الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

كلينتون والأسد ...والمولود الجديد


كلينتون والأسد ...والمولود الجديد
د.مصعب أبو عرقوب
"إنتهت الروم منهزمة إلى هرقل وهو بحمص والمسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون ويغنمون ،فلما وصل الخبر إلى هرقل ارتحل من حمص، وجعلها بينه وبين المسلمين وترس بها ،وقال هرقل: أما الشام فلا شام، وويل للروم من المولود المشئوم" ،..كتب ابن كثير ذلك في كتابه البداية والنهاية يصف معركة اليرموك التي مهدت الطريق أمام الفتوحات الاسلامية في بلاد الشام ووضعت حدا فاصلا في تاريخ العلاقة بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم.

وقد التقط هرقل بحنكته السياسية تلك الإشارات التي دللت على انبعاث أمة جديدة بفكر جديد سيجتاح العالم ،وسيقتلع  الامبراطورية الرومانية من كل مناطق نفوذها ، فودع دمشق "وداعاً لا لقاء بعده"، ولم يخفي "كقائد  تاريخي " خشيته المبررة من وصول رجال تلك الدولة الجديدة إلى عمق الإمبراطورية الرومانية، ليشكلوا تهديداً وجودياً على القوتين العظميين في ذلك الزمان ، فكانت "تصريحاته" تلك استشرافا لمستقبل تحقق أمام اعين الروم وغيرهم من الشعوب , ودللت عباراته تلك على دقة فهمه لطبيعة الامم  وحجم التغيير الذي اجتاح عقول تلك الامة الوليدة.
دقة في الفهم وإدراك لحجم التغيير... افتقرت له تصريحات وزيرة خارجية الولايات المتحدة وهي تنصب نفسها وصية على شعوب ثائرة، فتعطي الشرعية لفئة وتنزع الشرعية عن اخرى وتتهم اخرين بالتطرف وتعلن عن أسماء ترتضيها لتمثل الشعوب الثائرة وتقود زمام الثورة وتنصبهم قادة لمرحلة ما بعد الثورة ، في استخفاف واضح لشعوب الأمة الإسلامية العريقة ، وفي افتقار كبير لفهم مدى التغيير الذي يجتاح الأمة .
فالأمة قد تجاوزت منطق الدفاع عن قيمها وعن "سلمية ثورتها " وعن رقي وعدالة شريعتها ،ولم يعد شبابها في ميادين التحرير  بحاجة إلى التبرؤ من "الإرهاب" أو شرح معنى التطرف ومحاولة اقناع الغرب بأننا لسنا إرهابيين أو متطرفين ، فهذه الخدعة الطفولية لم تعد تنطلي على الثوار الذين خبروا على الأرض عدوهم الحقيقي، وذاقوا طعم الإرهاب والتطرف والوحشية والاستعمار على يد الغرب ووكلائهم في بلادنا، فقد لامست أجسادهم شظايا القنابل الامريكية وقذائف الطائرات الروسية ولم تسلم بيوتهم من الصواريخ الصينية، فلم يعد يعبأ من تحت النار والقصف والقتل بآراء وتصورات الغرب والشرق في شكل المستقبل الذي تريده الأمة، وتسعى لصياغته،فالعدو ليس شريكا ولا تقبل منه نصيحة.
نصيحة..كتلك التي تقدمها الولايات المتحدة للثوار و "للمعارضة"  في سوريا على لسان وزيرة خارجيتها "التي أعربت عن قلقها حيال تمدد القوى الإسلامية المتشددة في سوريا منتقدة المعارضة التي قالت إنها لم تقم بما يكفي من أجل وقف ذلك " ،لن تلاقي تلك النصيحة  أي اهتمام من الشعوب الثائرة، ولن ينبري الثوار لتبرير مواقفهم وبعدهم عن "الإرهاب"،  كما لن يجهد اهل الثورة انفسهم في شرح معنى الارهاب والتطرف كما جرت العادة عند المهزومين من الداخل، فالثورة قد تخطت تلك الحقبة التاريخية ، وخرجت الشعوب لتعلن " الشعب يريد إسقاط النظام"، فقد آن لكلينتون ودولتها أن تدرك أن الشعب يسقط الأنظمة ,وأن الشعوب هي التي  تعطي الشرعية، وأن شرعية الأنظمة لم تعد تستمد من المستعمرين الطامعين في بلادنا بعد الآن، وأن الأمة تريد أن تعيش وفق منظومة قيمها الحضارية العريقة، ولا تريد أن تعيش وفق أنظمة ثارت عليها واكتوت بنار ذلها وتبعيتها للمستعمر ،فهي لا تريد العيش مجددا على مقاس أطروحات الديمقراطية والعلمانية.
فالأمة باتت تدرك أن علمانية الدولة وطريقة العيش الغربية تبعدها عن مصادر قوتها وقيمها وحضارتها واستقلال قرارها وسيادتها على ثرواتها، فالعلمانية تقرب الأمة من الغرب وطريقة عيشهم وتفكيرهم وتقيد وحدة الامة وتطلعاتها وتضمن تسلط مافيا الانظمة الحاكمة وارتهان قرارها للغرب المستعمر الذي يدعم العلمانية كنظام حكم يؤمن مصالحه في بلادنا ...هنا التقط الأسد اللحظة التاريخية ليستدر عطف الغرب ويحذر من نفس الخطر فالتقى في تحذيراته مع كلينتون على أرضية واحدة، وهي أساس المعركة وجوهرها.
فجوهر المعركة هو الصراع بين طريقتين مختلفتين في العيش فالنظام السوري يعتبر نفسه "المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة" ويعتبر أن العالم من هذا المنطلق غير قادر على تحمل "تكلفة غزوه" للنظام السوري، فالتضحية بالمعقل الأخير للعلمانية وبحسب الأسد " سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، ولذلك فان الأسد والى الآن مطمئن:  " لا أعتقد أن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكن إذا فعلوا ذلك، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث بعده." ، لكن الغرب لن يضحي به قبل أن يصنع البديل ان استطاع .
بديل يسعى الغرب لتشكيله على عجل قبل أن يسقط المعقل الأخير للعلمانية التي تضمن مصالح الغرب في بلادنا وتكرس تبعية الأنظمة والحكام للغرب وترمم نفوذ المستعمرين وتسلطهم على ثروات بلادنا ، وتقف سدا أمام انبعاث الأمة الإسلامية من جديد ، لكنه بديل يصنع بإرتجالية متسرعة في أروقة الفنادق بعيدا عن نبض الأمة وميادين التحرير ويفتقر ثانية إلى دقة الفهم وإدراك حجم التغيير الذي اجتاح الأمة الاسلامية ،بديل لم يلتقط صانعوه الإشارات التي تستشرف المستقبل او أنهم يحاولون معاندة حركتها فجاء مولود الدوحة سقطا لا حياة فيه ،فالأمة خرجت للميادين وأدرك ثوارها وشبابها معنى القوة الحقيقية التي يستمدوها من قيمهم وعقيدتهم وصدق انتمائهم لأمة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ.
تاريخ عريق ..انتشر عبقه في ميادين التحرير وأزقة حمص وحواري دمشق العتيقة ، فعادت أسماء الصحابة ورايات الإسلام وألوية  الجيوش ومصطلحات العزة والوحدة والتحرير تقود شباب الأمة من جديد، وعادت مؤتة و اليرموك وحطين وعين جالوت وغيرها من أيام العزة لتفرض رؤية متصلة بالواقع والثورة، وارتسمت على أرض الشام صورة مكررة لوقوف أمة بقليل عدة وعتاد أمام أعظم قوة وأعظم إمبراطورية في ذلك التاريخ، بهذا تنبض قلوب الثوار وبذلك العزم الذي اجتاح العالم يخطون أروع الملاحم ويبرقون للأمة أصدق الإشارات .
إشارات التقطها هرقل قبيل معركة اليرموك فنصح قومه قائلا " ويحكم إن هؤلاء أهل دين جديد، وإنهم لا قِبَلَ لأحدٍ بهم، فأطيعوني وصالحوهم بما تصالحونهم على نصف خراج الشام، ويبقى لكم جبال الروم، وإن أنتم أبيتم ذلك أخذوا منكم الشام، وضيقوا عليكم جبال الروم." ، " فنخروا من ذلك نخرة حمر الوحش كما هي عاداتهم في قلة المعرفة، والرأي بالحرب، والنصرة في الدين والدنيا." والكلام لابن كثير، فأصروا وعاندوا تلك الإشارات ..فكان الوداع الذي لا لقاء بعده ،وضاقت جبال الروم عليهم أمام تلك الأمة الحية .
أمة تنبض الآن على وقع معارك الشام ، بأفق يتعدى حدود سايس بيكو المصطنعة ويتجاوز الوطنيات الإقليمية الممزقة لجسد الأمة، لتدخل الأمة في حرب تشتعل في بقعة صغيرة من أرضها، لكنها تطال كل أبناء الأمة في باكستان والعراق وتركيا وأفغانستان ومصر الجزائر واندونيسيا والبنغال وماليزيا لتضعهم أمام حقيقة مفادها أن الحرب واحدة على أمة واحدة تريد اقامة خلافة تجمعهم وتذود عن حياضهم وتحرر ارضهم ومقدساتهم وتحمي إخوانهم في بورما ، فالمعركة في سوريا والحرب مع الأمة كلها، والإشارات لا تكذب.
اشارات عقائدية وميدانية تبشر العالم بمولود جديد ..خلافة موحدة للأمة الإسلامية ،تأخذ الشام وتضيق الجبال على الروم والفرس ،وتحمل الإسلام رسالة نور وهداية وعدل لعالم ضجر وكابد وحشية الرأسمالية وعلمانية النخب المتنفذة ..وإلى أن يسعد العالم بذلك المولود الجديد....يجب على الثورة أن تستمر.

15-11-2012

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

الحج في موسم الثورات


الحج في موسم الثورات


د.مصعب أبو عرقوب
"تواضعت ‏الجبال... لدعوة ‏الخليل ‏إبراهيم ‏عليه ‏السلام ‏حين ‏انتهى ‏من ‏بناء ‏البيت ‏العتيق ‏ونادى ‏الناس ‏لحج ‏بيت ‏الله ‏الحرام‏، حتى ‏بلغ ‏الصوت ‏أرجاء ‏الأرض فأسمع ‏نداؤه ‏من ‏في ‏الأصلاب ‏والأرحام ‏فأجابوا ‏النداء ‏‏"‏لبيك ‏اللهم ‏لبيك"، ليتقاطر الناس إلى مكة المكرمة من كل فج عميق في "استجابة الروح لله الذي نفخها من روحه فصار الإنسان إنسانا. وهو المعنى الذي يليق بالأناسي أن يتجمعوا عليه, وأن يتوافدوا كل عام إلى المكان المقدس الذي انبعث منه النداء للتجمع على هذا المعنى الكريم".

فالإسلام يجمع البشرية على عقيدة واحدة تحررها من كل عبودية لغير الله، وعقيدة التوحيد إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، وثورة عالمية على العبودية لغير الله، وتحرير للإنسان من كل عبودية لغيره من بني الإنسان، وتحريره من الخضوع للجهل والشعوذة وتسلط "رجال الدين- حسب تسمية أهل الديانات الأخرى"، وإغواء الشهوات، وكسر لكل قيود الهرطقات والتمتمات، وإطلاق لطاقات البشر ليسيحوا في الأرض إعمارا واكتشافا لقوانين الخالق ونواميسه في الكون.

فالثورة التي أعلنها الإسلام وجمع عليها البشرية، ثورة على كل أنظمة الحكم والدساتير التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، وعبودية الإنسان للإنسان، هدفها ابتداءً إزالة كل تلك الأنظمة والدساتير والعصابات الحاكمة، ليحكم البشر بنظام تكون قاعدته العبودية لله في ظل تطبيق شرعه، وبعد إزالة تلك المعيقات والقيود التي تكبل البشر وتقيدهم،،، يصبح البشر أحرارا بالفعل في اختيار عقائدهم بعيدا عن تأثير الرأسمالية ووحشية جيوشها وجشع شركاتها التي أغرقت الشعوب الفقيرة في عالم من العبودية.
عبودية.. جاء الإسلام بأفكاره ومشروعه الحضاري ليحررهم ويخرجهم منها إلى عدل أنظمته وروحانيتها، فَََنَظّمَ الإسلام العلاقات بين بني البشر على أساس بشريتهم، لا فضل لأعجمي على عربي إلا بالتقوى، الغني والفقير سواء أمام الأحكام الشرعية، الوزير والغفير سواسية أمام القضاء، الكل سواسية أمام الدستور، ولا اعتبار لعرق أو طائفة أو اعتقاد، فالكل أمام أحكام الشرع المطبقة في دولة الاسلام  "رعايا" يحملون التابعية بغض النظر عن دينهم أو عرقهم فالكل سواء.

سواسية لا فرق بينهم... وهو المعنى الذي يجسده الحج، فترتسم في مناسكه لوحة تليق بالبشرية، فالكل في الحج متحررون إلا من الخضوع لأنظمة دقيقة فرضها الخالق، وبينها رسول هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والتسليم، يجتمعون رغم كل  الفروقات في اللغة والعرق والمظهر ليشكلوا هوية راقية تبتعد عن وحول العنصرية والطائفية والمادية والمصلحة التي تعمي القلوب وتسحق الشعوب، هوية تتجاوز حدود الجغرافيا وتقسيمات سايكس بيكو ونفوذ الأجانب في بلادنا... هوية تعيد كل عام للأمة ذاكرتها... وتلهب في موسم الحج من جديد ثورتها، وتحدد معالم ربيعها المنشود.

فالربيع "العربي" أعاد مفهوم الأمة الإسلامية لموقع الصدارة الجدي.ر بها، فالربيع لم توقفه حدود سايس بيكو اللعينة، وتنقل بين بلدان الأمة الإسلامية لينظم شعوبها في ثورة تغييرية تناولت نفس الشعارات، وأطلقت ذات الآهات والأنات، وخرجت تلك الشعوب لتعبر عن ذات الألم والأمل في التحرير و الإنعتاق من هيمنة المستعمر وأتباعه، خرجت لتتنفس عبق المجد المسلوب والانتصارات الموروثة، خرجت تنشد عدل الفاروق وعزة هارون الرشيد في مراسلته لأعداء الأمة، خرجت باحثة عن صلاح الدين في ميادين التحرير، في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، خرجت تبحث عن مصدر قوتها وعزتها وانتصاراتها... خرجت لتعيد حضارتها إلى حيز الوجود... خرجت لتعيد أمجاد الأمة.

فالأمة الإسلامية وعبر عقود من التجزئة والتفكيك ومحاولات التذويب في سوائل الإقليمية والطائفية المائعة، عادت لتستشعر وحدتها وارتباط أعضائها ببعض، وكان الحج دوما يحمل تلك الرسالة ويجسدها لكل شعوب الأمة الإسلامية في مؤتمره السنوي الحاشد، ليؤكد على أنّ حالة التفكك والتشرذم التي تعيشها الأمة الإسلامية حالة غير طبيعية لأمة عريقة حكمت العالم ونشرت عدل مبدئها بين شعوب الأرض، فغياب دولة الخلافة الجامعة للأمة يعد استثناءً قبيحاً في تاريخها المليء بالانتصارات والتقدم والتربع على عرش الحضارات والأمم، والحج إذ يعيد لكل مسلم هذه المعاني السياسية الراقية... يصبح موسما للوخز بالإبر لكل من يحمل طرحا وطنيا إقليميا ضيقا لشعوب الأمة الإسلامية.

فلا يجد أصحاب الأطروحات الوطنية المفصلة على مقاس حدود سايكس بيكو الاستعمارية لهم مكانا في موسم الحج، ولا تجد دعوتهم في "إعادة تشكيل الهوية الوطنية للشعوب بعد الثورات" أي صدى لدى أمة بعثت كل قرية صغيرة نائية فيها ممثلا أو أكثر عنها إلى مؤتمر الحج الأعظم، ليعود ويقص بشوق وحرقة ما شاهده من اجتماع المسلمين من كل الأجناس والأعراق، ويعبر ببساطة شديدة عن ضرورة اتحاد هذه الأمة في كيان واحد يجمعها، فكل الحجيج تعود بالدعاء بالوحدة والتمكين للأمة، وتضع المفارقات والتناقضات في ميزان بسيط، لتخرج بنتيجة مفادها... أنّ الحل لمشاكل الأمة فقط يكمن في الوحدة ولم الشمل في دولة للمسلمين واحدة، يحكمون فيها بشرع الله .

وبذلك التصور الذي يجسده الحج كل عام تدخل الأمة في طور جديد من ثورتها، لتسقط كل الأطروحات الإقليمية والوطنية الضيقة التي ثارت عليها الأمة، والتي شكلت حاجزا منيعا لعقود أمام الأمة وأمام انبعاثها من جديد، فالأنظمة المهترئة وما خلع من قياداتها كانت دوما الحارس الأمين لمصالح المستعمرين وأطماعهم في بلادنا، وكانت حدود تلك الأنظمة هي السياج الذي يمنع الأمة من التوحد والوقوف أمام المستعمر، والقيود التي تمنع الأمة من التحرر وتفعيل مشروعها الحضاري المتمثل في إقامة دولة الخلافة.

فالمشروع الحضاري للأمة الإسلامية لا بد له من إزالة تلك الحدود الاستعمارية التي تقيد الأمة وشبابها وتنهب ثرواتهم وتمزق طاقاتهم، فلا نهضة لمصر بدون السودان، ولا أمن لسوريا بدون تركيا، ولا عزة للجزائر بدون المغرب، ولا غنى للحجاز عن اليمن، ولا تحرير لفلسطين بدون الأمة الإسلامية، ولا صون لحضارة المسلمين ومقدساتهم وأعراضهم إلا بوجود كيان واحد يجمعهم... في دولة الخلافة، وبذلك لا يبقى مكان لدعاة الوطنية والإقليمية الضيقة بين دعاة النهضة والتغيير والثورة على الاستعمار والتبعية.

والثورة على الاستعمار والسعي للتحرر نقيض التبعية والتقيد بما أفرزه الاستعمار وفصّله على مقاسه ومصالحه في بلادنا، ولا منطق يبرر التشبث بحدود رسمها المستعمر  إمعانا في تقسيم الأمة وتجزئتها... إلا رغبة فلول الأنظمة المهترئة في تكريس وجود الاستعمار وتثبيت أركانه في بلادنا، والإصرار المفضوح على التبعية والدونية أمام المستعمرين من قبل "المعتدلين"، ليكتمل المشهد بإعلان الفلول والمعتدلين الحرب على كل الثائرين في ميادين التحرير،  وتجريم كل من يتخطى بتفكيره ومشروعه تلك الحدود المصطنعة ليشير إلى مشروع الأمة الوحدوي المتمثل في إقامة دولة الخلافة، وبذلك دخل "أصحاب الطرح الوطني الإقليمي الضيق" ومن شايعهم من "الزعماء الجدد " في تناقض مكشوف مع  أبسط معاني الثورة.

فالثورة في أصدق تجلياتها لا تعني إلا التحرر من كل القيود القديمة التي كبلت الأمة ومنعت نهضتها وكرست تبعيتها وعبودية قادتها للغرب، فدعاة إعادة تشكيل الهويات الوطنية للشعوب الثائرة يطرحون تكبيل الأمة الثائرة من جديد بتلك الحدود "الوطنية" التي أنتجها المستعمر وحافظت عليها مافيا العصابات الحاكمة في عالمنا الإسلامي، وهو طرح يتوافق مع مصالح المستعمرين الذين باتوا يلمسون صحوة الأمة وشوقها لاستعادة وحدتها ومكانتها بين الأمم، ويتعارض ذلك الطرح مع ثوار الأمة وحجيجها... وكل ما تعتقده الأمة من معتقدات.

فالحج ركن الإسلام الخامس... في كل عام ينعقد ذلك المؤتمر المليوني في أطهر بقاع الأرض وفي أفضل الأزمنة، ليضم المسلمين بين جناحيه، يذكرهم... ويرفع من هممهم، ينظمهم في سلسلة حضارية تخترق العقول والقلوب ولا تقف أمامها الحدود والأسيجة، لتعلن لكل أولئك المضبوعين بالثقافة الغربية والوطنية الإقليمية... لتعلن لهم أنّ أمة الإسلام أمة واحدة من دون الأمم، وأنّ انتظامها في الحج فريضة،،، وانتظام عقدها في دولة واحدة... دولة الخلافة فريضة أيضا... وإلى أن تعيد الأمة تفعيل مشروعها الحضاري وتعيش في تلك الدولة التي تحكم فيها بالإسلام وأنظمته... إلى... أن تعلن إقامة الخلافة، إلى أن يكون ذلك... سيبقى الحج في موسم الثورات،،،،،،
 وسيكون لزاما على الثورة أن تستمر.
د.مصعب أبو عرقوب
29-6-2012

الأحد، 21 أكتوبر 2012

دكتاتورية " الأقلية الديمقراطية"


دكتاتورية " الأقلية الديمقراطية"

د.مصعب ابو عرقوب
تغيرت مفردات النقاش بعد الربيع العربي لتطال مصطلحات عميقة كالدستور وشكل الدولة والأغلبية والأقليات  وغيرها من المصطلحات الجديدة، لتعكس بذلك حالة الحراك الفكري التغييري الذي يجتاح الأمة التي سبقت بتحركها وعراقة أفكارها المتجذرة في صدور شعوبها كل المتحذلقين والمضبوعين بالثقافة الغربية البعيدة عن أصالة الشعوب التي تحركت في ميادين التحرير تستنشق عبق مجد وتحرر افتقده عبر عقود التبعية العجاف، لتنفث الجماهير  بهتافات "ارفع رأسك" و "علي صوتك" حمما تعبر بها عن اعتزازها بنفسها واستعادة ثقتها بشبابها وقدرتها على التغيير وصناعة مستقبل واعد.
وبتلك الهمة العالية والثقة بثقافتها وصلاحية مبدئها كدستور ونظام حكم وطريقة عيش تختلف عن الغرب ، انتخبت تلك الشعوب الثائرة من قدموا أنفسهم على مر السنين  بأنهم يريدون تطبيق الاسلام وإعادة الحياة الاسلامية بنظمها وتشريعاتها وعدلها وعزتها إلى حيز الوجود عبر إقامة دولة إسلامية ، وانحازت شعوب الربيع العربي بمشاعرها الإسلامية النبيلة إلى من أحسنت بهم الظن ليوصلوها لذلك النموذج الذي يسكن عقول وقلوب الشعوب في بلادنا ، نموذج يتطابق مع أصالة افكارها وعراقتها ويؤرخ لمجدها وعزها ،فاختارت الشعوب الإسلاميين وانتخبتهم لتوصلهم الى سدة الحكم بأغلبية ساحقة .
أغلبية احتار دعاة الديمقراطية في تسميتها ووقفوا أمام "ديليما"... أومعضلة محرجة،  فإما أن يعلنوا عدم رضاهم بخيار الشعوب وفي ذلك  "كفر بالديمقراطية "التي يدينون بها ،أو يستسلموا لخيار أمة تريد العودة لمبدئها فتذوب الديمقراطية وتنتهي في بلاد الإسلام .
وفي خضم ذلك الحراك الفكري  وقف دعاة الديمقراطية ليعلنوا أن الأغلبية التي انتخبت الخيار الإسلامي  " أغلبية غير ديمقراطية " فلا يجوز لها أن تفرض خياراتها على بقية الشعب وعلى الأقلية التي وبنفس المنطق ينطبق عليها تسمية " الاقلية الديمقراطية " ، وبذلك تناقض دعاة الديمقراطية مع أس مبدئهم وانقلبوا على ما يعتقدون به من أحقية الاغلبية في الحكم " وسن القوانين " وفرض طريقة معينة من العيش ترتضيها الأغلبية لنفسها ، وأصبح في منطقهم الدكتاتوري التسلطي فرض رؤية " الأقلية الديمقراطية " طريقة عيش على الأغلبية هو عين المنطق و التحضر و الطريقة الوحيدة للتقدم والنهوض.
طريقة تريد تلك "الأقلية الديمقراطية" فرضها على الأغلبية التي تؤمن بطريقة اخرى للعيش و وضعت خياراتها وأمانيها  في صناديق الاقتراع علها توصل  تلك الأماني في التحرر و الانعتاق من التبعية للمستعمرين إلى موقع القوة والتنفيذ، فالإسلام كطريقة عيش تتناقض في جوهرها ومضمونها وتجلياتها مع الأفكار الديمقراطية التي تجعل التشريع للبشر وتطلق العنان للشهوات والتفلت والشذوذ تحت مسمى الحريات الشخصية.
حريات قيدها الاسلام بالأحكام الشرعية التي تشكل منظومة راقية تصاغ ضمنها حياة الأمة وأسلوب عيشها بما يضمن صلاح الفرد والمجتمع على حد سواء  ، فطريقة اللبس والإحتشام والزواج والأحكام المنظمة للأسرة  والميراث والنفقة وأنواع الملكية وأسبابها ، وشكل الدولة وأجهزتها ومناهج التعليم فيها ، وسياستها الخارجية والداخلية وعلاقتها بغيرها من الدول،وتوزيع الثروات على الأمة ،وكيفية استعادة الحقوق وتحرير الأرض والمقدسات ،وحمل الإسلام رسالة للعالم ..كل ذلك مقيد بنظام خاص منبثق عن عقيدة الأمة ومبدأها ،ذلك الإسلام هو الذي تريده الأمة وهو الحصن لهويتها والحامي لعقيدتها وأفكارها وقيمها، ذلك مطلب الأغلبية وصوتها الذي عبرت عنه في الإنتخابات بعد الثورات .
 إلا أن الغريب أن صوت تلك الأقلية الديمقراطية كان أقوى وأكثر نفوذا من صوت أغلبية الشعب ، فالإعلام تهمين عليه تلك الأقلية " الديمقراطية " ،والعسكر لا يفكر إلا في خياراتها وحماية مشروعها المتمثل في " الدولة المدنية " والوصاية على " صياغة الدستور " وحفظ حقوق تلك الأقلية ، و " الزعماء الجدد"  الذين أفرزتهم تلك الانتخابات انقلبوا على "الأغلبية غير الديمقراطية " أي على خيارات الأمة التي انتخبتهم ، وأصبح جل همهم إرضاء  تلك الأقلية والإنصياع لإملاءاتها والتعهد لها بان الأغلبية غير الديمقراطية بل والأمة كلها ستعيش على الطراز الذي تحدده تلك الأقلية المتنفذة والقوية لدرجة الدكتاتورية والتسلط.
تلك الدكتاتورية و ذلك التسلط الذي اكتسبته  " الأقلية الديمقراطية " عبر عقود من علاقة آثمة مع الأنظمة السابقة  التي كانت تشاركها الحكم والمناصب والثروة و مراكز النفوذ وتشكل فريق المعارضة الدستورية للنظام في اللعبة الديمقراطية لإضفاء الشرعية على النظام وأهله من الطغمة  الحاكمة .
 وتعدى دورها في أواخر عصر الأنظمة المنهارة حتى أصبحت "الخيار الديمقراطي" للغرب المستعمر بعد احتراق الأنظمة المتهالكة أمام شعوبها ، فكانت تلك الأقلية الديمقراطية بما تجسده على الأرض من مؤسسات مجتمع مدني ومراكز بحوث وتجمعات شبابية ونواد اجتماعية كانت بمثابة عصى بيد المستعمر الغربي مسلطة على تلك الأنظمة والزعماء لضمان تبعيتهم للغرب من جهة والإحتفاظ بالخيار الديمقراطي من جهة أخرى كورقة لاستبدال ما احترق من أوراق الأنظمة والزعماء التابعين لها .
وباحتفاظها بتلك العلاقة المزدوجة مع الأنظمة والغرب أصبح لتلك الأقلية نفوذ خشيته الأنظمة وتفانت في إرضائها ،  ذلك لأنها البديل إن هبت رياح التغيير ،وعصى بيد الغرب يلوح بها دائما ،فهي تعيش في كنف ثقافته وتحت حمايته وتموليه ،وهي ليست "إرهابية" فلا يستطيع أن يصفها النظام بالتطرف والأصولية ليعتقلها أو يقتلها أو يقمعها ويجفف منابعها إن ضجت في وجهه وعارضته  في مسرحيات المعارضة واعتصاماتها وكثرة انتقاداها  فتلك الأقلية  وقبل كل شيء... ديمقراطية !!.
ديمقراطية...وهي ذات الكلمة السحرية التي جعلت لتلك الأقلية نفوذا حتى بعد سقوط تلك الطغمة الحاكمة ،  فالنظام لم يسقط وبقي ديمقراطيًا ، ومن وصل للحكم بالأغلبية تنكب لها وخاطب ود الغرب المستعمر الذي ما زال متنفذا في بلادنا عبر بعض رجاله في المؤسسات العسكرية والجيوش وعبر ما وضعه من أنظمة " ديمقراطية " تضمن بقاء رجاله وتابعيه في السلطة.
  ولم يجد" الزعماء الجدد" المنتخبون  قناة لمغازلة الغرب إلا عبر ذلك البديل للأنظمة  الذي صنعه وجهزه عبر عقود في بلادنا متجسدا بتلك الأقلية الديمقراطية، فعادت تلك الأقلية  لتفرض وبشكل دكتاتوري قبيح مشروعها الغربي وارتباطها السياسي والاقتصادي بالغرب المستعمر لتشكل استنساخا مفضوحا للأنظمة التي ثارت عليها الشعوب وملاذًا أخيرا لربط بلادنا بالمستعمر الغربي الطامع .. في تجاهل واضح لرغبات الأغلبية و شوقها في الانعتاق من كل تبعية وارتهان للمستعمر .
وأصبحت الأغلبية بذلك المنطق  غريبة مُخَطّأةً في خياراتها ،فالحرية و الإنعتاق والعيش بطراز آخر ليس خيارا ضمن تلك المنظومة الديمقراطية التي ثارت عليها الشعوب ،والأغلبية وإن اختارت العيش بطريقة لا تتفق مع الغرب ومعتقداته وطريقة عيشة ونظام حكمه فإنها تحارب ويشكك في صحة خياراتها ،وتوصف بعدم الوعي ويتمادى بعض المنضبعين بثقافة الغرب وديمقراطيته فيصفون الشعوب بالتخلف والأمية ليفرضوا على الأمة الوصاية، ذلك أن الأمة وحسب منطقهم الغريب الشاذ....أغلبية "غير ديمقراطية " .
إلا أن مصطلح الأغلبية غير الديمقراطية الذي تفتقت عن أذهان تلك الأقلية المتنفذة يضع النقاط على الحروف إن أُخذ على محمل الجد من ناحية فكرية ولم يبق في إطار الأعذار الواهية التي تقدم لتغيير خيارات الأغلبية والالتفاف عليها  وتكبيل إرادة الشعوب ومنعها من العيش بالطريقة التي تريد .
 فالمصطلح يوضح معالم الصراع الحقيقي ، فالأغلبية غير الديمقراطية لا تدين حقا بالديمقراطية ،ولا تريد أن تعيش في ظل نظام ديمقراطي يستنسخ النظام الذي ثارت عليه ، ولا ترغب في المحافظة على نفوذ الغرب  وفلوله وشركاته الرأسمالية التي تنهب ثروات البلاد وتستعبد أهل البلاد  .
فأهل البلاد الذين يشكلون " الأغلبية غير الديمقراطية " لا يرون في الديمقراطية الغربية الوحشية  نموذجا إنسانيا يحتذى ،ولا يرون في الأنظمة الديمقراطية التى ثاروا عليها إلا الظلم والتبعية والفقر والذل والمهانة ، ولا يرون في الأقلية الديمقراطية إلا مجموعة من فلول الأنظمة السابقة والمعتاشين على تمويل الغرب والمرتبطين بتنفيذ خططه ومؤامراته التي تضمن مصالحه ونفوذه في بلادنا.
وتلك الأقلية تضم في ثناياها كل  المضللين والمضبوعين بثقافة الغرب والمنسلخين عن أمتهم وثقافتها وكل اولئك الخائفين من التغيير من "المعتدلين" ،أو من ينتظرون الخيانة للغرب ليصلوا على دباباته ليحكموا تلك الشعوب التي إن اختارت ما تريد أصبحت تسمى ..."أغلبية غير ديمقراطية " .
لكن تلك الأغلبية تحركت وانتفضت ومازالت تنهض ،وينزل شبابها إلى ميادين التحرير ليعيدوا صياغة عالمهم غير الديمقراطي في دولة واحدة ..دولة الخلافة التي ستحكمهم بأحكام غير ديمقراطية ، أحكام منبثقة من عقيدتهم التي آمنوا بها وتربوا عليها بشريعة وأنظمة سامية تلقتها الامة من نبي أمي  لا ينطق عن هوى بشر أو ثقافات شيطانية استبدادية بل هو وحي من الخالق العلي القدير.
وحي نزل للبشرية بأنظمة بعيدة عن الشهوات والنزوات والتخبط والمادية والتسلط والقهر والظلم ،فطبقت تلك الأنظمة على مدى عقود عاشت فيها الإنسانية أبهى عصورها في ظل حكم الإسلام العادل الذي ضمن لكل مواطنيه بغض النظر عن أديانهم العدل والأمن والرفاهية والعيش الكريم ، وما لم تقام تلك الدولة الواحدة الموحدة لآمال الأمة الثائرة ويصاغ ذلك العالم الذي ينزل شباب الأمة إلى ميادين التحرير لصنعه ..فالأغلبية ستبقى دوما غير ديمقراطية...والثورة يجب أن تستمر .
د.مصعب ابو عرقوب
19-10-2012

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

الغوغائية العالمية.. و الثورات


الغوغائية العالمية.. و الثورات

     د.مصعب ابو عرقوب


وقفت وزيرة الخارجية الأمريكية لتلقي ما يشبه الأوامر على " الزعماء الجدد" في دول الربيع العربي، فقالت بلهجة السيد الآمر "إن على زعماء مصر وليبيا واليمن وتونس أن يبذلوا قصارى جهدهم لاستعادة الهدوء ورفض استبداد الغوغاء" ، والغوغاء كلمة يصف بها مفكرو الغرب ونخبهم في معظم الأحيان الشعوب الثائرة ، فقد نقل المفكر الايرلندي الشهير أدموند بيرك عن الثائر الفرنسي قوله: "إن الغوغاء تملأ الشوارع ، علي أن أكتشف إلى أين ستتجه لأني أنا القائد"، ولا يعد تناقض بيرك في مهاجمته للثورة الفرنسية وتأييده للثورة الأمريكية اقل تناقضا من تصريحات كلينتون وسلوك الولايات المتحدة الأمريكية .
 وتظهر جذور ذلك الفكر وتلك العقلية في التعامل مع الجماهير في فكر بيرك  الذي ينعكس في تصرفات وتصريحات كلينتون وغيرها من قادة الغرب  فقد كان بيرك يرى  أن "مطالب الشعب إذا توافقت مع استمرار الحكم والدستور والقانون ومبادئ العدالة والعقل تصبح بمثابة قوانين تقيد الطبقة الحاكمة" ويبدو جليا من هذه الأفكار أن مطالب الشعوب إن لم تتوافق مع "استمرار الحكم والدستور" فإن الشعوب الثائرة يمكن أن يطلق عليها "الغوغاء".
فالشعوب الثائرة ...غوغاء  إن لم تحافظ على مصالح الدول الرأسمالية وقيمها المادية ومنظومة الحكم والدساتير والقوانين  التي تضمن تسلط الرأسمالية الإستعمارية وشركاتها المتوحشة  العابرة للقارات وتبعية الأنظمة الحاكمة في بلادنا وموالاتها للغرب الرأسمالي، فالثوار إن تعدوا حدود تلك التبعية وطالبوا بأسلوب عيش يختلف عن الرأسمالية والديمقراطية، أو هبوا للدفاع عن قيم روحية عقائدية لا تعترف بها الرأسمالية المادية   ...الثوار حينها وفي نظرهم  غوغاء مستبدون .
غوغائية واستبداد دعت كلينتون الزعماء الجدد في دول الربيع العربي للوقوف أمامها ورفضها،  إلا أنها ومع إدانتها للفلم المسيء للإسلام  ووصفها إياه "بالفيلم المقرف والمدان الذي يبدو أن هدفه السخرية الشديدة والإساءة إلى دين عظيم وإثارة الغضب، إلا أنها مع ذلك أضافت أن "الإدارة الأمريكية لا تستطيع السيطرة على إنتاج الشرائط المسيئة أو بثها على مواقع مختلفة على شبكة الإنترنت..، لا سيما أن حرية التعبير من القيم الأساسية في المجتمع الأمريكي".وقد شاركها الرئيس الأمريكي اوباما في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الإدانة بوصفه للفلم بأنه "شريط فيديو فجّ ومثير للاشمئزاز وعلى نفس المنوال أضاف "إنني أعرف أن هناك بعض الذين يتساءلون لماذا لا يمكننا مجرد حظر عرض هذا الفيديو. الجواب على ذلك مكرس في قوانيننا: دستورنا يحمي الحق في ممارسة حرية التعبير."

وحرية التعبير... قيمة عظمية لدى الولايات المتحدة الأمريكية  !!، والإدارة الأمريكية إذ تحمي "الأفلام المقرفة والمدانة" "الفجة والمثيرة للاشمئزاز"  ولا تستطيع السيطرة عليها فإن ذلك يأتي تحت ذريعة احترام قيمها المزعومة والحرص على عدم تجاوزها ، إلا أنها وفي نفس الوقت تطلب من "الزعماء الجدد" في دول الربيع العربي أن يسيطروا على شعوبهم الثائرة التي خرجت من أجل الدفاع عن قيمها الحضارية والروحية التي يسيء لها الفلم المدان، في تناقض واضح "فج" كثرت أمثاله في تصريحاتهم ...فكيف لدولة لا تستطيع أن توقف فلما تدينه متذرعة بالحفاظ على قيم مزعومة أن تطلب من أمة كاملة أن تتوقف عن محاولة التصدي لهجوم على قيمها وحضارتها؟ ، فهل للولايات المتحدة الأمريكية الحق في الدفاع عن قيمها "المزعومة " ولا حق لأمة أخرى أن تثور للدفاع عن قيمها !!.
والدفاع عن "حرية التعبير" التي تقف حارسا لتلك الأفلام "المقرفة والمدانة"هي مهمة الدولة التي "تحمي الدساتير"  كما أكد اوباما، فخرج الفلم تحت رعايتها وحمايتها،  لكن المفارقة تكمن في أن  الشعوب التي ثارت لا تجد لها دولة تحمي قيمها أو تذود عنها عوضا عن نشرها والدعوة لها، فأتت ردودها عفوية "غير منظمة" على مستوى دولة كالدولة الأولى التي تنظم ردودها وتحمي قيمها وتعمل على نشرها في العالم بطرق "منظمة جدا" لا مجال فيها ....للرحمة.
فالفلم وإن عكس سلوكا "غوغائيا" فإنه لا يمثل إلا نزرا يسيرا من منظومة القيم المادية التي تحميها الدول الرأسمالية المتوحشة وتعمل على نشرها في أنحاء العالم لضمان سيطرتها ونفوذها وحماية مصالحها على حساب الشعوب المظلومة ودماء المساكين والفقراء والمعذبين الذين يكابدون ضنك العيش برسم الخصخصة والعولمة ونشر الديمقراطية و فتح الأسواق وتحرير المرأة، وغيرها من القيم التي نشرتها بطرق أقل ما يقال عنها أنها  "غوغائية".
والغوغاء عند العرب "الجراد حين يخف للطيران"، واستعير للسَّفلةِ من الناسِ والمُتَسَرِّعين إلى الشرِّ ، وصف وان كان قبل ظهور الطائرات بدون طيار التي تنشر القتل والتدمير في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال وغيرها من الدول التي تعاني ويلات الغوغائية الأمريكية...  إلا أنه وصف قد يختزل سلوك الرأسمالية عبر عقود من الزمان استبدت فيها وتسلطت على رقاب الإنسانية في مسلسل من الجرائم والحروب لا ينتهي.
فقد جاب جراد الرأسمالية الجشع العالم نهبا وسلبا وقتلا وتدميرا، وإشاعة للرذيلة والشذوذ الجنسي والاتجار بالبشر واستغلالا للأطفال كعمال بقوت يومهم في مناجم الشركات الرأسمالية، جاء ذلك في ظل تطبيق عملي لمادية ذلك المبدأ الذي جعل من كل شيء سلعة اقتصادية تباع وتشترى، فلا قيمة  للبشر والشعوب في قاموس ذلك المبدأ، وإن قضوا بالملايين تحت قنابلهم الذرية في هيروشيما وناكازاكي أو نتيجة لتجاربهم العلمية على البشر، أو لقنابلهم العنقودية في فيتنام وغيرها من الدول التي ذاقت مرارة الغوغائية الأمريكية والاستعمارية الغربية، التي أبادت الآلاف  في الهند وإفريقيا واستعبدت الملايين  لتزود مصانعها بالمواد الخام وتسيطر على الموارد الطبيعية لتلك الشعوب الضعيفة .
شعوب كاملة عبر العالم ذاقت ويلات الحروب الأهلية والقتل والتعذيب والإبادة نتيجة تنفذ سفراء الولايات المتحدة الأمريكية  ووكالة استخباراتها وتدخلها لتغيير حاكم هناك يخدمها ويذود عن مصالحها، ليعمل وكيلا لشركاتها وسمسارا دنيئا على ثروات بلده ومقدراتها، كل ذلك وأكثر ذاقته شعوب أمريكا اللاتينية وإفريقيا وشعوبنا  تحت شعارات نشر القيم "الديمقراطية ..وحق تقرير المصير"، لتصل في قمة غوغائيتها إلى احتلال مباشر لأفغانستان والعراق، فلم تعد بعد ذلك الإرهاب والقتل والتدمير  أخبار وصور معتقلاتها السرية والطائرة وغوغائية جيوشها وسجانيها في أبو غريب وغوانتاناموا وسلوكهم المشين يشكل أي خدش للقيم الأمريكية أو الأوروبية  التي تعودت على إهانة الشعوب وسحق البشر ومهاجمة كل القيم والنظر بعنصرية مقيتة لكل من لا يشاركها قيمها المادية المتوحشة،
عنصرية أعمت أبصار القادة في الغرب عن تلمس ذلك الفارق بين الحضارة والغوغائية بين الرقي والمادية بين التضحية والانتهازية بين الإنسانية والوحشية، بين الإسلام الرحيم والرأسمالية المتوحشة، بين القيم السامية  والشذوذ، فالشعوب التي انتفضت واحتجت لقيم روحية أرقى من تلك الدول و شركاتها وذلك الجراد المنتشر .
 فالأمة الإسلامية أمة متحضرة خرج غنيها وفقيرها للدفاع عن قيم روحانية عقدية، ولم يخرجوا من أجل النفط والشهوات والنزوات المادية العنصرية التي تقدس الأنانية و الفردية على حساب صلاح المجتمع ورقيه الروحي، فأي فكر وأي حضارة تلك التي تخرج الملايين عبر العالم من أجل قيمة "عقدية روحية" غير الحضارة الإسلامية. وأي أمة تلك التي تتحرك وتنتفض لقيمها غير الأمة الإسلامية ؟.
 فالشعوب الثائرة افتقرت لحاكم يثأر لها من الغوغائية، فحكامها وكلاء للغوغائية العالمية أو خائفون منها، لكن الأمة الإسلامية إذ تشق طريقها الآن عبر ميادين التحرير لتضع قيمها ومشروعها الحضاري موضع التطبيق، تسير وبخطى ثابتة  نحو عدل الإسلام ورحمته مقابل مادية الرأسمالية وتوحشها، لتنقذ البشرية من غوغائية الرأسمالية وتغول جرادها المنتشر في أصقاع الدنيا .. وتقلع جذور الغوغائية من بلادنا لتعود بذلك خير أمة أخرجت للناس تحمل العدل والروحانية التي تطمئن لها النفوس رسالة للبشرية المعذبة.
وإلى أن يطير الجراد من بلادنا، وتقام دولتنا التي تحمي عقائدنا وقيمنا وتعمل على نشر الرحمة والإنسانية والعدل في العالم كله...إلى أن تقام الخلافة الراشدة الموحدة لجهود الأمة وطاقتها..إلى ذلك اليوم سيظل واجبا على الأمة أن تنتفض... وعلى الثورة أن تستمر.
12-10-2012
د.مصعب أبو عرقوب 

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

الانتخابات الأمريكية والربيع العربي


الانتخابات الأمريكية والربيع العربي


د. مصعب ابو عرقوب
سعى الواصلون لسدة الحكم في ظل "الربيع العربي" الى تقديم الضمانات والتعهدات "للمجتمع الدولي"، وطمأنة الغرب والشرق على مصالحهم في بلادنا، وجاءت تلك التعهدات  في خضم الثورة وخلال الحملات الانتخابية وعند تسلم السلطة على شكل لازمة لا مفر منها.
وتكررت تلك  التعهدات على ألسنة "الزعماء الجدد" حتى أخذت شكل قسم أبقراط قبل مزاولة المهنة، لتضيف لمسرح نقل السلطات وتغيير الأشخاص مشهدا ثابتا يقسم فيه "الزعماء الجدد" ويتعهدون بالالتزام بالمعاهدات الدولية، وعدم التدخل في شؤون الغير، والحفاظ على مدنية الدولة وديمقراطية النظام واحترام حقوق الأقليات، وعدم المساس بالتزامات النظام السابقة...وغيرها من بنود "قسم مزاولة مهنة الزعامة السياسية بعد الثورة".
زعامة تتناقض بقسمها هذا وتعهداتها تلك مع ثورية الشارع وروح التغيير الجذري التي تجتاح الأمة، فبعد أن ركبت تلك القوى موجة التغيير ووصلت لسدة الحكم  أبقت على جذور النظام وأركانه، وتعهد "الزعماء الجدد" بالوفاء والالتزام والمحافظة على شبكة الارتباطات الخارجية للأنظمة السابقة، تلك الشبكة من العلاقات التي ضمنت ارتهان الأنظمة السابقة  وتبعيتها للدول الاستعمارية التي دعمت وجودها وساهمت في ترسيخ أركانها، ذلك لأنها لم تكن إلا  الحارس الأمين على مصالح الدول الاستعمارية في بلادنا، جاء ذلك التعهد على شكل ضمانات بالالتزام بالمواثيق الدولية والمعاهدات الموقعة من قبل الأنظمة السابقة.
تعهدات أربكت بعض الثوار الحقيقيين وشتت بعض  الأنظار عن التغيير الجذري الذي يجب أن تصل إليه الثورة بعد تلك التضحيات الجسام، وقد ساهمت أبواق الأنظمة المتهاوية وبرغماتية بعض "الزعماء الجدد" وارتباطات بعضهم الآخر بشبكة النظام السابق في الترويج لضرورة تقديم تلك التعهدات وفي صناعة الخوف والرعب من التغيير الجذري، وادارة الظهر لعلاقات الأنظمة السابقة مع الدول الاستعمارية، ففشل الثورة وتحلل الدولة والحرب الأهلية والاقتتال وانهيار الاقتصاد وتهديد السلم العالمي واستقرار المنطقة، مخاطر على الأبواب إن لم تقدم تلك التعهدات والالتزامات.
فقد بلغ التهويل ومحاولة الاقناع بضرورة تلك التعهدات مبلغا قد يتصور معه أنه لا وجود لدولة إلا عبر تقديم فروض الطاعة "للنظام الدولي" والتعهد للعالم بعدم تهديد أية مصلحة لأية دولة، وإتباع أسلوب عيش يتناسب مع أسلوب الدول الأخرى ولا يتعارض مع قيمها ونظرتها للحياة والمجتمع، وجاءت تعهدات "الزعماء الجدد" لترسخ ذلك المنطق الأعوج .
وبذلك المنطق التهويلي الأعوج كان لابد لمرشح الرئاسة الامريكي، ونحن في ظل الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية، أن يقدم الضمانات والتعهدات  للعالم والمجتمع الدولي ولدول الربيع العربي والعالم الاسلامي بشكل خاص - كأحد أهم مصدر للطاقة والثروات التي تؤثر في الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعالم- ففي ظل ذلك المنطق وأسوة "بالزعماء الجدد" على المرشح الامريكي للرئاسة أن يحمل برنامجه الانتخابي تلك التعهدات والضمانات.
وعلى المرشح الامريكي بحسب ذلك المنطق الذي سار عليه "الزعماء الجدد" أن يبدأ حملته الانتخابية بقوله: "أتعهد أن لا تشكل الولايات المتحدة الامريكية تهديدا للسلم العالمي، من خلال التزامي بالعمل على تقسيم الولايات المتحدة الى بضع وخمسين دولة مستقلة حتى لا تعود أمريكا دولة قوية تهيمن على العالم وتسيطر على الأمم الأخرى، وسيكون لكل دولة علم خاص يسمى علم الاستقلال، وسيزين علم دولة واشنطن هلال أخضر ليكون عنوان للتفاهم  ورمزا للتسامح مع الشعوب التي قهرت تحت ظل العلم القديم في افغانستان والعراق وغيرها من الدول، وأتعهد بتفكيك السلاح النووي حتى لا تتكرر المأساة التي ارتكبتها جيوشنا في هيروشيما ونكازاكي، وسنسمح لتونس ومصر وقطر والسعودية وليبيا وغيرهم من الدول بإقامة قواعد عسكرية  ثابتة على أراضينا لضمان الاستقرار في المنطقة، ومنع أية محاولة لإحياء الامبراطورية الامريكية، وسندعم جمعيات تحفيظ القران الكريم ونشر تعاليم الإسلام السمحة في اطار تمكين مؤسسات المجتمع المدني، وسنغير المناهج الدراسية لتتلاءم مع القيم الإسلامية والانفتاح على الاخر، وسنضبط لباس المرأة لتلتزم باللباس الساتر حفاظا على مشاعر المسلمين الزائرين لبلادنا .."!!!.
وقد يضيف المرشح الامريكي لتعهداته ليطمئن العالم على شكل النظام وعلاقاته مع العالم فيقول: "سأعمل على تغيير النظام الجمهوري وتحوليه إلى "نظام حكم إسلامي" حتى لا تتحكم الشركات الرأسمالية في النظام الاقتصادي وتستغل الشعوب الفقيرة، وأتعهد أن يكون نائب الرئيس مسلما للمحافظة على حقوق الأقليات ودورهم في بناء المجتمع، وأتعهد بتمكين الشركات الخليجية وغيرها من شركات النفط من استخراج النفط وتصنيعه من حقول النفط في تكساس حتى لا تحتكر الشركات الأمريكية الانتاج فتتحكم في اسعار النفط ..، وستكون قناة بنما شاهدة على سلاسة الحركة التجارية وإزالة كل العوائق أمام المنتجات العالمية لتصل للمستهلك الأمريكي"!!.
ولإثبات صدق توجهاته قد يصرح مرشح الرئاسة الامريكي فيقول: "سأرسل وفدا من الكونغرس الامريكي يمثل الأغلبية لزيارة البرلمان المصري والتونسي وغيرهما من المجالس النيابية ليشرح صدق نوايا وتوجهات وتعهدات الرئاسة الامريكية أعلاه، وسنضع على جدول أولوياتنا زيارات دورية لوزراء خارجية مصر وتونس وليبيا وقطر للاجتماع مع هيئة الاركان الأمريكية أو "المجلس العسكري الأمريكي" لوضع الخطط الأمنية الكفيلة بحفظ مصالح تلك الدول في بلادنا، وسنضمن كامل الحق لسفراء تلك الدول في الاطلاع ومتابعة تعهداتنا السابقة"!!!.
وقد يتوجه مرشح الرئاسة الأمريكي بعد تلك التعهدات لشعبه فيقول: "إن الالتزام بتلك التعهدات هو مصلحة حيوية للشعب الأمريكي، وإن عدم الالتزام بها يشكل تهديدا وجوديا للأمة الامريكية، وكبادرة حسن نية مع الشعوب الإسلامية التي حاربنها عقودا سنطبق الشريعة الاسلامية،...لكنني اتعهد لكم بالتدرج في تطبيق الديمقراطية التي تؤمنون بها، إلى أن تنضج الظروف المحلية والدولية المحيطة التي تسمح بتطبيق الديمقراطية كنظام وأسلوب حياة، فتطبيق الديمقراطية الآن يعيد للأذهان ذكريات افغانستان والعراق ...وغوانتاناموا ..وأبو غريب وغيرها، ولنطلق عليها تسمية الشورى حتى لا تثير النزاعات الطائفية "!!!.

هكذا ....نعم هكذا وبهذا السخف سيبدو خطاب المرشح الأمريكي للرئاسة إن احتكم لذلك المنطق الغريب الذي روج له كل من قدم تلك التعهدات وكل من حاول أن يقنع شعبه بضرورة تقديمها والالتزام بها، فمرشح الرئاسة الأمريكي لا يسعى بحال من الاحوال الى استرضاء شعوب غير الشعب الأمريكي ولا يضع في اعتباراته غير المصلحة الأمريكية ولا يرى في طمأنة أي أحد فريضة عليه، سوى طمأنة وتامين مصالح  الناخب الأمريكي ومستقبله، ولا يعبأ بأي أمة أخرى في رحلة خدمة الشعب الامريكي والسهر على مصالحه.
 هنا ...وتحت هذا الاختبار البسيط الذي يفرز المنحاز لمصالح أمته عن غيره من الذين اختاروا السير في ركاب الأنظمة السابقة...هنا تسقط أعذار كل الاطياف التي تنادي بضرورة الالتزام بتعهدات الأنظمة السابقة وطمأنة الغرب والشرق على مصالحهم في بلادنا، تسقط كل تلك الأطياف وان اختبأت تحت مسميات العلمانية أو الوطنية أو الديمقراطية أو اليسارية أو حتى الإسلامية المعتدلة، فكل تلك المسميات تصبح أداة أو امتدادا للأنظمة السابقة التي كانت تستمد شريعة وجودها من ارتباطها بالغرب ومحافظتها على المعاهدات الدولية وسهرها على مصالح الدول الاستعمارية في بلادنا تحت مسميات "السلام والاستقرار العالمي ومكافحة الارهاب" .
إلا أن بعض السباقين لأداء قسم "مزاولة مهنة الزعامة بعد الثورة " قد يُرجع حرص مرشح الرئاسة الامريكي على مصالح دولته فقط، وعدم تقديمه أية ضمانات للعالم إلى كون الولايات المتحدة الامريكية هي الدولة الأولى في العالم، ويسقط ذلك العذر القبيح أمام حقيقة أن كل دولة، مهما كانت صغيرة، وكل قيادة مخلصة مهما قلت امكانياتها، لا تحرص إلا على مصلحة شعبها.
فالشعوب التي كسرت حواجز الخوف وتسعى للتخلص من حياة العبيد التي عاشتها في ظل تلك الأنظمة البائدة، ستلتف حول قيادة تريد الانعتاق من التبعية والذل، واسترداد ثروات الأمة المنهوبة، وتلك الأعذار والتعهدات تتناقض مع جوهر الثورة وتلتقي مع  منطق التبعية وإلحاق الشعوب بمنظومة العبودية من جديد عبر الالتزام بما خط في زمن الاستعمار بأيدي أتباعه ، فمطالبة العلمانيين واليساريين بضرورة اعطاء التعهدات والالتزام بشكل الدولة حتى يرضي الغرب، اعلان حرب على الثورة وشوق الشعوب للانعتاق نهائيا من العبودية للغرب، ومحاولة لتكبيل ارادة الثوار في التغيير الجذري.
إرادة تسعى حركات "الإسلام المعتدل" من طرفها أن تكبلها عبر تقديمها لنفس التعهدات، وبذلك فإنها تضيف لتناقضها مع ارداة الشعوب في الانعتاق التام من التبعية للغرب تناقضا صريحا مع ما تعتقد من عقائد ومع ما تحمل من ثقافة تملي عليها أن النصر يكون حليف أمة الإسلام فقط، إن هي التزمت إسلامها نظاما ومنهاج حياة، وتوجهت لخالقها بالانصياع لأوامره وتطبيق شريعته، ومعارك بدر وحنين واليرموك والقادسية وغيرها الكثير تحمل دورسا لطالما تغنت بها حناجر بعض "الزعماء الجدد"، فالنصر والتمكين عند الأمة الإسلامية له معادلة مختلفة لا تمر عبر الاتفاقيات الدولية ولا تعبأ بالتوازن العددي بقدر ما تعبأ بنصر الحق والثبات على المبدأ.

فالثبات على المبدأ كفيل بتحقيق النهضة والنصر، والارتماء في أحضان المستعمرين والعمل على طمأنتهم وتأمين مصالحهم لن يجلب للأمة الإسلامية إلا مزيدا من التبعية والارتهان للغرب والشرق، فلا بد للأمة الإسلامية، وهي على طريق استعادة سلطانها وإرادتها التي سلبت، أن تدرك أن النهضة لن تكون إلا بقلع جذور الاستعمار من بلادنا، وتطبيق الإسلام جملةً وتفصيلا، والتعهد لخالقها فقط بإقامة دولة الخلافة التي توحد المسلمين في دولة واحدة تكون ثمرة الربيع العربي وحصاد التضحيات الاليمة لشباب الأمة في ميادين التحرير، و بذلك تحقق مشروعها النهضوي وتحمل الإسلام رسالة نور للعالم،  وما لم يتم ذلك التغيير الجذري والانعتاق التام...

فالثورة يجب ان تستمر
20-8-2012

الأربعاء، 18 يناير 2012

الاعتدال في زمن الثورات!!


الاعتدال في زمن الثورات!!

                                                                                                                        د. مصعب ابو عرقوب
" الاعتدال كلمة يحب عملاء الاستعمار استخدامها ، فالمعتدلون.. هم كل اولائك الخائفين أو الذين يفكرون في الخيانة بشكل من الاشكال ، اما الشعب فليس معتدلا على الاطلاق ".
قد يكون ذلك الوصف للمعتدلين الذي توصل له جيفارا عبر تجربته الثورية في الوصول الى الحكم موضوعيا في ظل الربيع العربي ، فالطريق للسلطة وسدة الحكم شاقة عسيرة، مليئة بالمغريات.. تحفها المخاطر والمؤامرات ، تكشف عن معادن الرجال... والحركات ، فاما ان يثبت " الثوري " على مبادئه فيوصف بالارهابي الرجعي ...او يتنازل عنها فيصل للحكم سريعا ، وينضم الى جوقة الانظمة المعتدلة !!.
و الثورات في ربيعنا لم تكن الا على انظمة لطالما وصفت بالمعتدلة ، فالنظام التونسي شكل نموذجا للاعتدال "العربي " في اتباعه لسياسة "تجفيف المنابع" - منابع ثقافة الامة واتصالها بهويتها العقدية - ، ومبارك المخلوع كان عراب الاعتدال وزعيمه عبر تاريخه المتخم بطقوس الاعتدال.. مرت عبر مشاركته في حرب الخليج وحصاره لغزة وامداده الغاز "لاسرائيل" على حساب شعبه ، ..والقذافي باع وطنه وشحن اسلحته بطائرات للغرب ليلحق بركب المعتدلين متخليا عن شعاراته الكاذبة.
شعارات لم تسعف النظام السوري المعتدل وان تستر بممانعة كاذبة خاطئة ،لم تسفر يوما عن استعادة ارض او تهديد عدو محتل ، حتى غدا انهيار النظام امام الثورة "تهديدا وجوديا لاسرائيل وامنها "!!، وقد شكل سلوك الانظمة العربية نموذجا صارخا لعملاء الاستعمار أو" للمعتدلين" ، الذين باعوا البلاد واراقوا دماء العباد على مذبح مصطلحات مضللة كالاستقرار ، والديمقراطية والحفاظ على موازين القوى و علمانية الدولة ، والانفتاح على الاخر ، واحترام المعاهدات الدولية والالتزامات الاممية والقوانيين العالمية... ومحاربة الارهاب والتطرف .
مصطلحات يختبئ المعتدلون ورائها ، فهي بضاعتهم الرائجة التي اخفت ورائها تبعية للمستعمر ، وترسيخا لوجوده على ارضنا، واستماتة في تنفيذ خططه للمحافظة على مصالحه في عالمنا العربي والاسلامي ، وللحيلولة دون نهضة الامة ووحدتها ، وهي ذات المصطلحات التي يطرحها بعض " المعتدلين في زمن الثورات " اما لتبرير تنازلاتهم المبدأية في طريقهم للوصول الى سدة الحكم ، أو لشرعنة عودة الانظمة السابقة بلباس جديد .
فالساحة في الربيع العربي لم تخل من معتدلين مردوا على الاعتدال من فلول الانظمة المتهاوية، ..وزارء سابقين واعوان وبلاطجة يتقافزون عبر المنابر الاعلامية والاروقة السياسية والسفارات الاجنبية والعواصم الغربية لامتطاء ثورات الشعوب وتركيعها تارة ، ومطالبة غيرهم بالاعتدال تارة اخرى للحفاظ على مصالحهم الشخصية ومصالح اسيادهم المستعمرين التي باتت مهددة بثورة الشعوب وسعيها للتحرر واستعادة السيادة والارض وتشوقها للانعتاق من التبعية للغرب .
سعي جدي للتحرر وشوق للانعتاق من التبعية والتشرذم تخطه الامة بدماء ابنائها في ميادين التحرير ..لم تتلقفه تلك الحركات التي أوصلتها الامة عبر صناديق الاقتراع الى مكان متقدم في السلطة ولم تقدره حق تقديره ، فانطلقت كالسهم باتجاه الاعتدال ، فاعلن حزب النور في مصر التزامه الاتفاقيات الموقعة مع "اسرائيل" ،وتراجعت حركة النهضة عن تطبيق الشريعة و تحالفت مع قوى تخالفها على الاقل نظريا في الفكر والتصورات ، دون ان تكلف تلك الحركات نفسها عناء الالتفات الى مصير الانظمة المعتدلة التي اطاحت بها الشعوب التي انتخبتت لاحقا تلك الحركات دون غيرها وهي التي كانت توصف بالتطرف والارهاب !!.
فالشعوب "ليست معتدلة على الاطلاق " ، فقد انتخبت وباغلبية كاسحة من وصفوا دوما بالتطرف والارهاب!!، وما دامت تلك حال الشعوب فعلى تلك الحركات أن تتعظ !! ، فانها ان بدأت بالتخلي عن مبادئها ونزعت للاعتدال في سبيل تأمين وصول سلس ويسير للحكم ، فانها لا بد ستشهد سقوطا مريعا ، فالشعوب التي ثارت على انظمة عميلة للاستعمار تحت ستار الاعتدال لم تعد تنطلي عليها الاعيب "الخائفين أو من يفكرون بالخيانة " ، وعبر سنوات من عمل المخلصين لامتهم اصبحت الامة تميز وبجدارة بين الاعتدال كخيانة وبين التحرر والانعتاق والوحدة في كيان واحد كخيار وحيد لنهضتها وتحررها ، وباتت الشعوب تملك من المقاييس ما يجعلها قادرة على التمييز وبسهولة بين "المعتدلين" والمخلصين للامة .
فحدود سايس بيكو ،ومعاهدة كامب ديفيد ، والقدس و تحرير الارض المباركة ، وتطبيق الشريعة ، ومحاربة الفساد ومحاكمة الطغاة ، وتحرير البلاد ، وتوزيع الثروات، والعلاقة مع ما تبقى من الانظمة العميلة للغرب ، والموقف من الغرب الطامع المستعمر، ...مناهج التعليم ، السيادة على الارض وفي السماء ، كلها اختبارات بسيطة تجريها الشعوب ، ليفشل فيها كل المعتدلين او من يفكرون في ..الخيانة .
اختبارات لن ينجح فيها الا من يحمل مشروعا نهضويا ينبع من ثقافة الامة وعقيدتها ،مشروع يتجسد في دولة الخلافة التى تعبر عن طراز مختلف في الحكم والادارة ، يوحد الامة ويفعل طاقات ابنائها ويعيد ثرواتها وارضها، ويقدم للعالم نموذجا حضاريا للعدل و القيم الروحية والانسانية متجلية في تطبيق الاسلام كمبدأ ونظام حياة امام وحشية المادية الراسمالية التي اوردت الانسانية المهالك.
والى ان تُفَعِل الامة مشروعها الحضاري سيسقط كل المعتدلين على الطريق ،وستستمر الشعوب في ثورتها ، فالسلطان للامة ...والامة ليست معتدلة على الاطلاق.!!.
11-1-2012
د.مصعب ابو عرقوب