الخميس، 28 يناير 2010

خارج التغطية.........


خارج التغطية.........

بقلم الدكتور مصعب أبو عرقوب *

تتنافس شركات الاتصال على تغطية اكبر مساحة جغرافية بتردداتها لضمان شريحة أكبر من المستهلكين ولن تستطيع الإفلات من تغطيتهم عبر نظام التجوال وتقاسم الشركات للفضاء، و بكبسة زر عند استعمالك للهاتف تفقد حريتك وتفتح جيبك للتعرفة التي تمليها تلك الشركات بلا رقيب أو حسيب، وقد تغريك بعض العروض والحملات الترويجية فتصرف في الرسائل والاتصال لتتفاجئ بفاتورة فلكية ...كل ذلك لأنك لم تنتبه للجملة الأخيرة ذات الخط الميكروسكوبي في نهاية الإعلان والتي تنص على أن "الأسعار خاضعة لشروط الحملة" وإذا كنت ممن حالفهم الحظ وقرأت تلك الجملة فإنك لن تجد الوقت لتتصل وتسأل عن تلك الشروط وإن وجدته واتصلت فستكون الشروط غامضة لدرجة تشككك في قدراتك العقلية على فهم ما يقوله موظف الاستقبال بشكل سريع وشبه آلي.

وفي عصر الفضاء المفتوح أصبح لا بد لكل صاحب رسالة أن يدرك الشبكة التي يستخدم والتعرفة والشروط التي يتوجب عليه دفع فواتيرها إن استخدم أو اختار شبكة معينة، فقرار محكمة لاهاي بخصوص عدم شرعية الجدار الذي تقيمه إسرائيل وما تبعه من تقرير جولدستون و مذكرات اعتقال لمجرمي حرب غزة لا تعدو كونها رسائل ضمن شبكة عالمية تخضع في قوانينها وعلاقاتها لسيطرة الدولة الأولى وبالتالي لمصالحها الاستعمارية في عالمنا العربي والإسلامي، وسرعان ما تتبخر تلك القرارات والمذكرات ويضلل السامع بآلاف التبريرات والتفصيلات والجداول الزمنية والمعايير الدولية وآليات التطبيق ومؤشرات النجاح وضرورة خضوعها للتصويت والمصادقة والعرض على مجلس الأمن في دوراته دون أن يفضي ذلك إلى تغيير أي شيء،

وما أن تنتهي قضية وتنسى حتى تبدأ أخرى تعطي فتات من الأمل للذين لم يدركوا طبيعة الشبكة أو لم يتمعنوا في شروط الحملة لتنهال عليهم الفواتير بأثمانها الباهظة، فالأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية لا تخرج عن كونها أجهزة تنفيذية لشبكة السياسة العالمية التي تتفرد بقيادتها الولايات المتحدة الأمريكية، واللجوء لمجلس الأمن أو المحاكم الدولية أو لجان حقوق الإنسان لإنصاف المظلومين سطحية في التفكير و إمعان في تضليل الشعوب وتخديرها، فالحقوق والبلاد لن ترجع عبر هذه الشبكة العالمية.

وإذا كان من منطق الأنظمة الإقليمية الحاكمة التي تستمد شرعيتها من خلال ارتباطها بالمنظومة العالمية أو الشبكة الدولية التوجه للمؤسسات الدولية لإحداث جعجعة كي لا تبدو عاجزة قاصرة أمام مآسي وطموحات مواطنيها، فإنه ليس من الشرعي ولا المنطقي ارتماء بعض الحركات ذات التوجه ألتغييري في أحضان الأنظمة والحكومات وكيل المديح لبعض زعمائها واستجدائهم لفض الخصومات أو رفع الذل عن الشعوب، في اعتراف صارخ بشرعية تلك الأنظمة بل إن الأمر قد وصل ببعض تلك الحركات إلى طرق أبواب المؤسسات الدولية في تجاهل واضح لقيمة الفواتير التي يتوجب دفعها في حال استخدامها لتلك الشبكة،

فشروط الرباعية والاعتراف بإسرائيل والقوانين الدولية والاتفاقيات السابقة والتخلي عن العنف ونبذ الإرهاب فواتير تستحق الدفع حال استخدام تلك الشبكة. ولا يمكن لتلك الحركات المماطلة كثيرا أمام شعوبها كما لا يمكنها رفض دفع الفواتير فالقانون لا يحمي أولائك الذين لم يدركوا شروط الحملة فخطوط السياسة أدق من ذلك الخط الميكروسكوبي في نهاية الإعلان، ولا بد لتلك الحركات إن هي أرادت الرجوع إلى صفوف الجماهير أن تسحب اشتراكها من تلك الشبكة وتخرج لتستمد شرعيتها من التمرد على شروطها الظالمة وإلا فإنها ستستمر في دفع الفواتير حتى تعلن إفلاسها أمام شعوبها وهو ما لا نتمناه لتلك الحركات وننتظر منها رفض الارتهان لأي شبكة غريبة عن الأمة ومبدأها.

أما إذا كنت من المحاصرين في غزة أو المشردين في شوارع القدس أو الفقراء في مصر أو أحد المظلومين في العالم الإسلامي أو من تلك الحشود التي تتطلع إلى نصر أو تحرير للبلاد والعباد أو حتى كنت سفيرا أهينت كرامته إن كنت من أولائك فلا ترسل صرخاتك وطموحاتك عبر تلك الأنظمة الحاكمة ولا تنتظر نجدة من المحافل الدولية فصرخاتك واستغاثتك ستصب حتما في شبكة لست من رعاياها، وإن لم تكن مطلعا على شروط الحملة وطلبت تفسيرا فستغمرك التصريحات عن سيادة الدولة وضرورات الأمن القومي واختلال موازين القوى، والتهديد الفارسي وقد تقع تحت طائلة الأحكام العرفية أو تطالك قوانين مكافحة الإرهاب أو تصبح فاسقا ظلاميا بفتوى من علماء الشبكة .

عندها فقط ستدرك حقيقة تلك الشبكة وستدرك انك وأمة من المحيط إلى الخليج.....خارج نطاق الرعاية الحقيقية وأنه لا راع لك ولا منجد.

وعلى الرغم من حداثة الاتصال عبر الأقمار الصناعية فإن الأمة الإسلامية كانت تحظى بتغطية لكل رعاياها فقد كان يكفي لامرأة اعتُدي عليها أن تصرخ وامعتصماه حتى تقع تلك الاستغاثة ضمن شبكة تحكم بأنظمة وقوانين الإسلام لتلقى الاستجابة السريعة من المعتصم يثأر لها ويفتح عمورية فيكون السيف اصدق إنباء من الكتب والقرارات والمذكرات ولجان التحقيق والمؤتمرات والتصريحات والقمم والتهديد والاستنكار وسحب السفراء .

وما لم تنتظم الأمة في شبكة واحدة يمتد نطاقها من المحيط إلى الخليج تحت راية واحدة فإنها ستبقى شذر مذر ولن تلقى صيحات واستغاثات شعوبها أي استجابة فإنها على هذه الحالة ستبقى..... خارج التغطية.

26.1.2010

الأربعاء، 6 يناير 2010

فشل العرب الكبير

فشل العرب الكبير

د.مصعب أبو عرقوب

أمام كبار الإداريين في الأجهزة الأمنية والسياسية، وقف د. دان شيفطان المحاضر في جامعة تل أبيب ليصرح, "إن العرب هم الفشل الأكبر في تاريخ الجنس البشري"، و"لا يوجد شيء مختل أكثر من الفلسطينيين" و"العالم العربي الفشل الأعمق، ومن لا يقول ذلك يكون قد خضع للياقة السياسية البائسة".

بالرغم من وصول عدد الأميين في العالم العربي إلى نحو 100 مليون نسمة ،إلا انه لم يبقى حتى للامي شك أن هناك فشلا وتقصيرا وسوء رعاية للشعوب, فحقيقة الفشل لم تعد اكتشافا جديدا.وأعضاء الفلسطينيين في أجساد جنود الاحتلال تنبض بذلك، وأطفال المقدسيين الذين يفترشون الشوارع يلمسونه بأناملهم الرقيقة كل يوم والجدار الفولاذي على حدود غزة يزيد تلك الحقيقة سماكة وقوة يخالجها الألم والحسرة على موت الأقارب في حوادث القطارات المتكررة في الأمكنة نفسها وعلى السكة نفسها أو في غرق عبارة .

كما أن العيش في القبور في انتظار صخرة قد تسقط من عل لتنهي مأساة الأحياء العشوائية في قاهرة المعز لا يبقي رائحة للأمل . وأن تصبح الهجرة إلى أوروبا حلما يراود الشباب ويغرقهم في مياه الأطلسي أو يسلب كرامتهم في معسكرات اللجوء فذلك فشل يتجرعه شباب الأمة مع مياه الأطلسي المالحة.

وسقوط عاصمة الرشيد و قتل الآلاف في العراق وتجنب نساء الفلوجة الحمل خشية إنجابهن أطفالا مشوهين يفضح الفشل الذريع في تحقيق الأمن أو الأمل في المستقبل .

فلم ينكر احد ان العرب يعيشون حالة مرعبة من الفشل على جميع الأصعدة إلا إن الأمر الذي يستدعي الوقوف عنده هو القدرة على تشخيص سبب هذا الفشل أو الطريق للخروج منه ،فقد نضيف إلى ذلك الفشل غياب أو تغييب التشخيص الصحيح لأسبابه ،فعلى الرغم من قدرة بعض من يلقبون بالمحللين أو في بعض الأحيان بالمفكرين على تحليل أسباب انهيار

الاتحاد السوفيتي أو انحسار أحادية القطبية وتحليقهم في التحليل في طبيعة المبادئ وتأثيرها على الأمم ورقيها وتقدمها متناولين تلك القضايا برؤية تضع بعين الاعتبار الأمة والمبدأ كأساس لتراجع القوى أو تقدمها، إلا أن تفكيرهم وتحليلاتهم تضيق بضيق حدود سايس بيكو عند حديثهم عن أسباب الفشل في عالمنا الإسلامي وكأن عالمنا العربي والإسلامي هكذا كان منذ القدم ..وكأن فلسطين كانت يوما للفلسطينيين وقضيتهم تنحصر في أهلها وصراع فصائلها ، ومصر كانت قضيتها في الفقر والفساد والتوريث على مدى العصور، واليمن مشكلتها في الحوثيين والسودان في جنوبها ولبنان في طائفيته والمغرب في صحرائها والعراق في احتلاله وأفغانستان في قبائلها والصومال في مليشياتها وتركيا في أكرادها وهكذا دواليك.

ويتناسى الكل مفهوم الأمة والمبدأ عن عمد أو عن جهل قاذفين بذلك قضية الفشل إلى فشل أعمق في التشخيص وبالتالي ضياع الأمل في وضع العلاج الشافي لما تعيشه الأمة من انحطاط وضياع. بإصرارهم على حصر القضية وتقزيمها وتفصيلها على قياس الدول الإقليمية الضيقة وكأن الشعوب قبل تلك الحدود المصطنعة كانت تعيش في فضاء صامت او فراغ لا يمكن تذكر شي منه. و بتلك التحليلات وذلك التقزيم تصبح قصص ألف ليلة وليلة أو الأساطير الإغريقية وحروب جلجامش ومغامرات هاري بوتر موازية في قيمتها مع

تاريخ حطين وعين جالوت والمعتصم وصلاح الدين ومحمد الفاتح وطارق بن زياد.

ويبتعد بذلك بعض المفكرين ومن اخذ برأيهم من مدعي التغيير عن الحقائق التاريخية والسياسية التي يقرونها عند الحديث عن غيرنا من الأمم ، فالأمم تنهض بالمبادئ التي تعتنقها وتعيش وتضحي من اجلها وتحملها رسالة لغيرها من الأمم ، فالاتحاد السوفيتي نهض بالمبدأ الاشتراكي وسعى لنشره في العالم وعند فشل المبدأ وتناقضه مع الفطرة الإنسانية تخلى الناس عنه فضاع وانهار الاتحاد, والولايات المتحدة الأمريكية حامية الرأسمالية رفعت لواء الديمقراطية رسالة للعالم ،

وما إن ظهرت وحشية نظامها الرأسمالي بأزماته المالية المدمرة ووجه الاستعماري القبيح، و بان عور ديمقراطيتها في العراق و أفغانستان وأبو غريب و غوانتيناموا حتى بدأت تفقد بريقها وصورتها الأخلاقية والمثالية ، وبدأت بالتراجع عن تفردها بقيادة العالم .

والأمة الإسلامية بهذا الترتيب المنطقي والفكري الذي يردده معظم المحللين .... انحطت وقسمت ونهبت ثرواتها عندما تخلت عن مبدأها وأخرجته من دائرة التطبيق إلى بطون الكتب والمجلدات ودروس الوعظ والإرشاد.

وبوصف أدق فان الفشل الذي تعيشه الأمة إنما بدأ بانهيار دولة الأمة وحامية نظامها وديارها دولة الخلافة الإسلامية التي تآمر الغرب عليها بعد فشله في الوقوف أمام مبدئها الإنساني فاستطاع أن يجند بعض أبنائها ويعدهم ويمنيهم بإمارات وعروش وجمهوريات حملت في أحشائها بذور الفشل والتبعية التي تعيشها الأمة الآن ، ولا يمكن إن تحل تلك المشاكل الإقليمية إلا بعودة الأمة لتنصهر في بوتقة المبدأ عبر دستور واحد يحكمها في دولة واحدة فتعود خير امة أخرجت للناس ، فالأمة الإسلامية هي الوحيدة المرشحة لقيادة العالم لما تملكه من نظام إنساني عادل.

وحتى لا نبقى أسرى تحليلات ذلك المحاضر يجب وضع النقاط على الحروف ،فلم تكن نهضتنا يوما عربية وان امتلك عرب الجاهلية الأولى أخلاقا تفوقت في إنسانيتها وشهامتها على رأسمالية وديمقراطية الغرب ، إلا إن العرب لم ينهضوا ولم يخرجوا من جزيرة العرب إلا بعد اعتناقهم الإسلام وحمله رسالة هداية للعالم فالعرب وغيرهم من الأعراق شكلوا باعتناقهم الإسلام امة عاشت رقيا ورفعة وقوة على مدى أربعة عشر قرنا عاش فيها كل من حمل التابعية للدولة في رغد وسعة من العيش من ضمنهم أهل الذمة من يهود ونصارى .

فعلى مريدي النهضة والتغيير أن يعملوا على إعادة مفهوم الأمة إلى سياقه الصحيح فالعمل على التغير من خلال هذه الأنظمة التي تمزق وحدة الأمة وكيانها إنما يثبت الوضع القائم ، فلا يمكن لحركات ترتمي في أحضان الأنظمة القائمة وتحافظ عليها وتضفي عليها الشرعية لا يمكنها أن تدعي أنها تغييريه أو حتى مقاومة.

وحتى تهدم الجدران الفولاذية والحدود المصطنعة ويعود شباب الأمة من منافيهم وتعيش الأمة حياة عزيزة تستعيد فيها مقدساتها وثرواتها من مخالب الاستعمار ورجاله،لا بد لها أن تفعّل مشروعها الحضاري وتعود امة واحدة تحت ظل راية واحدة على أنقاض أنظمة ودويلات

كانت سببا في وجود تلك الجامعة وذلك المحاضر على أرضنا .

د.مصعب أبو عرقوب