها العظيمة وإلى منهجها القويم الاتي من الوحي، فالأمة الإسلامية لن تقوم لها قائمة إلا بوجود كيان سياسي يضع رسالة الوحي موضع التطبيق في الداخل، ويحمل الإسلام رسالة نور للبشرية فيخرجها من ظلمات الرأسمالية المادية إلى نور الإسلام وعدل تشريعاته وإنسانيتها.

إنسانية في سياسة البشر ورعاية شؤونهم، وفي عمارة الكون، لن تتحقق إلا بإقامة الخلافة التي تعيد للأمة الإسلامية موقعها الريادي في قيادة البشرية وعمارة الأرض ضمن تصور منبثق من رسالة الرحمة التي أرسل الله بها محمدا للعالمين، حينها سينتشر العدل ويشرق في الكون فجر جديد،وإلى ذلك الحين لن تسمع من المخلصين من الأمة سوى إصرار جيل كامل يقول: لن أهاجر.

لن أهاجر سأبقى هنا... تحت القصف في غزة، أمام بيتي المهدوم في رفح،سأرفع رأسي وأتخيل لي بيتا جديدا في تل الربيع، سأبقى هنا في حلب استقبل براميل الموت دون جزع، وأخطط لبناء مدينتي بعد النصر، سأودع أبنائي في حمص وأدفن عائلتي في دمشق وأرى القذائف تخترق جدران بيتي في الفلوجة لكني سأبقى هنا.

سأبقى هنا واقفا تحت زخات الرصاص كعصفور تحت المطر، لكنى سأتقدم نحو ميدان التحرير، سأركض في شوارع القاهرة باحثا عن انبوبة غاز،وأمض الليل بدون كهرباء لكنيسأبقى هنا. ولن أرحل، سأحفظ القرآن في زنازين الأمن الوقائي واتعلم التجويد في سجون الداخلية واللغة العربية في أقبية المخابرات لكني... لن أرحل.

لن أرحل من صنعاء ولن تخيفني طائرات بلا طيار، سأقف على حواجز التفتيش أياما وأبيت ليال على معبر حدود مصطنعة في بلادي لكني لن أرحل،سأنظر في عيون جلادي وأشفق على اخوتي وسيتقطع قلبي على أبناء أمتي حزنا ..كمدا وهم يهاجرون... يغرقون.. يقتلون.. يتسممون بالعلمانية لكني ...لن أرحل.

لن أرحل وإن عشت في خيام اللاجئين في تركيا أو الأردن أو لبنان، وحتى لو تلويت جوعا في مخيم اليرموك ... لن أرحل وإن عُذبت في سجون المخابرات الجوية أو نُقلت بطائرة من "أبوغريب"إلى سجون مصرية ... لن أرحل وإن أصابتني رصاصة قناص في رابعة أو فُقأت عيني في مسيرة أو قتلت طفلتي في مواجهة ... سأصمد هنا ولن أرحل.

لن أرحل وإن أمطرت السماء قنابل فسفورية وملئت الأرض بعناصر أمنية، وأُقفلت في وجهي كل الدروب وتأمر على كل من في البرية، لأنّ الأمر أعظم مني وأعظم من عيشة في كندا أو لندن .... قد أظنها هنية، الأمر طاعة لله أو عيش في معصية،فأنا جيل أعرف لماذا خُلقت ولأي هدف أعيش وبأي هوية، لذلك قررت أن أبقى هنا لأصنع الحرية.

حرية الانعتاق من كل عبودية واستبداد .. إنعتاق من عبودية الاستعمار والرأسمالية واستبداد الشهوات والنعرات والمادية، وتحرر من كل قيود الجهل والتضليل وشعوذات العلمانية،فلا سايكس بيكو تقيدني، ولا كامب ديفيد يعنيني، ولا دساتير الاستعمار توقفني، ولا انتخابات تخدعني، سأمضي في طريق الحرية والتغيير الجذري الذي يقتلع كل استبداد واستعمار من بلادي.
بلادي سأُصّعد فيها الثورة، سأخطب في كل مسجد وسأحشد الأمة في كل ميدان وسأرفع صوتي في ساحات الجامعات، وسأخاطبهم في بيوتهم ومحلاتهم، سأصل للضباط والقادة والجند استنصرهم ليقوموا بواجبهم تجاه أمتهم. لن أصمت لن أطأطئ الرأس للبلطجية والشبيحة، ولن أترك بلادي لهم ولن أهاجر.
لن أهاجر لأنني جيل تربى على الشوق ليوم تُقام فيه لأمة الإسلام، دولة تحرر الأرض وتستعيد المقدسات وتحمل الإسلام رسالة نوَّر وهداية ورحمة للعالمين،وإلى أن تُقام دولة الخلافة ويُعبد الله في الأرض بتطبيق شريعته سأبقى ثائرا على كل عبودية لغير الله، لذلك .... الثورة يجب أن تستمر.

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

8-10-2014

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

غزة تفتح موسم الثورات من جديد

غزة تفتح موسم الثورات من جديد
د. مصعب أبو عرقوب *

قد تخلو ميادين التحرير  من الثوار لبرهة  ، وقد يصاب البعض بالإحباط واليأس من إفرازات الربيع العربي ..فيرجع إلى بيته ليجلس الساعات الطوال أمام فضائيات ووسائل إعلام لم يعد يثق بأي كلمة تقولها, وقد يهاجر بعض أبناء الأمة المخلصين من بلادهم..ليتركوا البلاد للبلطجية والشبيحة ..وقد يستسلم البعض أمام علو موجة الثورة المضادة....، ويعود آخرون لمزاولة حياتهم الروتينية التي اعتادوا عليها قبل الربيع العربي .
ربيع أخرج الصامتين يوما إلى ميادين التحرير ورفع رؤوساً لطالما نكست أمام بلطجية  الشرطة و شبيحة المخابرات ،، ربيع حرك في الأمة آمال تحرير المقدسات واستعادة الأرض المباركة ،، وفتح آفاق المستقبل لشباب ثائر على شيخوخة الاستعمار والذل والتبعية التي عاشت الأمة فيها لعقود .
عقود ناضلت فيها أجيال ونخب لم تصمت  .....فهرمت إلى رأت تلك الحشود تنزل الميادين منادية بسقوط النظام لتخرج كلمات ذلك الثائر معبرة عن مرحلة شاقة من حياة الأمة.... "هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية ".
لحظة لم تكن لتلد إلا بعد مخاض عسير وألم كبير وبركان كان يحتشد..ينضغط.. يتعاظم تحت قشرة الرضى الزائف والصمت الخادع والانكسار المتوهم ، لكن الشعوب الثائرة خرجت دون الالتفات إلى التفاصيل ودون تحمل أعباء التخطيط  وأوكلت أمرها إلى " أوساط سياسية ملوثة  " ارتبطت عضويا بالأنظمة السابقة ممارسا وفكرا وتصورا وتبعية متوارثة عن الأنظمة البائدة  للغرب المستعمر ومشاريعه .
غرب استعماري استثمر في عملائه المخضرمين ليعتلوا سدة الحكم من جديد ويقودوا ثورة مضادة لثورة الشعوب للحفاظ على مصالحهم ونفوذهم في بلادنا ، فكان له ما أراد في بعض الدول ... وأوغل في دماء الأمة في تلك البلاد التي لم يستطيع إخضاعها بالسياسية والدهاء فقتل عشرات الآلاف على يد نظام الأسد في محاولة يائسة لاستعادة نفوذه في منطقة لم يجد فيها إلا الآن بديلا لنظام تهالك خلف آلة القتل الاستعمارية دون جدوى ودون إرجاع الناس إلى بيوتهم كما في مصر وتونس واليمن..فازداد القتل والمكر الاستعماري لدفع الناس ثانية إلى بيوتهم وحشرهم في تفصيلات حياتهم اليومية التي عقدها الاستعمار وأذنابه  في كل جزيئية.
ومع عودة الكثيرين إلى بيوتهم وانغماسهم من جديد في حياتهم الشخصية وانكسار بعضهم ونفاد صبر آخرين  وتكسر آمال شريحة عريضة أخرى وفي لحظة بدأت فلول الأنظمة الساقطة بالتقاط أنفاسها  وظن أهل الثورة  أنهم قد سحقوا...
جاءت غزة مرة أخرى ...لتصنع الأمل وتقف من بين الركام رافعة الرأس ..تلتفت إلى تلك الجموع الهاربة من مسئولياتها والمنكسرة أمام أول عقبة من عقبات التغيير الجذري لتصرخ فيهم....عودوا إلى رشدكم عودوا الى ارض المعركة ... تستطيعون التغيير ولن يحمل عبء تغيير واقعكم إلا انتم ...لا تتراجعوا ..ارفعوا رؤوسكم من جديد المعركة لم تنته بعد.. أنتم من اقتلع ابن على ومبارك والقذافي وصالح وهم في أوج طغيانهم وأنتم من سيقتلع كل أذنابهم وأشياعهم من جديد ..لا تعولوا إلا على أنفسكم.. فلن تجدوا سلما شخصيا وحياة طبيعية أبدا وانتم محاصرون حاضرا ومستقبلا بالاستعمار وأذنابه...صرخات غزة تلك ترددت في وعي أبناء الأمة عبر صور يومية ومشاهد اختزلت ثقافة امة مستعدة للتضحية .
تضحية تجسدت في مواقف الرجال والنساء والأطفال الخارجين من تحت القصف رافعي الرؤؤس مُتَحَدين ، تجسدت في وداع أب لأبنائه الشباب واحتسابهم عند الله شهداء... في صبر امرأة لم يتبقى لها من أبنائها الستة احد، في شموخ رجل فقد عائلته وبيته في قصف بعد تأديتهم لصلاة الفجر جماعة في منزلهم...في عيون طفلة لم يجرؤ احد على البوح لها بموت عائلتها ...في عزة اب وقف يرثي ابنه الاستشهادي ، في إباء امرأة لم تعرف أين بيتها من هول الدمار ..صارخة " سنبني من جديد ولكننا لن نهزم ولن نرفع الراية البيضاء " في مشهد يجسد عزة افتقدتها الأمة .
عزة تلألأت في أعقاب صواريخ " بدائية " أخضعت بعبعا من ورق روجت له أنظمة دول الطوق وضخمت قوته  ...فارتكس كيان يهود وعاد إلى حجمه الطبيعي في لقطة حية أمام أعين أبناء الأمة الإسلامية .
امة رأت الآن اسودا يقتحمون الثكنات فيهرب أمامهم جنود جيش احتل الأرض المباركة ولا يزال، اسودا لم ينتظروا عقودا ليرجحوا موازيين القوى الموهومة ...بعضهم صبر في الأنفاق شهرا ليخرج حامدا الله على السلامة......مشهد يعيد للأمة تلك اللحظة التاريخية.
لحظة اعتصمت فيها الجماهير في ميادين التحرير لأسابيع مطالبة بإسقاط النظام...ها هم أبطال غزة يمكثون شهرا في الأنفاق..هاهم أهل فلسطين وغزة يرزحون تحت الاحتلال والعذاب والقصف والحصار..لكنهم ينكسروا ولم يعدوا القهقرى ..بل عادوا أقوى واشد ليرسموا للأمة طريق التغيير...صبر واحتمال وتحمل وتشبث بالمعنى الحقيقي للحياة والموت... للعزة والتضحية واستشراف المستقبل .
فالمستقبل لا يشرق إلا بالتضحيات ، وواقع الأمة لن يتغير إلا بذلت الغالي والرخيص في سبيل النهضة وتفعيل مشروعها الحضاري المتمثل في إقامة الخلافة الراشدة التي تجمع الأمة في كيان سياسي واحد يلم شتاتها ويحطم حدود سايكس بيكو اللعينة ويحرر الأرض ويستعيد المقدسات والأرض المباركة وما احتل من بلاد المسلمين ويستعيد ثروات الأمة المنهوبة ، ولن يكون ذلك إلا واصلت الأمة ثورتها وعادت تلك النخب المخلصة  التي غادرت ميادين التحرير إلى مكانها في الثورة .
فالثورة تحتاج إلى كل أبناء الأمة وانكفاء بعض النخب المخلصة من أبناء الأمة على حياتهم الشخصية عقد مهمة التغيير وقلل من حرارة الحراك الثوري في الميادين، فعندما اقفل الطبيب على نفسه عيادته والمهندس مكتبه والتاجر محله واعتكف المثقف والأكاديمي والعالم بين الكتب  ..وصل أبناء تكساس و شذاذ الأفاق  إلى عاصمة الرشيد واحتلوها ،،وصعد البلاطجة والشبيحة وعصابات الاستعمار الى سدة الحكم  ليحكموا  خير امة أخرجت للناس .
أمة باتت تدرك إن حياة أبنائها الشخصية يتحكم بها الاستعمار وأذنابه ، فالأمر لم يقتصر على احتلال الأرض ونهب الثروات فقط ،  فالأنظمة  التي تحافظ على مصالح الاستعمار لا تتجذر إلا بزرع ثقافة استعمارية تضمن العبودية والخضوع للمستعمر ، فالعلمانية والديمقراطية أصبحتا حصان طروادة للمستعمر يضمن بهما وجوده ونفوذه في بلادنا ...فلباس البنت أو الزوجة والأخت والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل تفاصيل حياتنا ستصاغ على هوى المستعمرين الغربيين إن لم تتحرك النخب المخلصة للتغيير الجذري وتقود الأمة.
امة آن لها أن تلتقط رسالة غزة في التضحية والإصرار والتعلق بالعقيدة ومعنى الحياة الحقيقي في الثقافة الإسلامية...  ونخب آن لهم آن يدركوا أن لا مستقبل لهم ولا لأولادهم إلا إذا عادوا ليضطلعوا بالعمل الحقيقي الذي أوجبه الله عليهم لينخرطوا بكل قوة في  العمل لنهضة الأمة وانتزاع سلطانها المسلوب وإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تعيد الأمة إلى عرش عزتها وتحمل الإسلام رسالة نور وهداية للعالم والى أن يكون ذلك فان على الثورة أن تستمر .
18-8-2014

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين