القدس في ليلة القدر |
|
القدس في ليلة القدر |
|
ثبوت الرؤية السياسية
د.مصعب أبو عرقوب
بدء رمضان بثبوت الرؤية الشرعية لهلاله وارتبط المسلمون حول العالم بحركة الكون وسير الكواكب ليغيروا سلوكهم اليومي تغييرا انقلابيا وبدون مقدمات أو تدرج فلا أكل ولا شرب, وإقلاع مفاجئ عن التدخين وضبط دقيق لإيقاع الحياة ، فالامتناع عن الأكل قانون صارم إلى أن تشق المآذن الصمت معلنة موعد الإفطار.
فتصوم امة كاملة، تصلي التراويح وتتبادل التهاني تجتمع في المساجد وتزور الأرحام وترتل القران في انسجام بديع بين الكون و الأمة امتثالا لأمر الله بالصيام وتحديد بدئه بقول الرسول الكريم" صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته".
و في انصياع تام للرؤية الشرعية تتوحد الأمة الإسلامية في أدق تفاصيل الحياة اليومية وتنتظم في تأدية فريضة واحدة غير حافلة بحدود مصطنعة أو حسابات إقليمية ضيقة الأفق أو فصائلية مخجلة، فصامت رام الله وغزة ولم يؤجل رمضان لما بعد حوار القاهرة أو إطلاق سراح المعتقلين من الطرفين كما لم يلغى الصيام بحجة ضعف مناعة الأجسام أمام انفلونزا الخنازير أو خوفا من انخفاض الإنتاجية في ظل الأزمة الاقتصادية. وتصوم الأمة رغم الحصار في غزة والتفجيرات وانعدام الأمن في بغداد ولم تفطر تحت القصف في أفغانستان والصومال أو الاقتتال في صعدة.
لم تستطع كل تلك الحسابات منع امة من الانصهار في بوتقة واحدة والعيش في منظومة سلوكية انعدم نظيرها في ظل عالم مادي بعيد كل البعد عن القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية.وبالرغم من كل الحملات التي تشن على وحدة الأمة وثقافتها وحضارتها إلى أن الحدث الرمضاني في عالميته يشكل برهانا على أن المعركة لم تنتهي بعد وان الأمة وان هزمت ماديا فإنها لم تهزم فكريا ولم تنل الهجمات الدعائية والإعلامية من القناعات المتجذرة في عقول أبنائها.
فالإسلام كمنهج حياة لا يقتصر في توحيد الأمة على الرؤية الشرعية لهلال رمضان بل يمتلك رؤية شاملة للحياة ورؤية سياسية لحل القضايا المصيرية للأمة يصعب إقناع المسلمين بغيرها وان حاول البعض تضليلهم وإخضاعها لبعض الحسابات الإقليمية أو المصلحية ,فالقضية الفلسطينية لم تراوح مكانها عقودا لقلة المبادرات
أو التمويل أو المؤتمرات أو الخرائط وستبقى تراوح مكانها لان أهل البلاد لم تثبت عندهم الرؤية الشرعية في تلك الحلول ويستحيل إقناعهم بغيرها لحل قضيتهم ,فلا يمكن أن تختزل قضية فلسطين بإزالة حاجز هنا أو مستوطنة هناك فارض الإسراء والمعراج تشهد لصلاح الدين تقيده بالرؤية الشرعية للحل رؤية ثابتة في عقول الأمة وصدور أهل فلسطين ثبوت الهلال في رمضان لا تتغير وان افطر المقدسيون في الشوارع أمام بيوتهم التي اخرجوا منها وتسحروا على نشرات أخبار لا تذكرهم ولن تتغير وان مات أطفال غزة تحت الحصار والقصف.
رؤية شرعية للسياسة تنقذ الأمة وتصون أرواح شبابها فلا تسمح بإقامة إمارة في سجن صغير يفتقر لأبسط مقومات الدولة ولا تبيح قتل المسلمين في المساجد في صراع على سيادة منقوصة بل على سيادة لا وجود لها،رحيمة بآلاف المشردين من بيوتهم من اجل عيون الاستعمار في باكستان، رؤية واضحة لا تحتاج لمحكمة القاهرة التي تجرم من مد يد العون للأهل في غزة ,عادلة في من قدم العراق وأفغانستان لقمة سائغة للغرب وجيوشه البربرية ...رؤية تزيل الغموض والتناقض عن تعريف الإرهابي في الصومال وغيرها من بلاد المسلمين هي كذلك لأنها مستمدة من المنظومة الفكرية الراسخة في أعماق الصائمين منبثقة من الشرع الذي لا تختلف عليه الأمة .
صامت الأمة ولم تخضع صيامها لأي حسابات ولعل هلالا آخر يتولد الآن يجمع المسلمين في دولة واحدة فتثبت الرؤية السياسية عند الأمة لتغير سلوكها الحضاري تغييرا انقلابيا شاملا يخرجها من حالة التبعية للغرب والإدمان على الذل و المذابح والاحتلال ونهب الثروات إلى الصيام عن المهانة والإمساك عن الخضوع لتفطر في أوطان ومقدسات محررة على ثروات مستردة وتنطلق للبشرية حاملة نظام عدل ورسالة نور تنقذها من جمود المادية إلى رحمة الإسلام ودفئه... لتنتظم الأرض من جديد في عقد الكون... محكومة بقانون السماء.
.
د.مصعب ابو عرقوب