السبت، 30 أغسطس 2008

جورجيا بين مخالب الدب وعنجهية الصياد


جورجيا بين مخالب الدب وعنجهية الصياد

د. مصعب محمد أبو عرقوب



يحكى أن القدماء اصطادوا الدب بنصب مصيدة له حتى يقع فيها فيجهز عليه الصياد,فان فشلت هذه الطريقة يضطر الصياد لإطلاق كلابه تنهش الدب وتدميه في معركة شرسة قد يفقد فيها الصياد بعض كلابه منتظرا حتى تخير قوى الدب ليقترب منه ويسدد له الطعنة القاتلة , وقد فشلت "مصيدة الدب في أفغانستان " في الإجهاز على روسيا والتخلص منها نهائيا كدولة مستقلة السيادة وكقوة عسكرية عظمى يحسب لها ألف حساب, بل انها عادت تبحث عن دور لها في الساحة الدولية مصحوبة بناستالجيا لماضي الاتحاد السوفيتي التليد. فكان لا بد للصياد الأمريكي بعد فشل المصيدة من استخدام الأسلوب الثاني ,وهنا تقدم الرئيس الجو رجي أحد أبطال الثورات الملونة والمتعجل للانضمام لحلف الناتو واستعادة اقليمي اوستيا الجنوبية وابخازيا وانطلق ليهاجم روسيا في مغامرة خاسرة بمصير شعب متكئا على وعود الصياد فوقف والمعركة دائرة متسائلا في مقالة له في" الواشنطن بوست":" اذا لم يكن الغرب معنا الآن فمع من يكون؟ واذا لم يتم توضيح الخطوط الآن, فمتى سيتم ذلك؟"فلم يجد إجابة عملية لاستغاثته , فالصياد منشغل بطرا ئد أخرى واقتصرت نجدته على إطلاق بعض "حلفائه" في وجه الدب الهائج فتدخلت أوكرانيا مهددة بمنع سفن أسطول البحر الأسود الروسي المشاركة في النزاع مع جورجيا من العودة إلى مرفأها في سيباستوبل جنوب القرم, واندفعت بولندا لتوقع معاهدة الدرع الصاروخي مع الولايات المتحدة الأمريكية علها تطوق الدب وتخيفه.

وبما" ان الحرب هي سياسة بوسائل أخرى " كما قال كارل فون كلاوزفتش فان رغبة جورجيا بالانضمام إلى صفوف حلف الناتو- الذي يضمن في اللحظة التي يتعرض فيها عضو في الحلف للهجوم فان جميع الأعضاء يهرعون لنجدته- هي رغبة بمثابة حلم وردي من ناحية جورجيا أما من ناحية بقية أعضاء الحلف فانضمام جورجيا إلى صفوفه- خصوصا بعد هذه المعركة- من شأنه أن يكون كابوسا" , فسقط حلم الانضمام للناتو مع اول قذيفة روسية وابتعدت اوستيا الجنوبية وابخازيا عن جورجيا بعد اعتراف الكرملين بهما كجمهوريتين منفصلتين على غرار استقلال كوسوفو كما يبرر الروس!

ولا يعول على "حلفاء" الصياد في نجدة جورجيا فاوكرانيا وان عاشت ثورة برتقالية سبقت وردية ساكشفيلي فإنها سلافية العرق , تربطها بروسيا روابط اقتصادية وثقافية قوية واعتمادها الكلي على الغاز الروسي يبقيها في خوف من شتاء بارد إن هي أغضبت جارتها الكبيرة.,اما بولندا فهي اصغر من ان تهدد دبا ويبدو انها لم تتعلم شيئا من الحرب العالمية الثانية ففي ليلة واحدة من ليالي تلك الحرب الطويلة احتلت بولندا وقسمت بين النازيين والسوفييت.

وهكذا علقت جورجيا بين عنجهية الصياد وعدم اكتراثه بـ"حلفائه"ومخالب الدب الذي سئم استهانة الصغار به وضاق ذرعا بالعابثين بفناء بيته....إلا أن الصياد لم يخسر شيئا فهو يستنكر ويأسف ويهدد ويقف بعيدا عن المعركة التي ستستنزف طاقات الدب الروسي وتشغله مدة طويلة عن تطوير ذاته واستعادة هيبته ونفوذه, وكما في عالم الإدارة فالأزمة في عالم السياسة تعني الفرصة والخطر فان روسيا ميدفيديف-بوتين تحاول أن تجعل من هذه الأزمة فرصة لإبراز قدرة الاتحاد الروسي على المحافظة على وحدته وسيادته ووضع حد للطامعين في ثرواته ,وهو أقصى ما يمكن ان تتمناه روسيا اليوم من هذه الأزمة فهي غير مرشحة للعب دور عالمي مهم لان ذلك يقتضي حمل رسالة للعالم وهو الأمر الذي تخلت عنه روسيا بتخليها عن المبدأ الاشتراكي الذي حمل لواء تحرير الشعوب من الامبريالية والبرجوازية,فبات خطر اندلاع حرب باردة جديدة مستبعد لغياب حرب الأفكار بين الرأسمالية والاشتراكية كأحد أهم معالم تلك الحرب.,و بقي الصياد متفردا بالعالم حاملا لواء " الديمقراطية ونشر الحرية " كقناع لطغيانه وأطماعه التي لا حدود لها في ظل غياب دولة مبدأيه ذات رسالة إنسانية تخلص البشرية من شرور الصياد وأنانيتها ولعل المرشح الوحيد لحمل هذه الرسالة للعالم هي الأمة الإسلامية لما تملك من ثروة فكرية ومادية و مبدأ إنساني يضمن العدل والرحمة للبشرية, ففي عالم تسوده شريعة الغاب وتلعب فيه الدولة الأولى دور الصياد تسقط فيه نظريات الدول الإقليمية الضيقة وتتهاوى فيه مصالح الشعوب الصغيرة , لا بد لامتنا من تفعيل مشروعها الحضاري وتوحيد شعوبها تحت قيادة مبدأيه واحدة حتى لا تبقى دولنا سهما او طلقة في جعبة صياد أو تقع فريسة تحت مخالب دب.