الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

القدس في ليلة القدر


القدس في ليلة القدر

د.مصعب أبو عرقوب

كانت أكفهم مضمدة فقد تسوروا الجدار ونزلوا بسرعة عبر الحبال قبل أن تدركهم دورية الاحتلال، التقوا في ساحات المسجد الأقصى بآخرين تسللوا إلى مستوطنة قريبة وركبوا حافلات المحتلين المتجهة للبلدة القديمة...كانت مخاطرة كبيرة ..ماذا لو أمسكوا بكم؟ ..ضحك أحدهم وأجاب لن يفعلوا شيئا وبلهجته الجنوبية الخشنة أردف مستنكرا " الدار دار أبونا وجاء الغرباء ليطردونا"؟؟؟.
في القدس لكل شئ طابع ونكهة خاصة, فالمخاطرة و المعاناة للوصول للحرم لها لذة عجيبة رغم الجراح و وعورة الجبال وقسوة الاحتلال.
دخل المغرب والكل يسأل ..كيف دخلت؟ من أي جهة تسللت؟ لتطير الإجابة عبر الهواتف لآخرين ما فتئوا يتصلون ويسألون ...كيف السبيل لدخول الحرم ...كيف السبيل؟؟؟.

وتبدو الساحات حزينة ترتقب الزائرين...يفطر الصائمون وتجول أعينهم في المساحات الخالية..أين أهل الخليل ؟؟ هل منعتهم الحواجز؟؟ وما بال أهل نابلس وجنين تأخروا ... اين المسلمون ..اين الفاتحون ؟؟؟.
تحدق عيون الحاضرين في جنود الاحتلال على الأبواب والأسوار وتخالهم يضحكون يستهزؤون يشمتون لرؤية القدس وحيدة منسية خالية في ليلة قدر قدسية..... وفجأة وبدون مقدمات يظهرون... من الأبواب يدخلون زمرا شباب منهكون ..ثيابهم ملطخة بالتراب والوحل ..من الجري والقفز والمطاردة متعبون..لكنهم في عيون القدس والحاضرين جميلون أنيقون عطرون ففي القدس لكل شئ طابع ونكهة خاصة.

رفع أذان العشاء لتتراص الصفوف وتزدحم الساحات وتعم الفرحة فإن للزحام هنا أيضا بهجة وطابع ونكهة خاصة, وقبل أن يكبر الإمام ترمق الجموع جنود الاحتلال بنظرة كبرياء ...ها قد امتلأت الساحات.....محمد لم يخلف بنات، فالكل هنا ما زال يذكر يوم سقطت القدس رقص المحتلين وغنائهم ...محمد مات مات ...خلف ورائه بنات.!!!!

تصلى التراويح... ويعتلي المصاطب دعاة لا يخافون سلطانا ولا سطوة حاكم .. يذكرون الأمة بماض تليد يطلقون آهات من أعماق أعماق القلوب على حاضر ذليل .. يبكون ويُيكون .... أمتهم يستصرخون وأهل قوة وعزم ومروءة يستنصرون علهم بعد طول أمد يستفيقون قبل إن تأتي ليلة قدر ...أقصى فيها قد لا يجدون.

يأتي وقت السحور فتساق نحو الأبواب لتشرب القهوة عند الجالية الإفريقية أو السحلب عند الأفغانية جاليات مغربية وكردية وهندية تأخذك لتلك الأيام الكريمة أيام السلطان الناصر استجلبهم من أصقاع الدولة الإسلامية ليطوقوا المسجد الأقصى ويحموه .....تخرج من التاريخ على صوت صلاة الوتر والدعاء..... يؤمن المصلون خلف الإمام بنغمة لازمة ..آمين..آمين...إلى أن يبدأ الإمام بالدعوة للقدس والمسجد الأقصى بالتحرير ولفلسطين بعمر أو صلاح ..فتتغير النغمة اللازمة لتصبح عويلا وبكاء واستصراخا وجأرا إلى الله وكأنك وسط مظاهرة مليونية من تلك التي تنطلق في مواسم المذابح في العواصم العربية,.... وكلما ألح الإمام بالدعاء للمجاهدين في العراق والصومال وأفغانستان بالنصر والتمكين ازدادت النغمة حدة وانتشارا...آمين... آمين ..آمين.

يصلى الفجر وتخرج لتجد الأحذية مكدسة أمام الأبواب جاهزة للمعركة القادمة ،معركة التطبيع، فهي السلاح كانت وما زالت في وجه المغتصبين والمطبعين والبائعين والمتخاذلين ..... في القدس حتى الأحذية لها احترام خاص.
يخرج المصلون وتوزع عليهم الأكياس الفارغة ويبدأ الجميع بتنظيف ساحات المسجد الأقصى.. هنا لا وجود لراعي ولا دولة ...هنا الكل خدم للقدس ومسجدها ..هنا تشعر بنشوة الخضوع والخدمة هنا... لكل شئ طابع خاص....... هنا القدس.

تغسل الساحات وتشرق الشمس وللقدس عبق صباحي ساحر يمتزج فيه التاريخ والأحداث والإسراء والنصر والتكبير والتهليل و دم الشهداء برائحة الحجارة القديمة بالصمت، بصوت خطى الجموع تدب بانتظام في أزقة البلدة العتيقة وشوارعها .....
تسير في ذلك العالم البديع، وتنسى بعد تلك الليلة الروحانية ...أنك ستراهم.... سترى جنود الاحتلال مدججين بالسلاح واقفين بالأبواب.... لكنهم خارجون عن النص." مارون بين الكلمات العابرة". ضعفاء لا يخيفون... حتى صبيا .. صلى ودعى في ليلة قدر عليهم وتمنى على الله أن ترتقي الأمة وتستشعر بعض ما يعانيه أهل فلسطين و القدس وأن تتذوق طعم التحدي وتسلق الجدران ...فتحطم جدران سايكس بيكو وتتوحد .. ويتأنق رجالها بلباس المعركة ويتجملون بحمل أسلحة لطالما كدست ولم تحترم لتعيش الأمة بهجة الزحام في ساحات الاقصى وتنتشي لكنس الظلام وعصرهم البائد ... تلك دعوة لا بد أن تستجاب فهي.......................... دعوة القدس في ليلة القدر.

ثبوت الرؤية السياسية


ثبوت الرؤية السياسية

د.مصعب أبو عرقوب

بدء رمضان بثبوت الرؤية الشرعية لهلاله وارتبط المسلمون حول العالم بحركة الكون وسير الكواكب ليغيروا سلوكهم اليومي تغييرا انقلابيا وبدون مقدمات أو تدرج فلا أكل ولا شرب, وإقلاع مفاجئ عن التدخين وضبط دقيق لإيقاع الحياة ، فالامتناع عن الأكل قانون صارم إلى أن تشق المآذن الصمت معلنة موعد الإفطار.

فتصوم امة كاملة، تصلي التراويح وتتبادل التهاني تجتمع في المساجد وتزور الأرحام وترتل القران في انسجام بديع بين الكون و الأمة امتثالا لأمر الله بالصيام وتحديد بدئه بقول الرسول الكريم" صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته".

و في انصياع تام للرؤية الشرعية تتوحد الأمة الإسلامية في أدق تفاصيل الحياة اليومية وتنتظم في تأدية فريضة واحدة غير حافلة بحدود مصطنعة أو حسابات إقليمية ضيقة الأفق أو فصائلية مخجلة، فصامت رام الله وغزة ولم يؤجل رمضان لما بعد حوار القاهرة أو إطلاق سراح المعتقلين من الطرفين كما لم يلغى الصيام بحجة ضعف مناعة الأجسام أمام انفلونزا الخنازير أو خوفا من انخفاض الإنتاجية في ظل الأزمة الاقتصادية. وتصوم الأمة رغم الحصار في غزة والتفجيرات وانعدام الأمن في بغداد ولم تفطر تحت القصف في أفغانستان والصومال أو الاقتتال في صعدة.

لم تستطع كل تلك الحسابات منع امة من الانصهار في بوتقة واحدة والعيش في منظومة سلوكية انعدم نظيرها في ظل عالم مادي بعيد كل البعد عن القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية.وبالرغم من كل الحملات التي تشن على وحدة الأمة وثقافتها وحضارتها إلى أن الحدث الرمضاني في عالميته يشكل برهانا على أن المعركة لم تنتهي بعد وان الأمة وان هزمت ماديا فإنها لم تهزم فكريا ولم تنل الهجمات الدعائية والإعلامية من القناعات المتجذرة في عقول أبنائها.

فالإسلام كمنهج حياة لا يقتصر في توحيد الأمة على الرؤية الشرعية لهلال رمضان بل يمتلك رؤية شاملة للحياة ورؤية سياسية لحل القضايا المصيرية للأمة يصعب إقناع المسلمين بغيرها وان حاول البعض تضليلهم وإخضاعها لبعض الحسابات الإقليمية أو المصلحية ,فالقضية الفلسطينية لم تراوح مكانها عقودا لقلة المبادرات

أو التمويل أو المؤتمرات أو الخرائط وستبقى تراوح مكانها لان أهل البلاد لم تثبت عندهم الرؤية الشرعية في تلك الحلول ويستحيل إقناعهم بغيرها لحل قضيتهم ,فلا يمكن أن تختزل قضية فلسطين بإزالة حاجز هنا أو مستوطنة هناك فارض الإسراء والمعراج تشهد لصلاح الدين تقيده بالرؤية الشرعية للحل رؤية ثابتة في عقول الأمة وصدور أهل فلسطين ثبوت الهلال في رمضان لا تتغير وان افطر المقدسيون في الشوارع أمام بيوتهم التي اخرجوا منها وتسحروا على نشرات أخبار لا تذكرهم ولن تتغير وان مات أطفال غزة تحت الحصار والقصف.

رؤية شرعية للسياسة تنقذ الأمة وتصون أرواح شبابها فلا تسمح بإقامة إمارة في سجن صغير يفتقر لأبسط مقومات الدولة ولا تبيح قتل المسلمين في المساجد في صراع على سيادة منقوصة بل على سيادة لا وجود لها،رحيمة بآلاف المشردين من بيوتهم من اجل عيون الاستعمار في باكستان، رؤية واضحة لا تحتاج لمحكمة القاهرة التي تجرم من مد يد العون للأهل في غزة ,عادلة في من قدم العراق وأفغانستان لقمة سائغة للغرب وجيوشه البربرية ...رؤية تزيل الغموض والتناقض عن تعريف الإرهابي في الصومال وغيرها من بلاد المسلمين هي كذلك لأنها مستمدة من المنظومة الفكرية الراسخة في أعماق الصائمين منبثقة من الشرع الذي لا تختلف عليه الأمة .

صامت الأمة ولم تخضع صيامها لأي حسابات ولعل هلالا آخر يتولد الآن يجمع المسلمين في دولة واحدة فتثبت الرؤية السياسية عند الأمة لتغير سلوكها الحضاري تغييرا انقلابيا شاملا يخرجها من حالة التبعية للغرب والإدمان على الذل و المذابح والاحتلال ونهب الثروات إلى الصيام عن المهانة والإمساك عن الخضوع لتفطر في أوطان ومقدسات محررة على ثروات مستردة وتنطلق للبشرية حاملة نظام عدل ورسالة نور تنقذها من جمود المادية إلى رحمة الإسلام ودفئه... لتنتظم الأرض من جديد في عقد الكون... محكومة بقانون السماء.

.

د.مصعب ابو عرقوب

السبت، 18 يوليو 2009

إيماءة الناسك

إيماءة الناسك

الدكتور مصعب أبو عرقوب

عاش في صومعته عابدا ناسكا، معتزلا الناس خشية أن يفتنوه عن عبادة ربه وأرهق الشياطين بصلاحه وتقواه، فعقد إبليس مؤتمرا لإخراج برصيص الناسك من عالمه... وبعد مداولات تعهد احد الشياطين بإغواء برصيص، وانطلق بثياب ناسك إلى صومعة برصيص ووقف ببابه، فتح له العابد الباب فلم يجد منه إلا الصلاة والتمسك، وبعد عام قرر الشيطان مغادرة برصيص بعد أن علمه كلمات ادعى أن الله يشفي بهن السقيم وخرج، ... ذاع صيت برصيص وفتح صومعته يساعد الناس ويداويهم .....ولما أصاب المرض بنت الملك لم يجدوا إلا برصيص الناسك لعلاجها...أغواه الشيطان...فحملت ..أغواه ليستر الفضيحة ويتفرغ للعبادة .. فقتلها ودفنها..انكشف الأمر فصلب برصيص وقيد .....جاءه الشيطان عارضا عليه المساعدة وتخليصه شرط أن يسجد له .. ولكني مقيد ولا أستطيع السجود .....فأجابه.. إيماءة من عينيك تكفيني.

رويت قصة برصيص بصور عدة وتناقلتها الكتب والألسن لما فيها من عبرة ..فالعالم لم يخلو يوما من العباد أو الشياطين..والمعركة دائرة لم تتوقف.

فعندما تتفرد دولة بقيادة العالم وتفرض قوانينها وأنظمتها عليه، يصبح كل من لا يجاريها خارجا عن النظام مارقا ضمن محور الشر لا شرعية له ،إرهابيا أو ثائرا متمردا على الإرادة الدولية والمجتمع الدولي منعزلا في صومعته, لكن الناس قد يفتتنوا بإخلاصه وبياض يده وقد يتأثروا بأفكاره التي تلامس أعماق قلوبهم فيتمردوا،وبذلك يشكل خطرا يهدد مصالح الدولة الأولى و يقف عائقا أمام تنفيذ مشاريعها، ولا سبيل للتخلص منه بسهولة فالناس ترى فساد الآخرين وتقارنهم بصلاحه وصدقه ..وتبدأ المعركة لإخراج العابد من صومعته بإقناعه بضرورة تقديم المساعدة للناس وخدمتهم وعدم تركهم للفاسدين يحطمون آمالهم و يتحكمون بحياتهم ومصيرهم وحتى يكون خروج الناسك للعالم والمجتمع الدولي شرعيا تجرى انتخابات ليفوز بأغلبية أصوات الجماهير المتعطشة للتغيير والتخلص من الواقع المرير، وهكذا يدخل الناسك العالم الجديد تحت مظلة قوانين المجتمع الدولي ومتطلباته، وتحت ضغط الواقع والاتفاقيات الموقعة والاشتراطات الدولية تصبح قوانين الصومعة قديمة مرتجلة تحتاج للتعديل ومسايرة العالم وقد تغير باستفتاء عليها أو تلغى في اجتماع مركزي.

وحتى تصبح دولة الناسك عضوا في المجتمع الدولي تتلقى مساعداته لتدفع رواتب موظفيها وترفع الحصار عن مواطنيها التي جاءت لخدمتهم ، وهنالك استحقاقات أو شروط يجب أن توافق عليها ومشاريع للدولة الأولى لا يجب أن تعطلها وإلا حوصرت واتهمت بالخروج على المجتمع الدولي ، وقد تكون تلك الاستحقاقات مريرة على نفس الناسك متعارضة مع ثوابته متنافية مع ما اعتاد الناس عليه من تمسك الناسك بالحقوق وصلابته في الدفاع عن المقدسات..وحتى لا ينفض الناس عن الناسك ويضيع جهد الدولة الأولى في إخراجه من الصومعة هدرا وتخسر تأثير الناسك على الناس قبل أن يعطيها صك الشرعية لمشاريعها وأدواتها...فإن الدولة الأولى ستكتفي في هذه المرحلة بايمائة من عينيه تبقي على هالة الصلاح والروحانية التي كانت سبب حب الناس له، فتهمس في أذنه عبر الوسطاء والرؤساء السابقين ... إيماءة من عينيك تكفيني.

و لعل الجدل الذي يعقب بعض الخطابات والتصريحات السياسية يعود لما فيها من غموض و إيماءات، قد تربك الصورة عند البعض لكنها سرعان ما تتكشف ، فقد شهد العراق والصومال وغيرهما أمثلة على نساك سرعان ما تخلوا عن صوامعهم و ساهمت الأحداث في إزالة هالة النساك عنهم، ويتمنى البعض أن لا يكون غموض بعض المواقف بخصوص الاعتراف بإسرائيل والقبول بحل الدولتين إيماءة للتنازل عن فلسطين والأرض التي بارك الله حولها ،لكن بعض التصريحات تكشف تورطا اكبر من مجرد الايماءة.

يفسر بعض العلماء مصيبة برصيص ووقوعه في المنكر بغلبة عبادته على علمه؛ فإنهاض الأمة ورفع شأنها ومساعدة الناس في حياتهم وتخليصهم من الظلم والاحتلال لا يكون بالدخول في دائرة المجتمع الدولي والرضا بقوانينه وتشريعاته واستحقاقاته التي تضمن تفوقه وتحافظ على مصالحه واستمرار نهبه لثروات الامة ومقدراتها .فالنهضة إنما تكون بتفعيل مشروع الأمة الحضاري في دولة واحدة تطبق الأحكام والأنظمة التي تعتقدها الأمة وان خالفت قوانين العالم وقلبت الطاولة على الجميع، بهذه الطريقة تستقل الأمة وتصبح الأولى في العالم تضع القوانين وتفرض الحلول وتحمي الديار وتساعد البشرية وتخلصها من قانون الغاب وظلم الرأسماليين ومكائد الشياطين.

وعودة لمصير برصيص.... فبعد سجوده للشيطان بتلك الإيماءة...قتل وصلب وطار الشيطان فرحا قائلا... هذا ما أردت منك.

د.مصعب أبو عرقوب

13.07.2009

الأربعاء، 17 يونيو 2009

اوباما ...وتصفيق الكومبارس









اوباما ...وتصفيق الكومبارس





د.مصعب محمد أبو عرقوب


"خمسون ألف روماني... يراقبون كل حركة من سيفك يرغبون بان تجعل ضرباتك قاتلة .. الصمت قبل ضرباتك ..والصياح والتصفيق بعدها يعلو... ويعلو مثل العاصفة وكأنك إله الرعد نفسه", بذلك الوصف أغرى سيدٌ أحد المصارعين ليشارك في حلبة الصراع في الكولوسيوم أشهر مسارح ذلك العصر، ففي قمة عظمتها كانت الإمبراطورية الرومانية تقيم حلبات للمصارعة تسحر الجمهور، وتصرف انتباههم عن فتك الطاعون ومآسي الحياة التي يكابدون، وغالبا ...ما ينتهي العرض بمقتل احد المتصارعين فتسيل الدماء وتفوح رائحة الموت..
والغريب أن الجمهور كان يصر على قتل الخاسر ليستمتع بلون الدم ..فيضج المسرح بالصراخ والتصفيق في مشهد أبعد ما يكون عن الإنسانية.
وفي مشهد آخر من عصر الجاهلية كانت طقوس العبادة، طواف حول الكعبة يعلوه التصفيق والصراخ ..واستمر التعبير عن المشاعر المختلطة أحيانا والمتناقضة أحيانا أخرى بالتصفيق والصراخ كظاهرة تصاحب أحداث يصعب نسيانها،
و يفسر احد نواب مجلس الدوما السوفيتية سر مشهد التصفيق المتواصل بعد خطاب ستالين...يفسره بخشية الحضور على حياتهم من سطوة الزعيم ومعتقلاته ونفيه لخصومه في سجون سيبيريا و صقيعها إن توقفوا عن التصفيق قبل أن يطلب ستالين منهم ذلك.
وفي مشهد درامي مشابه ومن جامعة القاهرة هذه المرة تعالت الصيحات واخترق التصفيق كلمة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مرات ومرات، مناقضا لكل المشاعر و المشاهد والسيناريوهات.
فأوباوما... وإن وقف كمصارع في الكولوسيوم شاهرا سيفه و الدم يقطر منه في العراق وباكستان وأفغانستان والصومال وفلسطين ،فإن الأمة الإسلامية التي وجه خطابه لها لا تستمتع أبدا بهذا المشهد الدموي الحزين ،ولا تشبه بحال من الأحوال سادية الجمهور في المسارح الرومانية، فهي أمة واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى....فلن تصفق له، كما أنها لم تعبد الديمقراطية ولن تطوف حولها ولا حول صنم من تمر إن جاعت أسواق الرأسمالية أكلته، فهي تملك نظاما أخرجها من الظلمات إلى النور و عاشت في ظله قرون، عزيزة منيعة صان بشرائعه حرمات نسائها ومقدساتها ....فلن تصفق له، ولم تؤمن يوما بهرطقة الدولتين وقسمة الأرض المباركة بين أهلها ومغتصبيها لتصفق له، ولن ترقص تلك الأمة طربا لإزالة مستوطنة هنا أو حاجز هناك فالقدس وفلسطين كلها ملك لهم, كما أنها لن تصفق له خوفا فقد طار الخوف من عيون أطفالها الذين تعودوا أزيز الطائرات، ورؤية الأشلاء في الأفراح والمناسبات، وباتت نزهتهم الوحيدة زيارة آبائهم في المعتقلات ،ولم تعد جيوش الاحتلال ترعبهم فللمقاومة في العراق ولبنان وفلسطين أمام ناظرهم صولات وجولات...فلن يصفقوا..
لكنه الاستعراض على الطريقة الأمريكية في هوليوود, فقد تنبه المخرجون لأهمية التصفيق كأحد المؤثرات الصوتية الضرورية لإعطاء الانطباع بالموافقة والإعجاب ،وإضفاء نوع من التفاعل مع المشاهدين، فبرزت أهمية استئجار بعض الممثلين الثانويين أو ما يسمون بالكومبارس مهمتهم التصفيق عند طلب المخرج ، أو القيام بأدوار ثانوية لا تغير النص ولكنها تضفي عليه نوعا من الواقعية والإثارة، وقد لا يبتعد دور الكومبارس ومهمته كثيرا عن المشهد السياسي في العالم العربي والإسلامي كظاهرة تفسر وجود ألاف من مدعي العمل بالسياسة والاضطلاع بشؤون الأمة يصفقون متى طلب منهم المخرج الأمريكي ذلك بما يتناسب مع النص ونوعية العرض.
إلا أن التصفيق في مشهد القاهرة جاء نشازا وخارجا عن السياق الموضوعي والتاريخي، فيبدو أن الجمهور خارج القاعة قد سئم هذه الاسطوانة المشروخة، وخرج من عالمه الافتراضي الذي صنعه المخرج وجوقته من الكومبارس السياسيين، فلم تعد المؤثرات الصوتية أو المرئية تخفي واقعه المرير، ولم تعد لا الوعود ولا التضليل يجدي نفعا مع أمة شاهدت كل الاستعراضات الوهمية وحرقت كل الأفلام وشبعت من أباطرة الكلام...امة ترنو للتغيير وهي ترى اوباما رئيسا لأمريكا في تحقق سريع للأحلام ,فقبل ست وأربعين سنة فقط وأمام مئتين وخمسين ألفا وقف الزعيم الأمريكي من أصل إفريقي مارتن لوثر كينج ليلقي واحدة من اشهر خطبه "لدي حلم"
أعلن كينج فيها رفضه للتمييز ضد أبناء جلدته " لن نرضى أبداً ما دام الزنجيُّ في المسيسيبي لا يملك حق التصويت ، والزنجيُّ في نيويورك لا يؤمنُ في شيءٍ يصوّتُ من أجله . لا ، لا ، لسنا راضين . ولن نرضى حتى يتدفّق العدلُ كالماء ، والاستقامةُ كالنهرِ العظيم.... لدي حلم . "... وفي مشهد تاريخي مؤثر.. صفق الجمهور المحتشد حول نصب لنيكولن التذكاري وعلت اصوات التأييد، واعتبر كثيرون ان رسالة لوثر كينج قد تحققت وان التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية.
فالأيام حبلى وعصر الإمبراطورية الرومانية قد ولى، وصار الكولوسيوم أثرا بعد عين وانتهت الجاهلية بخوفها وظلامها، و أطل عصر جديد لن يبقى فيه المسرح حكرا على الكومبارس يخذلون آمال أمتهم وتطلعاتها ... و يصفقون ،فالجمهور قد ضاق ذرعا بعرض هزيل آلم القلوب وأبكى العيون.
ولعلنا على أبواب حلم آخر يتحقق ,حلم اكبر من حلم كينج ،...حلم يعتلي المسرح فيه أبطال حقيقيون، السحاب فيه قد يخاطبون:"أمطري حيث شئت فخراجك عائد إلي"... ولملك الروم برسالة قد يبعثون "الرد ما تراه لا ما تسمعه"، وليصلوا في قبلتهم الأولى... جيوشهم قد يحركون، فيعلو التكبير والتهليل، ومن على منبر صلاح الدين انتهاء عصر الكومبارس بلا رجعة ... سيعلنون.

الأحد، 7 يونيو 2009

وتبقى القدس ...ورقة عبّاد الشمس




وتبقى القدس ...ورقة عبّاد الشمس



تراها صغيرة صامتة جامدة منسية، لا تكذب ولا تنافق ...لكنها ما تلبث أن تغير لونها لتضعك أمام حقيقة لا جدال فيها .. تلك ورقة عبّاد الشمس، إن كنت في عالم الكيمياء فهي رفيقتك تميز لك الحامض من القاعدي، وفي عالم السياسة إن هبت عليك رياح التصريحات واعتلتك أمواج التضليل وغمرك الإعلام بالتحليلات والمناظرات، إن أسرتك بعض القيادات هنيهة ثم حيرتك، إن ابتهجت لهم حينا وغضبت منهم دهرا، إن كنت في حيرة من أمرك أتصفق لهم أم تبكي، أتصدقهم أم هي عادتهم، هل تغيروا أم لا أمل فيهم، هل ما يقولون دعاية انتخابية وعنتريات إعلامية أم حقيقة تلفنا حولهم، إن كنت كذلك فأنت لا ريب محتاج لورقة عبّاد شمس سياسية تنبئك بالخبر وتكشف لك ما استتر.

ألم يعدوك برميهم في البحر؟، ألم يتشدقوا بعروبة القدس وقوميتها؟، ألم يزورها ويُصَّلوا فيها ألم يُغنوا لها؟، ألم يعقدوا الاتفاقيات لأجلها و المؤتمرات؟ بل أنشئوا صندوقا لدعم صمودها، لماذا لا تصدقهم ؟ أم أنهم لم يجتازوا فحص عباد الشمس؟.

منهم من صرح يوما بضرورة إزالة "إسرائيل" عن الوجود ووقف حاملا راية الحق أمام الشيطان الأكبر ولكنه في لقاء تلفزيوني أكدّ أنه لن يمنع الفلسطينيين من الاعتراف بالدولة العبرية في إطار حل إقليمي على أساس "دولتين"، وأضاف نجاد "مهما كان القرار الذي يتخذونه، لا مشكلة بالنسبة إلينا، لن نحول دونه، مهما كان القرار الذي سيتخذونه فإننا سندعمه". ، ...أترى لم يستطع أن يخفي الحقيقة أمام ورقة عباد الشمس ..القدس وفلسطين، وخرج آخر من منتدى دافوس مغاضبا، وأسرك بفعلته تلك ورأيت فيه القائد القوي والراعي المزعوم لبلاد المسلمين لكن أردوغان رد على الأصوات الشعبية المطالبة بتجميد العلاقات مع الكيان المحتل بالقول"من السهل للأعزب أن يطلق زوجة " في إشارة منه إلى عدم إمكانية ذلك! فما قيمة وما وزن هذه التصريحات والأفعال التي شَغَل مسئولو حكومة حزب العدالة والتنمية المسلمين بها على المستويين المحلي والعالمي ما لم تؤدِّ إلى قطع العلاقات كاملة مع إسرائيل كخطوة أولى ومع كل الدول التي تقف خلفها, أليست القدس وفلسطين محكا لكل زعيم.

ماذا لو وقف سيد البيت الأبيض ووهبك "دولة " بين السطور، و دخلت المدينة المقدسة بتصريح كتب بالعبرية، أو بتأشيرة من سفاراتهم في عواصم الدول العربية والإسلامية، ماذا لو صليت تحت حراب المحتلين وطفت كسائح بساحل فلسطين, وأغروك بالقدس الشرقية دون بقية الأرض التي بارك الله حولها ...هل سيشفى صدرك أم تريد أكثر، أم أن القدس تعني لك شيئا أكبر, أكبر من الأرض والتراب و وعد اوباما من بلد الأزهر.

فقد تعيش في مقابر قاهرة المعز كآلاف المصرين أو تحت ظلال الأشجار في الصومال أو قد يكون عنوانك دورات المياه مع إخوانك المغاربة, قد تؤويك الخيام في باكستان أو معسكرات اللجوء في أوروبا أو تتقاذفك أمواج الأطلسي في رحلة البحث عن مستقبل, قد يطالك القصف في وزيرستان أو شظايا المتفجرات في العراق قد تحاصر في غزة أو الفلوجة، قد تحمل شهادة جامعية عالية وتبيع الشاورما في باريس أو السجائر في تونس قد يعتقلوك في غوانتاناموا أو يودعوك سجن أبو غريب أو يغيبوك في المزة أو تزمامارت, لكنك لن تنسى القدس فهل يستطيعون محي وعي سكب في تلافيف عقلك أو يستطيعون من جسمك نزع عقيدتك التي جمعتك بكل أولئك أم أن "عقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله . . ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج ! ".

أما إن لم تكن من أولائك المعذبين وسكنت القصور والمنتجعات وكنت رئيسا أو ملكا أو قائد جيش فاعلم أن مليارا ونصف يملكون ورقة عباد شمس ويفرقون بين الأعمال والأقوال، بين الشعارات وصناعة الأحداث، هؤلاء يملكون القدس و لن يسكتوا حتى يعيدوها سيرتها الأولى ...درة تاج الدولة الإسلامية، فلن تخدعهم بمعسول كلامك وحرصك الزائف، ما لم يروا فاروقا أو صلاحا يعتلي منبر المسجد الأقصى محررا فإنهم لن يصدقوك... فانظر أمرك إن كنت من أهل العزم فتقدم وإلا فتنح عن الطريق لكيلا تدوسك الجموع فقد سقطت ورقة التوت ولم تعد تستر خنوعك واستسلامك، ألا ترى أنهم يُقتلون ..يتألمون ..يحاصرون ولكنهم يتذكرون... فلا تقف في طريقهم، ألا ترى الغضب في عيونهم ؟..ألا ترى تحرقهم ليوم نصر وتحرير؟ فلا تقف في طريقهم، فالقدس وفلسطين جزء من عقيدتهم والعقيدة لا تباع ولا تشترى، أترى...

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما

هل ترى..؟

..هي أشياء لا تشترى


د.مصعب محمد ابو عرقوب

الاثنين، 11 مايو 2009

كلينتون تََََُُُُُبَِِسِط الأمور للمعتدلين


كلينتون  تََََُُُُُبَِِسِط الأمور للمعتدلين

                                            

أثناء التحضيرات للثورة الكوبية وفي اجتماع سري عقد في منزل من منازل مكسيكو سيتي عرض تشي جيفارا ضرورة تقديم برنامج ثوري لشعب كوبا فأجابه أحد الحاضرين قائلا :"هذا أمر بسيط جدا, يجب أن نقوم بانقلاب, باتيستا- دكتاتور كوبا - قام بانقلاب واستلم الحكم في يوم واحد, ومن الضروري وقوع انقلاب ثاني لطرده...ارتضى باتيستا بمائة تنازل للأمريكيين, وسنقدم لهم نحن مائة تنازل آخر" استهجن تشي تلك الإجابة  وعلق عليها في مذكراته قائلا "كانت المسألة بالنسبة له الاستيلاء على الحكم, وكنت أرى من جانبي أن نقوم بهذا الانقلاب على أساس بعض المبادئ وان المهم  في الأمر  هو أيضا معرفة ماذا سنفعل عندما نصير في الحكم."  هكذا أدرك جيفارا  حقيقة تاريخية و عرف  الفرق بين الاستيلاء على الحكم وإقامة دولة لها دستورها وأفكارها وأنظمتها الخاصة  التي تسعى لتطبيقها.

فمجرد الوصول لسدة الحكم ليس بالأمر الصعب لا يلزمه سوى الاستعداد لتقديم التنازلات ومن يقدم أكثر سيصل أسرع وأسهل من غيره, وقد تفسر تلك الحقيقة التاريخية بعض الأحداث  والظواهر السياسية التي يصعب على البعض تصديقها, فعندما كان شيخ شريف احمد رئيسا للمحاكم الإسلامية سابقا ووصل إلى الحكم في الصومال كان حينذاك يقاتل الأطماع الخارجية في الصومال من المستعمرين, ويدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية, فاجتاحته القوات الإثيوبية مدفوعة بأمريكا وخرج شيخ احمد اثر هزيمة المحاكم الإسلامية نهاية عام 2006, فما الذي قدمه ذلك الشيخ ليعود رئيسا شرعيا يستقبل في عواصم مصر وتركيا وغيرهما, يبدو أن شيئا ما قد تغير ليصبح وصوله للحكم شرعيا و" أمرا بسيطا جدا ".

وحتى لا تغيب تلك الحقيقة عن أذهان من يسعى للوصول إلى الحكم بسهولة ويسر تضع وزيرة الخارجية الأمريكية النقاط على الحروف وتََُبَسطُ الأمور في عصر السرعة فتصرح أمام  لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي :"لن نتعامل مع حكومة فلسطينية تضم حماس أو نمول مثل هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال ما لم تنبذ حماس العنف وتعترف بإسرائيل وتقبل بالوفاء بالالتزامات السابقة للسلطة الفلسطينية "فالتمويل للوصول لسدة الحكم والشرعية الدولية يبقى منوطا بتنفيذ الشروط وتقديم التنازلات, وما على الراغبين بذلك إلا تقدم الصفوف فلم تفت الفرصة بعد وما زال العرض ساريا فقد طمأنت كلينتون كل المتعطشين للوصول للحكم بقولها "نحن نريد أن نترك الباب مفتوحا", وهكذا ترتسم معالم السياسة الخارجية للإدارة الديمقراطية الجديدة واستعدادها لتقديم "العون والتمويل  والشرعية "  لجميع المعتدلين في العالم الإسلامي, فكل شيء يتغير.

 فشيخ شريف احمد كان إرهابيا أصوليا ولكنه أصبح رئيس دولة معتدل, وقائمة الإرهاب التي تضم بعض الحركات ليست مقدسة و يمكن تغيرها, المهم أن تقبل العرض الأمريكي لتفتح  لك كل الأبواب,  وتنضم إلى قائمة المعتدلين عالميا، فالانتقال من التطرف إلى الاعتدال لا يلزمه سوى قبول العرض الأمريكي,  وبذلك يقترب وصف الاعتدال السياسي من تعريف جيفارا  للمعتدلين فالاعتدال في رأيه " كلمة يحب عملاء الاستعمار استخدامها : فالمعتدلون هم كل أولئك الخائفين, أو كل أولئك الذين يفكرون بالخيانة بشكل من الأشكال, أما الشعب فليس معتدلا على الإطلاق."

قد توفر تجربة جيفارا مثالا للتدليل على واقع العلاقة بين الاستعمار والشعوب المقهورة, وتسلط الأضواء على حقائق سياسية وتاريخية دَونها في مذكراته بصراحة تحسب له, لكن رؤيته لطريقة التغير و أنظمته بعد الثورة لا تتعدى كونها ردة  فعل على السياسة الاستعمارية الظالمة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه شعوب أمريكا اللاتينية كما يقر في مذكراته,  ولم تشكل مواقفه السياسية وآرائه رادعا حتى لأتباعه الذين تجاوزوها تحت عنوان المرحلية والخطوات التكتيكية واختلال موازين القوى لينصاعوا أمام عاصفة الاعتدال، تلك العاصفة التي لا يملك الوقوف أمامها إلا من استندت مواقفه السياسية لقاعدة صلبة غير قابلة للمساومة على مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة, قاعدة تستند إلى عقيدة تملك برنامجا واضحا وأنظمة  كفيلة بحل جميع مشاكل الإنسانية وتحدد سلوكا سياسيا ثابتا لا تزعزعه العواصف, مقيدا بتشريع  لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة من الذرائع,  فقد شكل موقف الرسول محمد عليه السلام أمام وفد قريش المفاوض تشريعا يغلق كل الأبواب أمام المعتدلين وذرائعهم, وكانت إجابته قاطعة لا لبس فيها "يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك دونه ما تركته", واضعا بذلك خطا احمرا لا يمكن تجاوزه لكل من اعتقد الإسلام فكرا ومنهاج حياة  واتخذه طريقة خاصة في التغيير و إقامة الدولة, فالعبرة بنوع النظام والبرنامج الذي سيطبق في جميع مناحي الحياة  بعد الوصول لسدة الحكم  ولا قيمة للسلطة أو الحكم بدون ذلك .

 وبناء على تلك القاعدة ننتظر من جميع الحركات الإسلامية بما فيها حماس رفض  عرض  وزيرة الخارجية الأمريكية, ولا نستبعد أن يقبل البعض عرضها كما هو حال معظم النخب الحاكمة في العالم الإسلامي والعربي فقد وصلوا لسدة الحكم بهذه الطريقة  بل كان وصولهم "أمرا بسيطا جدا", ويبدو أن الأمة الإسلامية لن تنتظر طويلا حتى تقيم دولة بسواعد شبابها وقوتهم الذاتية وتطبق إسلامها  وتحمله رسالة نور للعالم  فالأمة أصبحت تميز وببساطة أيضا المخلصون من المعتدلين .

د. مصعب أبو عرقوب

الاثنين، 27 أبريل 2009

شافيز و اوباما و الكتاب


في حركة مسرحية أمام الكاميرات تقدم الرئيس الفنزويلي شافيز ليهدي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كتاب “الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية” للكاتب الأوروغوايي الشهير إيدواردو غاليانو والكتاب يتناول استنزاف ثروات أمريكا اللاتينية بين القرن الخامس عشر و القرن العشرين, وبتلك الهدية أكد شافيز على حاجة اوباما لقراءة الكتاب ومعرفة الكثير لنسج علاقات أفضل مع جيرانه الجنوبيين .و لا يستغرب هذا الموقف على الرئيس الفنزولي فمنذ توليه السلطة كان أمام شافيز لتحقيق مصالح بلده خياران لا ثالث لهما الأول أن يسعى لتأمين مصالح الدولة الأولى وهي أمريكا فيسير في ركابها وينتظر مساعداتها الملغومة فيغامر بمصير شعبه وإرادة بلده السياسية وينتظر فتات المؤتمرات كمعظم دول عالمنا الإسلامي والعربي, أما الخيار الثاني فهو تهديد مصالح الدولة الأولى والوقوف ندا لها وبذلك يستقل بقراره السياسي ويصون ثروات بلده ويخرج من عباءة المؤسسات الدولية وآلياتها الاستعمارية. واختار شافيز الخيار الثاني فلم يشعر انه أمام سيده في قمة الأمريكيتين وتجرأ أمام العالم على إهداء رئيس الدولة الأولى كتابا يعد شرطا يملى على خصمه اوباما إن هو أراد علاقات طيبة مع أمريكا اللاتينية فثرواتها ملك لأهلها ولن تبقى نهبا لأمريكا كما كانت على مدى قرنين أو أكثر كما يوثق الكتاب, وبذلك يكون شافيز قد عرف قدره فهو لن يستطيع أن يلعب دورا اكبر في الساحة الدولية لكنه يستطيع أن يحافظ على مقدرات بلده وقد يتعداها لصون ثروات قارته أمام أهل الشمال حتى لا تظل بلاده ساحة خلفية للولايات المتحدة الأمريكية، فإنه وإن حاول حشد التأييد العالمي لأفكاره ومواقفه فلن يحتل موقعا مرموقا في الساحة الدولية تمكنه من تغيير الواقع الدولي والتوازنات العالمية, فتاريخ الثوريين في جنوب أمريكا وطبعهم يؤصل لحقيقة مفادها أنهم لا يملكون رسالة عالمية يسعون لنشرها بقدر ما يملكون سخطا ونقمة على رأسمالية أمريكا وجشعها واستغلالها لشعوب وثروات القارة الجنوبية فهم لم ينحازوا للشيوعية أو الاشتراكية إلا لأن أمريكا تعتنق الرأسمالية وتستعمر الشعوب باسمها وباسم الديمقراطية.ولم يعتقدوا الاشتراكية كمبدأ بقدر ما طبقوها كنظام ظنوا فيه العدالة في توزيع الثروة على الفقراء والخلاص من الرأسماليين المواليين لأمريكا لذلك قد لا يحمل الكتاب المذكور سوى بعض النصائح والرؤى لتحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية, إلا أن ذلك قد لا يفيد اوباما كثيرا فمشاكله لا تقتصر على علاقته بجيرانه الجنوبيين بل تتعدى نهب ثروات أمريكا اللاتينية إلى نهب ثروات العالم سواء في العراق أو الخليج أو الدول الإفريقية.كما لن يجيب الكتاب المهدى بحال من الأحوال على الأسئلة الملحة للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تبتذل لها حلول من توليفات غريبة من كتب متناقضة فتارة ينادى بالليبرالية المقيدة وأخرى يتحدثون عن ضرورة تدخل الدولة الرأسمالية ومراقبتها لحركة الاقتصاد في مزيج خطير بين الرأسمالية والاشتراكية.وبالضرورة فان رئيس الدولة الأولى – إلى الآن- لن يجد في الكتاب حلا سحريا لقضية فلسطين والعراق وأفغانستان كما لن يجد تعريفا واضحا للإرهاب يقنع شعوب الأرض به ولا دليلا يوضح معنى العنصرية, أو طريقة تنشر العدل بين البشر, أو رسالة يحملها للعالم بعد سقوط ديمقراطيته كرسالة كانت مبررهم لاحتلال العراق وأفغانستان .ويبدو أن أمام اوباما مهمة أكثر من صعبة ليبقي دولته الأولى في العالم, فالأمر تعدى بعض الحلول المرحلية لبعض القضايا لا سيما إن عجزت كتب الرأسمالية والاشتراكية عن إيجاد حل للأزمة الاقتصادية العالمية وبات الحديث عن خلل في جوهر المبدأ الرأسمالي أمرا باديا للعيان على جميع الأصعدة السياسية منها والاجتماعية.وفي ظل دولة عالمية لم تعد قادرة على قيادة العالم وفقدت بريق رسالتها وانكشف زيف دعايتها يقف العالم حائرا في انتظار نور قد يسطع من تفعيل كتاب من نوع آخر هذه المرة. وتبقى الأمة الإسلامية المرشحة الوحيدة لقيادة العالم لما تملكه من رسالة فيها شفاء لما يعانيه العالم من أمراض باتت تقض مضاجع الشعوب.فالأمة الإسلامية بين يدها كتاب الله بما فيه من أنظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية تضمن السعادة والعدل للعالم إن هي طبقتها في دولة وحملتها رسالة نور للعالم الحائر, تخرجه من عبودية الدولار إلى الإيمان بخالق الكون ومن تفرد القيمة المادية إلى سعة القيم الإنسانية والروحية ومن جور الاستعمار إلى عدل الإسلام المشهود به على مر قرون طبق فيه في دولة حملت الإسلام كفكرة عالمية وقد تكون تلك هي الفكرة التي آن أوانها كما يقول فكتور هوغو فالفكرة التي آن أوانها لا يمكن لكل جيوش الأرض أن تقف أمامها، فقد آن لكتاب الله أن يوضع موضع التطبيق وان يتجسد في دولة تهدي العالم نموذجا للعدل والسعادة والنور الساطع من أعظم وأجل كتاب


.د.مصعب أبو عرقوب

الجمعة، 20 مارس 2009

عكا والقدس...والرسالة قصيرة


عكا و القدس والرسالة ...قصيرة
د.مصعب محمد أبو عرقوب

"يا مولانا لا تخضع لهؤلاء الملاعين، الذين قد أبوا عليك الإجابة إلى ما دعوتهم فينا، فإنا قد بايعنا الله على الجهاد حتى نقتل عن آخرنا، وبالله المستعان‏ "، كانت تلك رسالة أهل عكا للسلطان صلاح الدين وقد علموا أن شرط ملوك فرنسا وانجلترا وألمانيا لإطلاق سراحهم بعد سقوط مدينتهم هو تسليم القدس, وفي كتابه البداية والنهاية يواصل ابن كثير سرد تلك الواقعة والثمن الذي دفعه أهل عكا فيقول " أبرزت الفرنجة خيامهم إلى ظاهر البلد، واحضروا ثلاثة ألاف من المسلمين فأوقفوهم بعد العصر، وحملوا عليهم حملة رجل واحد فقتلوهم عن آخرهم في صعيد واحد، رحمهم الله وأكرم مثواهم " .
قد تتغير معالم البلدة القديمة في القدس نتيجة خطة بتكلفة 600مليون شيكل وقد يقام مبنى كبير في ساحة البراق ليستخدم كمركز للشرطة الإسرائيلية، وقد تبنى آلاف الوحدات السكنية في مستوطنة جيلو لتصاحب عمليات هدم بيوت المقدسيين وتوزيع إخطارات بترحيل سكان عشرات المنازل ونبش عظام الصحابة في مقبرة مأمن الله وقد تصبر أم كامل في خيمتها ويهدم آخرون بيوتهم بأيدهم كما فعل شريف عطوان الذي هدم بيته بنفسه لعدم قدرته على تسديد رسوم الهدم, وقد تنصب آلاف الخيام المقدسية, وقد يضيع البعض بحثا عن خارطة الطريق ويموت آخرون تحت الحصار وقد تأتي حكومة وفاق أو تكنوقراط قد يختلفون في القاهرة أو قد يتقاسمون وقد يتحاورون وقد يريحون أو... يستريحون .
قد يحصل ذلك وأكثر لكن الذي لن يتغير هو تلك الرسالة وذلك الصمود الذي يتجسد يوميا في حياة المقدسيين ليتسرب لأدق تفصيلات الحياة لأهل فلسطين, في وقوفهم أمام الحواجز, في صبر أمهات المعتقلين, في أقبية التحقيق في سجون المسكوبية وعسقلان وبئر السبع وعوفر وفي عيون من يتحسر ألما على استباحة الأقصى وعكا وحيفا في "ثلاثة ألاف من المسلمين" حاصروهم، وحملوا عليهم حملة رجل واحد فقتلوهم عن آخرهم هذه المرة.... في غزة.
وتبرق الرسالة مرة أخرى من أزقة المخيمات, من قلوب عائلات تنتظر لم الشمل, من أبناء الشهداء، من بين صفوف العمال ساعات الفجر الأولى يخاطرون بحياتهم من اجل لقمة العيش, من أبراش المعتقلين والعالقين بين المعابر، من تحت ركام البيوت في غزة ومن جرحى القنابل الفسفورية، من القابضين على الجمر من القافزين عن الجدار للصلاة في الحرم القدسي ومن تحت باحات الأقصى في المسجد المرواني مكتظا ليلة القدر بمسيرة البيارق من أهل يافا وحيفا وأم النور والجليل والنقب تخرج ذات الرسالة القصيرة لتسطر حقيقة تاريخية وثقافية لا يتجاهلها إلا من يريد أن يتعامل مع هذه القضية من باب إدارة أزمة وليس إيجاد حل جذري لها , فلن يخضع أهل فلسطين ولن يرحلوا ولن يتنازلوا ولن يبيعوا مهما بذلوا في سبيل ذلك من تضحيات وعلى من يريد حلا لهذه القضية أن يدرك هذه الحقيقية.
فأهل القدس وفلسطين يبعثون برسالتهم القصيرة مرة أخرى لمن يحتفلون بالقدس كعاصمة ثقافية لهم، فالأسرى لا ينتظر منهم أن يحرروا أرضا أو يفتحوا حدودا أمام جموع المصلين لتصلي في الأقصى أو للشعراء ليلقوا قصائدهم على شواطئ حيفا فالقدس لها من هؤلاء أن يصمدوا ويضحوا ما داموا أسرى، ولها العيون والبيوت والقلوب لكنها ليست لهم وحدهم هي لأمة ورجال قد تصلهم تلك الرسالة القصيرة، وسورة الإسراء ليست لأهل فلسطين وحدهم, ومسرى نبيهم وقبلتهم الأولى لا تنتظر أموالا لتدفع رسوما لهدم البيوت ولا قرارات من مجلس الأمن أو إدانة للاستيطان من عواصم شاركت في القتل والحصار, بل تنتظر ببساطة من يحررها ويفتح أبوابها، وبالرغم من قصر تلك الرسالة الحية إلا أن صلاح الدين قد عمل بها وحافظ على القدس, وها هي ذات الرسالة تنطلق من جديد صادقة قصيرة تختصر آلاف الكتب والقصائد ومئات المبادرات والقرارات وتتجاوز في صياغتها أدق الاتفاقيات, وببساطة أيضا إذا استطاع أهل فلسطين أن يبعثوا تلك الرسالة بدمائهم وصبرهم فان الأمة لا شك تستطيع أن ترد عليها فأمة هكذا أسراها لن تنتظر طويلا حتى ترد على الرسالة ولن تعدم رجالا كصلاح الدين.
وفي زمان تبحث فيه قيادات وأنظمة عن الشرعية أمام شعوبها، وتًصدُر بحق حكام مذكرات اعتقال أممية، قد تحمل تلك الرسالة عقد الشرعية بين الأمة وبين من يلبي النداء ويرتفع لمستوى تطلعات أمته وآمال شعوبها ويجدد مجدها ويحرر مقدساتها فينال شرعيته ويستحق أن يقال له كما قال أهل عكا لصلاح الدين : يا مولانا.

د.مصعب ابو عرقوب

الأربعاء، 4 مارس 2009

كلنتون وعصفورين بحجر


كلينتون وعصفورين بحجر
د.مصعب ابو عرقوب
وعدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون " بأن تقوم الولايات المتحدة بجهود دبلوماسية مستمرة بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار في الضفة الغربية وغزة وتوفير الأمن والسلام التي تسعى إليهما إسرائيل'' كان ذلك بعد عودة جورج ميتشل من أول مهمة استطلاعية له إلى المنطقة اطمأن فيها على أمن دولة قامت على وعد من بريطانيا فليس غريبا أن تقوم دولة بجانب تلك الدولة على أساس وعد أخر ولكن الوعد هذه المرة من الولايات المتحدة، إلا أن الغريب هذه المرة وصف الدولة الموعودة بالمستقلة والقابلة للاستمرار.
في مقالة بعنوان سقوط حل الدولتين كتب باتريك سيل"إنه لأمر مفروغ منه الآن أن حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبر قيام دولتَين أصبح ضرباً من الخيال. فالمشروع - هذا إذا كان مشروعاً حقيقياً - ميت تماماً .. حتّى الآن، هناك مساحة أربعين بالمائة من الضفّة الغربية تقوم عليها المستوطنات الإسرائيلية والمناطق العسكرية المقفلة والمحميّات الطبيعية والطرقات المخصصة للإسرائيليين فقط والجدار الفاصل المشيّد في عمق الأراضي الفلسطينية. أما الجزء المتبقي من الضفة فمُقسم بإقامة مئات الحواجز. وقد أصبحت القدس الشرقية العربية، أي قلب فلسطين العربية، مفصولةً بشكل كامل تقريباً عمّا تبقى من الضفّة الغربية بحلقة من المستوطنات اليهودية" هكذا يصف الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الواقع الذي يعيشه أهل فلسطين يوميا أمام الحواجز التي يقف عندها الجميع منتظرا إيماءة بالمرور من أصغر رتبة في جيش الاحتلال, يعيشون تحت سماء تصول وتجول فيها طائرات لا أظنها لأهل فلسطين المحاصرين ببحر تمخر عبابه سفن ليست لهم فهم في العراء لا يملكون شيئا فالأموال لإعادة الإعمار تنتظر إذنا من الرباعية لصرفها أو مؤتمرا ليحدد شروط دفعها وطريقة توزيعها حتى الرواتب تخضع لشروط سياسية وإملاءات أقل ما يقال أنها سيادية، فنوع الحكومة ومدى تقيدها بالاتفاقيات المبرمة يحدد مصير الراتب أو العكس ,وعلى هكذا أرض وتحت هكذا سماء وعلى شواطئ هكذا بحر وفي ظل هكذا اقتصاد لا وجود لاستقلال دولة . إلا أن هيلاري كلينتون تعد بدولة مستقلة وقابلة للاستمرار بمنطق تتضح معالمه من تصريح أخر تبع هذا الوعد حيث قالت سيدة الدبلوماسية الأمريكية في جولتها الأسيوية و أثناء لقائها بطلاب جامعة طوكيو " أن واشنطن تسعى لتجنيد المسلمين في العالم كله للتصدي للمتطرفين", .قد تكون هذه هي الضمانة أو الثمن لاستمرارية الدولة أو حتى بعض الدول ,
فقد جرت الأعراف الدولية على تسمية المجندين لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل بالمرتزقة الذين يتقاضون أجرا على خدماتهم أو دولا وممالك على مقاسهم , وهكذا قد تتصور كلينتون بعبقريتها أنها اصطادت عصفورين بحجر
نجحت في تجنيد نخب حاكمة لحربها و أعطت وعدا بإقامة دولة قد تنفس بعضا من الاحتقان في المنطقة.
بيد ان هذا التصور يبقى خياليا ومضطربا بكل المقاييس فالاعتماد على المرتزقة بلا فائدة وخطير كما يصف ميكافلي في كتابه الشهير الأمير معللا ذلك بقوله "وسبب ذلك أنهم لا يجدون دافعا يدفعهم للبقاء في الميدان سوى الأجور الزهيدة التي لا تجعلهم على استعداد للموت من أجلك, فهم مستعدون أن يكونوا جنودك طالما أنك لن تقوم بحرب, ولكن عندما تبدأ الحرب, فإما أن يفروا أو يرحلوا معا" , وفي عالم بدأت تتهاوى فيه فكرة الدول الإقليمية الضيقة وترسخ في الأذهان عدم فعاليتها وقدرتها على تحقيق آمال شعوبها أو صون كرامتهم أو استعادة حقوقهم فلا جورجيا استعادت أوستيا الجنوبية بارتمائها في أحضان أمريكا ولم تنعم باكستان بالأمن بتحالفها مع واشنطن وتكابد الدول الإفريقية الفقر والجوع وإن استضافت القواعد العسكرية والشركات العابرة للقارات و لم تتحقق نبوءة هونغ كونغ الشرق الأوسط ولم تستطع الممالك الشقيقة إيقاف الرصاص المصبوب على رؤوس إخوانهم في غزة, أمام هذه الحقائق فقدت الأمة التي تريد كلينتون تجنيدها، الثقة بهذه الدول العاجزة وانفصلت في مظاهرات مليونية عن أخر ما يربطها بتلك النخب الحاكمة وأنظمتها وقد تكون التحولات الجذرية قد بدأت في المياه العميقة لتطفو قريبا على السطح حينها قد نشهد فرار البعض أو رحيلهم كما قرر ميكافيلي.
قد يكون أمام السيدة كلينتون المعروفة بإيمانها بالدبلوماسية الشعبية في زيارتها الأخيرة للمنطقة فرصة أن تتيقن أننا لسنا بالعصافير وفلسطين ليست يتيمة , وأمة لها حضارتها وتهيم شوقا للصلاة في قدسها قد سئمت ممالك تقسمها وتمنعها من تحقيق أمالها في التحرر والعيش في ظل دولة واحدة لها الأرض والبحر ويرضى عنها ساكن السماء.

د.مصعب ابو عرقوب

الأربعاء، 28 يناير 2009

اوباما والمعجزة


اوباما ...والمعجزة

د. مصعب ابوعرقوب


في زيارته الاخيرة للقدس وقبل توليه منصب الرئاسة وصف اوباما اسرائيل بأنها " معجزة تكشفت" منذ اعلان قيامها قبل 60 عاما.
قد يفهم هذا الوصف في سياقه اذا كانت المعجزة في فهم اوباما خرق للمنطق وكسر للقواعد العسكرية و محو للحقائق التاريخية, فنظرة سريعة على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة تظهر اسرائيل دولة صغيرة محاطة بالاعداء احاطة السوار بالمعصم وبشعوب ترحل عيونها كل يوم الى القدس وتغلي غضبا لغزة ولكل قطرة دم تسفكها قنابلها الفسفورية ,دولة استطاعت منظمات شبه عسكرية اخلاء معظم سكانها في الشمال والجنوب تصمد لاكثر من ستين سنة شئ غير منطقي ولا يمكن تفسيره ظاهريا الا ...بالمعجزة.
بعد حرب تموز " نشر جيفري غولدبيرغ مقالاً بمناسبة مرور ستين عاماً طرح فيه على نفسه وعلى اسرائيل أسئلة كبيرة. ومن هذه الأسئلة:"هل تستطيع إسرائيل البقاء لستين عاماً أخرى في هذا الجزء من العالم الذي تنهض فيه كل أشكال المقاومة ضدها؟ وكيف يمكن لإسرائيل تحقيق الازدهار إذا كان جيشها لم يستطع هزيمة مجموعات صغيرة من المقاتلين الذين يطلقون الصواريخ؟ "و تبدو لا منطقية هذه الدولة واستثنائية وجودها في تصريحات ساستها و إصرارهم المستميت على الاعتراف بهم ، وهو ما لا تفعله الدول الطبيعية في محاولة منهم للرد على الطعونات المتعلقة بشرعية نشأة "إسرائيل" وأحقيتها بالبقاء. كما تظهر عجائبية تلك الدولة في تأكيد قادتها دوما على أن القدس عاصمتهم الأبدية وهو ما لا تفعله اي دولة طبيعية فلو قام رئيس وزراء اليابان يوما بالتأكيد على ان طوكيو عاصمة لليابان فسيكون مثار سخرية وتندر , ويضاف الى ذلك صراخ قادتهم امام العالم وقولهم بوجود من يهدد دولتهم بالإزالة ,وأي دولة طبيعية في العالم تفكر بهذا المنطق ؟فلم تدعي كوبا مثلا أن أمريكا تريد إزالتها من الوجود بل ولم يخطر في بالها هذا مطلقا. و إصرار "اسرائيل " على ضرورة دعم الغرب لها لاستمرار وجودها يعطي الحق لاوباما لوصفها بالمعجزة ,فكيف له ان يفسر نشوء دولة على اساس وعد من دولة اخرى لا تملك الارض وكيف يفسر خاتمة حرب 73التي اجتاز فيها الجيش المصري قناة السويس واقتحم خط بارليف وانتهت بمعاهدة كامب ديفيد التي حفظت امن تلك الدولة من جهة مصر حفظا كاملا تاما..اليست معجزة؟ كيف لباراك حسين اوباما ان يتصور نهاية حرب 73 في سوريا التي سيطر جيشها في بداية الحرب على منخفضات طبرية وما حولها وكانت خاتمة ذلك اتفاقية الجولانوالتي حفظت امن "اسرائيل" في الجولان على الرغم من انها لا زالت تحتلها حفظا امنا مطمئنا ...اليست معجزة؟ وعلى ارض معركة الكرامة وقعت معاهدة وادي عربة وحفظت حدود "اسرائيل" من جهة الاردن وتوالت المعجزات فبعد حرب لبنان2006 والتي دكت فيها صواريخ المقاومة ما بعد حيفا كانت خاتمتها القرار1707 الذي حفظ امن الدولة "المعجزة" في جنوب لبنان لدرجة ان جبهة الشمال بقيت باردة رغم المجازر في غزة. وها نحن امام المواقف البطولية لاهل غزة تنتهي باتفاق امني بين اسرائيل و امريكا يحفظ امن اسرائيل في اعالي البحار ومنخفضاتها ثم يتبعه مؤتمر شرم الشيخ العربي الاوربي التركي ليصوغ نتائج امنية تدعم الدولة العبرية ,وتفرض حصارا تسليحيا على غزة ادهى وامر من الحصار السابق..وبعد ذلك الا يحق لاوباما ان يصف اسرائيل بالمعجزة؟؟؟ الا يحق له ان يتصور ان "حل قضية الشرق الاوسط "ممكن فقد تجري على يديه بعض من تلك المعجزات لتحفظ امن اسرائيل وتطيل في عمرها .
ويبقى امام الرئيس اوباما ان هو اراد "السعي للمضي قدما مع العالم الاسلامي على اساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل" كما ذكر في خطاب التنصيب يبقى امامه معرفة ان امة من طنجة الى جاكارتا لا تؤمن بكل تلك المعجزات وتؤمن بمعجزة واحدة خالدة تلتف حولها و تسعى لتجسيدها في دولة واحدة لتلقف ما صنعوا من "معجزات", فالايام دول ولكل زمان دولة ورجال ويبدو ان كل من هب ودب قد استنفذ زمانه واقام دويلته ,وقد ان الاوان لهذه الامة ان تقول كلمتها وتملك زمام امرها وتوحد صفوفها فالتاريخ والواقع يثبت ان ذلك ليس بمعجزة لامة سطرت عبر تاريخها اروع الملاحم والفتوحات وبمقياس اوباما فقد صنعت اروع ما شهده البشر من معجزات.

الجمعة، 9 يناير 2009

لبيك غزة


لبيك غزة
د.مصعب ابو عرقوب

لم تتعرض غزة لحادث سير مروع أو لزلزال أرضي حتى يكون رد الأنظمة ومن دار في فلكهم إرسال المساعدات الإنسانية والأدوية وفتح المعابر للجرحى فقط..! غزة لمن لا يرى تتعرض لمذبحة وحشية تقطع فيها أوصال الأطفال والنساء في بث مباشر تقشعر له الأبدان,و تقف وحيدة أمام جيش يلهو في سمائها بلا رادع,وفي حالة كهذه فان الرد الطبيعي هو أن تتحرك الجيوش وتنفض عنها هذا الذل وتحرر فلسطين وتنهي هذا الكيان الأكذوبة وتجتثه من جذوره استجابة لأمر الله وثأرا لأطفال غزة .
قد يرى البعض أن هذا الرد خيالي وليس بعملي ويروج لهذه الرؤية فريق يطالب بأقل القليل لنصرة غزة وأهلها جاهلين او متجاهلين للحقائق التاريخية والشرعية .
فتاريخيا هل اكتفت أوروبا والولايات المتحدة بإرسال المعونات الإنسانية لفرنسا عند احتلال ألمانيا لها ؟ أم قامت بالإنزال الشهير لقواتها على ساحل نورماندي وبذلك تحررت فرنسا ساركوزي.!!
ألم يسمعوا عن حصار ستالينغراد ؟ هل اصطف الروس في طوابير للتبرع بالدماء والغذاء واكتفوا بذلك؟ ألم يقيموا سكة للقطار على نهر الفولغا المتجمد وسيروا جحافل جيوشهم على أنهر وبحيرات متجمدة ليفكوا الحصار ويحرروا الديار!! هل توسل الفيتناميون لمجلس الأمن أن ينهي احتلال أرضهم؟ أم حرقوا الأرض تحت أقدام الأمريكان!!
هل هذه حقائق أم خيال ؟؟ لماذا عندما يكون الأمر متعلق بالمسلمين فان التحرك الطبيعي يصبح خياليا وغير منطقي؟؟ في حين أن تاريخنا زاخر بأروع الأمثلة في التحرك وصد كل من تسول له نفسه الاعتداء على حمى المسلمين وحرماتهم, بدءا بنبينا محمد ومرورا بالفاتحين والمحررين وليس انتهاء بصلاح الدين وغيرهم من الأبطال. وإذا كان الدافع لتلك الشعوب وطنيتها أو حبها لأرضها أو مصالحها ورغبتها في العيش بسلام فان الأمة الإسلامية تدفعها العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية التي توجب عليهم نصرة المظلوم كوجوب صلاتهم وزكاتهم بل وتضمن تلك العقيدة لهم إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة فلماذا يطالب البعض بأقل القليل ما دامت الحقائق التاريخية والشرعية تشير إلى أن الأمم لم تتحرر بالاستجداء من مجلس الأمن أو بالتعاطف وإرسال الأغذية، وتكشف تلك الحقائق وجوب نصرة المسلمين لإخوانهم وأن الأمة الإسلامية حاضرة دائما لتسطر تاريخا من المجد والعزة, ألم تسطر حطين وعين جالوت وتموز, فلماذا نمنعها من تسطير صفحة أخرى ونطالبها بأقل القليل؟؟
فالأصل على ضوء تلك الحقائق أن يكون اقل القليل تحرير فلسطين وإنهاء هذا الكيان مرة واحدة وإلى الأبد, فالأمة أمامها الكثير بعد ذلك لتأخذ دورها في العالم كخير أمة أخرجت للناس حاملة رسالة الإسلام للبشرية لتنعم في ظل أحكام الإسلام وتخلص الإنسانية من ظلم الرأسمالية الجشعة.
لتنزل الأمة إلى الشوارع لا لتنفيس الغضب والمطالبة بإرسال المساعدات والبكاء بل لمحاصرة قصور الحكام والمرابطة أمامها حتى يحركوا الجيوش أو تتحرك الجيوش فتخلعهم ألم يرابط شعب أوكرانيا أسابيعا في الشوارع والثلج والسقيع يلفح وجوههم حتى نالوا مرادهم؟؟ , فإذا كان أهل غزة يتلقون القنابل والصواريخ ولا تجد منهم إلا ما يرضي الله فان الشعوب تستطيع أن تتلقى الهراوات والغاز المدمع والرصاص لأيام, وإذا كان أهل غزة فقدوا المئات فان الأمة يجب أن تكون مستعدة لدفع ثمن عزتها وتحررها فالموت في غرق عبارة أو في انهيار بيت أو في حريق قطار أو تحت أقدام المهرولين لاستلام الخبز ليس بأفضل من الموت أمام قصور الحكام طاعة لله حتى لا تطالنا دعوات أهل غزة على المقصرين في نجدتهم, أما الجيوش فلا يجب أن تنتظر أحدا فالحدود تفتح بأيديهم فإخوانهم في غزة كتيبة محاصرة وعدوهم جبان يقصف من السماء يرتعد على الأرض, فالطائرات والصواريخ والمدافع إن لم تستعمل الآن فمتى تستعمل؟؟ فنصرة غزة نصرة للإسلام في نفوس الأمة ,هكذا تنصر غزة فهي حمى الإسلام وحمى الإسلام يدافع عنها بالجماجم ولا غير الجماجم فلبيك غزة.. الم يقل الشاعر:
لبيك أسلام البطولة كلنا نفدي الحمى لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما؟؟؟ د.مصعب ابوعرقوب