الاثنين، 27 أبريل 2009

شافيز و اوباما و الكتاب


في حركة مسرحية أمام الكاميرات تقدم الرئيس الفنزويلي شافيز ليهدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كتاب “الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية” للكاتب الأوروغوايي الشهير إيدواردو غاليانو والكتاب يتناول استنزاف ثروات أمريكا اللاتينية بين القرن الخامس عشر و القرن العشرين, وبتلك الهدية أكد شافيز على حاجة اوباما لقراءة الكتاب ومعرفة الكثير لنسج علاقات أفضل مع جيرانه الجنوبيين .و لا يستغرب هذا الموقف على الرئيس الفنزولي فمنذ توليه السلطة كان أمام شافيز لتحقيق مصالح بلده خياران لا ثالث لهما الأول أن يسعى لتأمين مصالح الدولة الأولى وهي أمريكا فيسير في ركابها وينتظر مساعداتها الملغومة فيغامر بمصير شعبه وإرادة بلده السياسية وينتظر فتات المؤتمرات كمعظم دول عالمنا الإسلامي والعربي, أما الخيار الثاني فهو تهديد مصالح الدولة الأولى والوقوف ندا لها وبذلك يستقل بقراره السياسي ويصون ثروات بلده ويخرج من عباءة المؤسسات الدولية وآلياتها الاستعمارية. واختار شافيز الخيار الثاني فلم يشعر انه أمام سيده في قمة الأمريكيتين وتجرأ أمام العالم على إهداء رئيس الدولة الأولى كتابا يعد شرطا يملى على خصمه اوباما إن هو أراد علاقات طيبة مع أمريكا اللاتينية فثرواتها ملك لأهلها ولن تبقى نهبا لأمريكا كما كانت على مدى قرنين أو أكثر كما يوثق الكتاب, وبذلك يكون شافيز قد عرف قدره فهو لن يستطيع أن يلعب دورا اكبر في الساحة الدولية لكنه يستطيع أن يحافظ على مقدرات بلده وقد يتعداها لصون ثروات قارته أمام أهل الشمال حتى لا تظل بلاده ساحة خلفية للولايات المتحدة الأمريكية، فإنه وإن حاول حشد التأييد العالمي لأفكاره ومواقفه فلن يحتل موقعا مرموقا في الساحة الدولية تمكنه من تغيير الواقع الدولي والتوازنات العالمية, فتاريخ الثوريين في جنوب أمريكا وطبعهم يؤصل لحقيقة مفادها أنهم لا يملكون رسالة عالمية يسعون لنشرها بقدر ما يملكون سخطا ونقمة على رأسمالية أمريكا وجشعها واستغلالها لشعوب وثروات القارة الجنوبية فهم لم ينحازوا للشيوعية أو الاشتراكية إلا لأن أمريكا تعتنق الرأسمالية وتستعمر الشعوب باسمها وباسم الديمقراطية.ولم يعتقدوا الاشتراكية كمبدأ بقدر ما طبقوها كنظام ظنوا فيه العدالة في توزيع الثروة على الفقراء والخلاص من الرأسماليين المواليين لأمريكا لذلك قد لا يحمل الكتاب المذكور سوى بعض النصائح والرؤى لتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية, إلا أن ذلك قد لا يفيد اوباما كثيرا فمشاكله لا تقتصر على علاقته بجيرانه الجنوبيين بل تتعدى نهب ثروات أمريكا اللاتينية إلى نهب ثروات العالم سواء في العراق أو الخليج أو الدول الإفريقية.كما لن يجيب الكتاب المهدى بحال من الأحوال على الأسئلة الملحة للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تبتذل لها حلول من توليفات غريبة من كتب متناقضة فتارة ينادى بالليبرالية المقيدة وأخرى يتحدثون عن ضرورة تدخل الدولة الرأسمالية ومراقبتها لحركة الاقتصاد في مزيج خطير بين الرأسمالية والاشتراكية.وبالضرورة فان رئيس الدولة الأولى – إلى الآن- لن يجد في الكتاب حلا سحريا لقضية فلسطين والعراق وأفغانستان كما لن يجد تعريفا واضحا للإرهاب يقنع شعوب الأرض به ولا دليلا يوضح معنى العنصرية, أو طريقة تنشر العدل بين البشر, أو رسالة يحملها للعالم بعد سقوط ديمقراطيته كرسالة كانت مبررهم لاحتلال العراق وأفغانستان .ويبدو أن أمام اوباما مهمة أكثر من صعبة ليبقي دولته الأولى في العالم, فالأمر تعدى بعض الحلول المرحلية لبعض القضايا لا سيما إن عجزت كتب الرأسمالية والاشتراكية عن إيجاد حل للأزمة الاقتصادية العالمية وبات الحديث عن خلل في جوهر المبدأ الرأسمالي أمرا باديا للعيان على جميع الأصعدة السياسية منها والاجتماعية.وفي ظل دولة عالمية لم تعد قادرة على قيادة العالم وفقدت بريق رسالتها وانكشف زيف دعايتها يقف العالم حائرا في انتظار نور قد يسطع من تفعيل كتاب من نوع آخر هذه المرة. وتبقى الأمة الإسلامية المرشحة الوحيدة لقيادة العالم لما تملكه من رسالة فيها شفاء لما يعانيه العالم من أمراض باتت تقض مضاجع الشعوب.فالأمة الإسلامية بين يدها كتاب الله بما فيه من أنظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية تضمن السعادة والعدل للعالم إن هي طبقتها في دولة وحملتها رسالة نور للعالم الحائر, تخرجه من عبودية الدولار إلى الإيمان بخالق الكون ومن تفرد القيمة المادية إلى سعة القيم الإنسانية والروحية ومن جور الاستعمار إلى عدل الإسلام المشهود به على مر قرون طبق فيه في دولة حملت الإسلام كفكرة عالمية وقد تكون تلك هي الفكرة التي آن أوانها كما يقول فكتور هوغو فالفكرة التي آن أوانها لا يمكن لكل جيوش الأرض أن تقف أمامها، فقد آن لكتاب الله أن يوضع موضع التطبيق وان يتجسد في دولة تهدي العالم نموذجا للعدل والسعادة والنور الساطع من أعظم وأجل كتاب


.د.مصعب أبو عرقوب