السبت، 23 ديسمبر 2017

قمة منظمة التعاون الإسلامي ..قراءة إستراتيجية
د. مصعب أبو عرقوب* 
اختتمت  الأربعاء 13/12/2017م القمة الطارئة التي انعقدت في تركيا لمنظمة التعاون الإسلامي بدعوة من الرئيس التركي أردوغان، لاستعراض التطورات التي نتجت عن قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بمدينة القدس عاصمةً لكيان يهود، فأكدت في بيانها الختامي على أنّ قرار ترامب تقويض متعمد لجهود السلام ويصب في مصلحة (التطرف) و(الإرهاب)، وأكد المجتمعون على التمسك بالسلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، والتمسك بالاعتراف بـ(القدس الشرقية) عاصمة لفلسطين وفق المرجعيات الدولية، ومبادرة السلام العربية لعام 2002 التي اعتمدتها القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة عام 2005 - باعتباره خياراً استراتيجياً.
استراتيجياً.. قدمت منظمة التعاون الإسلامي في قمتها باسطنبول لكيان يهود أكبر مما قدمه ترمب في قراره، فالإعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة ورقية يعني صراحة الإعتراف بالقدس الغربية عاصمة لكيان يهود بخاتم اسلامي !!، وإن كان لا قيمة لقرار  ترمب الذي لا يملك القدس ، فان الإعتراف بالقدس الغربية لكيان يهود  ممن يدعون وصلا بالقدس والإسلام يحمل صبغة خاصة قد تضفي شرعية على كيان يهود ..وتقدم لهم القدس على طبق من ذهب .
طبق.. حمل لكيان يهود القدس الغربية والإعتراف بأحقيته في الوجود على أكثر من 78% من مساحة الأرض المباركة، فكانت قمة  منظمة التعاون الإسلامي قمة في التنازل عن الأرض المباركة ، وتعاونا على إثم التفريط والخيانة وتثبيتا لأركان كيان يهود الغاصب عبر الإقرار بالمبادرة العربية التي تعتبر الصراع منتهيا والتطبيع واجبا مع كيان يهود، إذا أقيمت دويلة فلسطينية إلى جانب كيان يهود ، متشبثين بذلك بالقرارات  والقوانين الدولية !!
قرارات وقوانين دولية هي ذاتها التي أعطت جل الأرض المباركة لكيان يهود واعترفت به كيانا شرعيا في قلب الأمة الإسلامية ، جاعلة  منه خنجرا مسموما في خاصرة الأمة، وقاعدة متقدمة للمستعمر الغربي الذي وضع القوانين الدولية وسهر على أمن كيان يهود وتثبت أركانه بدعمه سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ليكون حجر عثرة في وجه نهضة الأمة ووحدتها .
وحدة.. لم و لن تتجسد في منظمة التعاون الإسلامي التي كرست تبعية الأنظمة للغرب المستعمر وسير الحكام الخونة في طريق الخيانة والتفريط في الأرض المباركة، كما لن تتجسد في مواقف هزيلة  لرؤساء البرلمانات العربية الذين أكدوا في  اجتماع لهم سبق قمة اسطنبول على" رفضهم المطلق للمساس بالمكانة القانونية والسياسية والتاريخية للقدس الشريف" ، فمكانة القدس في أذهان المجتمعين مكانة قانونية تحددها لهم القوانين الدولية أي الاستعمار الغربي ، وأعلنوا  سبب اعتراضهم الشكلي على قرار ترمب واصفين اياه بالخروج الصريح عن الشرعية والقانون الدوليين .
فالشرعية الدولية والقانون الدولي يشكلان أساس الدفاع عن قضية الأرض المباركة عند الأنظمة وحاشيتهم من رؤساء البرلمانات العربية ، ليجسدوا بذلك  مدى انسلاخهم عن ثقافة الأمة الإسلامية باعتبارهم الشرعية والقوانين الدولية مرجعية ومنطلقا لحل قضية الأرض المباركة ، فمجرد اعتبار القوانين الدولية التي وضعها الغرب المستعمر الطامع في بلدنا مرجعية لقضية فلسطين يعنى التنازل عن جل الأرض المباركة لكيان يهود ،فالشرعية الدولية وقوانينها ضمنت لكيان يهود الحق في الوجود على جل الارض المباركة في حدد آمنة وثابتة ، فأي تضليل وخيانة وأثم أعظم من جعل الحاكمية للقوانين الدولية الإستعمارية على الأرض المباركة بقدسها وأقصاها..وحق الأمة الإسلامية فيها ؟!.
فالأمة الاسلامية هي صاحبة الحق في الأرض المباركة ، حق وملكية ومكانة عظيمة أنشأتها الأحكام الشرعية التي جعلت من الأرض المباركة أرضا خراجية ملكا للأمة الإسلامية ، و أعطتها مكانة خاصة حفرتها سورة الإسراء في قلوب المسلمين ، ورباطا عقديا جسده إسراء المصطفى عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بورك حوله.
بركة.. جعلت من الأرض المباركة كاشفة لكل خيانة ..ولكل عنتريات فارغة ، فالإنتصار لمسرى الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكون بالتمسك بطاغوت القانون الدولي ولا يكون بالإعتراف الهزلي بالقدس الشرقية عاصمة لدولة ورقية ولا يكون بالشجب والإستنكار وعقد القمم والإجتماعات الفارغة المحتوى والمضمون ، بل يكون بتجييش الجيوش لتحرير مقدسات الأمة وأرضها من كيان غاصب أوجب الشرع على الأمة إقتلاعه .
إقتلاع.. جسده  القادة  الأفذاذ في الأمة كالناصر صلاح الدين والمظفر قطز ، إقتلاع ينتظره كل مسلم موحد بربه كحل شرعي وحيد لقضية فلسطين ، حل تتشوق له أمة كاملة تعرف الغث من السمين ، ولا تقيم وزنا للخونة المجتمعين في قمم التنازل والتفريط ، ولا تعبئ بسيل التصريحات الجوفاء التي لا  تغير شيئا من الواقع المرير.
واقع..  يوجب التحرك الفوري من جيوش الأمة الاسلامية لتحرير الأرض المباركة وإرجاع المسجد الأقصى ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحضان الأمة الإسلامية ، فقضية فلسطين قضية عسكرية تستوجب شرعا التحرك الفوري لجيوش الأمة لتحريرها.
تحرك.. لجيوش الأمة قد تكبله الأنظمة لأنه يهدد كياناتها المرتبطة بالمستعمرين..وقد يصمت عن المطالبة به علماء السلاطين لإرتباطهم بعروش الظلمة..وقد يغيب عن الإعلام والأقلام المأجورة و الفصائل المرتمية في أحضان الأنظمة العميلة ..لكنه رغم ذلك كله  يبقى الحل الشرعي الوحيد الذي أوجبه الله على الأمة الإسلامية، والحل العملي  الذي لم يغب عن أذهان الأمة الإسلامية ولم تسقطه يوما من حساباتها ،   فنادت به جماهير الأمة الغاضبة في المسجد الأقصى والأردن وتونس وماليزيا وتركيا وغيرها من بلاد المسلمين التي خرجت فيها المسيرات مطالبة جيوش الأمة بالتحرك الفوري لإنقاذ  القدس و تحرير فلسطين .
فلسطين التي ما صَدقت يوما قمة أو تصريحا أو جعجعات إعلامية من زعماء عملاء للغرب ، وبقيت تنتظر الفاتحين المحررين الذين سيشرفهم الله بتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام .

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الارض المباركة فلسطين
21-12-2017

الأحد، 27 نوفمبر 2016

طائرات اردوغان وبوتين.. اذ تلتقي في سماء فلسطين !!

طائرات اردوغان وبوتين.. اذ تلتقي في سماء فلسطين !!

                                   الدكتور مصعب ابو عرقوب *


تمتد الحرائق الى انحاء مختلفة من "اسرائيل" فيما لا تزال قوات كبيرة من الاطفائية تعمل لإخماد السنة اللهب التي وصلت حيفا وتم اخلاء السكان وطائرات الاطفاء من عدد من الدول تصل بينها تركيا التي بادرت بالاتصال وتقديم المساعدة.

وفي هذه الاثناء يهب النظام العلماني في تركيا ويبادر لمساعدة كيان يهود في محاولة لإخماد الحريق الذي تجتاحه !!، وهو في ذلك كأمثاله من أصدقاء كيان يهود وحلفاءه لا يقدر على رؤية كيان يهود مهددا فيسارع.. ويبادر.. ويحرك طائراته لنجدته ومساعدته !!.
فالنظام التركي كروسيا واليونان وأمريكيا وغيرها من الدول التي هبت لمساعدة كيان يهود سواء بسواء ، فأي عار لحق باردوغان ونظامه العلماني الذي وضع نفسه في كفة واحدة مع اعداء الامة  وقتلة المسلمين ونصب نفسه اطفائيا للقتلة المغتصبين الذين حرقوا الارض في غزة بقنابل الفسفور، وما زالوا يحتلون الارض المباركة ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأي خذلان معيب وشائن يقترفه النظام التركي العلماني وغيره من الانظمة في حق المسلمين في حلب والموصل وغيرهما من بلاد المسلمين وهم يرون الحمحم تتساقط على رؤوس الاطفال في المدارس والمستشفيات والبيوت دون ان يحركوا ساكنا ؟؟!!.

لكن ساكنهم تحرك.. والتقت طائرات اودوغان مع طائرات بوتين لقاء الأحبة في سماء فلسطين ، هبوا لنجدة كيان يهود ...مجتمعين ، لتبقى الارض المباركة فلسطين كاشفة لكل العنتريات الاعلامية والبطولات الدنكوشوتية الوهمية لكل الزعماء الذين امتطوا ظهر القضية وحاولوا صنع امجاد وبطولات مدعين وصلا بالمسجد الاقصى والقدس وفلسطين ، فها هي سماء فلسطين تشهد على حرص اردوغان على كيان يهود وها هي الاجيال ترى اعترافه بكيانهم وفتح صفحة جديدة معه ،وتقارن من جديد ...لا ..لا لم يكن ليفعلها السلطان محمد الفاتح ..ولا صلاح الدين لم يكن ليفعلها بالتأكيد ..لا ولا قطز ولا بيبرس ..ولا خالد بن الوليد .
لكن اردوغان فعلها وهرع وقتلة المسلمين من الروس المحتلين وغيرهم في صف واحد  لنجدة المحتلين لبيت المقدس ، فأخرجته فلسطين كما أخرجت غيره من قبل من قائمة الشرف ...قائمة المحررين والفاتحين الابرار ، لتنزله منزلة وضيعة أصر بعناده لثقافة الأمة الاسلامية وعقيدتها وتجاهله للحقائق التاريخية والسياسية ان ينزل الى قعرها ، ففلسطين ستحرر وسينتهي كيان يهود كما انتهت الممالك الصليبية التي زرعت في بلادنا والتي بانتهائها خلدت اسماء كصلاح الدين و قطز وغيرهما من ابطال المسلمين ...لكن اردوغان يعاند الحقائق التاريخية والسياسية ويريد أن يرسم لنفسه مجدا سالكا طريق الذل والخنوع والتبعية للغرب ومداهنة كيان يهود واسترضائه لعل الغرب يرضى عنه ويثبت اركان حكمه ويحفظ له تركيا مملكة لسلطانه الواهم .

وهم بمجد لن يصله اردوغان  وان حاول تضليل الملايين بخطاباته وعنترياته الاعلامية الفارغة ، فالأرض المباركة وسمائها تنظم المسلمين بمنظومة استشعار للبطولة والصدق والانتماء لهذه الامة ولدينها ، وما دامت القدس ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم محتلين فمئات الخطب والتصريحات النارية لن تصنع منه بطلا ولن تقربه حتى من قائمة المحررين والفاتحين الابطال الذين سلك طريقا معاكسا لطريقهم المضيء .
فبدل ان تقصف الطائرات التركية كيان يهود في عملية واسعة لتحرير فلسطين وبيت المقدس،وبدل ان تتحرك قواته لنجدة المسلمين المظلومين في حلب والموصل التي لا تبعد عنهم إلا القليل  ، تتشارك الطائرات التركية  مع الطائرات الروسية التي تقصف حلب لإطفاء حرائق كيان يهود ، وكأنهم في غرفة عمليات مشتركة لإنقاذ كيان يهود ، فبأي عيون سينظر الطيار التركي للأرض المباركة وهي محتلة  ، وبأي قلب سيشارك طيار تركيا الروس في اطفاء حرائق كيان يهود وهو يراهم يحرقون المسلمين في حلب ؟؟ ، وبأي وجه سيقابل ربه  اردوغان وهو  ساءله عن حلب والموصل وغيرهما من بلاد المسلمين ؟؟، لا شك أنها عيون المرتزقة الاذلاء  التي ترى الارض المباركة من نوافذ اطفائية هرعت لإخماد حرائق الاعداء المحتلين القتلة ، ولا ريب انها قلوب العصاة المنسلخين عن أمتهم تلك التي  تقدر على مشاركة القتلة الروس في سماء فلسطين لإخماد حريق كيان يهود ، وقد يكون وجه اردوغان عليه غبره ترهقه قترة ان ساءله المولى عن أهل حلب والموصل ..ومساعدته كيان يهود وهبته لنجدتهم وقبل ذلك التطبيع معهم والاعتراف بهم .

فكيف  انقلبت موازين النظام العلماني في تركيا  فهب لنجدة كيان يهود وصمت عن المذابح والحرائق التي تنهش أجساد المسلمين في غزة وحلب والموصل وغيرها من مدن المسلمين وحواضرهم ؟؟، وكيف يستطيع التعايش والتشارك مع الروس الذين يحرقون المسلمين ليل نهار في سماء الارض المباركة لانجاز مهمة انقاذ كيان يهود الذي حرق غزة وقتل من هبوا  لنجدتها ومحاولة لفت الانظار الى معاناتها من الاتراك على سفينة مرمرة ؟؟ ،وكيف انسلخ عن امته  وثقافتها ؟؟...أحجية لا يجيب عليها إلا تفسير واحد هو غياب تحكيم شرع الله والعمالة للغرب والانسلاخ عن ثقافة الامة والاعتقاد بالعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والحياة ، فأصبحت مرجعية النظام التركي مشوهة ممسوخة لا تمت إلى الاسلام وتعاليمه بصلة ولا الى تاريخ الامة وأبطالها من العثمانيين بأي وشاج او علاقة .

ان اردوغان بفعلته تلك يسير في طريق الخذلان والهزيمة بعد ان امتحنه الله وأنجاه من عتاة العلمانيين الذين حاولوا الانقلاب عليه في صراع مقيت على السلطة ، فعن جابر وأبي أيوب الأنصاري قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته . وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " .

وأخيرا ، فان الاحداث اليومية تشير وبكل قوة الى ذلك الحل الذي يجب ان تسعى اليه الامة الاسلامية والى ذلك الواجب الذي يقع على العلماء والمثقفين والثوار وأهل القوة والعشائر ، واجب يحتم عليهم التخلص فورا من الانظمة التابعة للغرب والخاضعة لنفوذ المستعمرين و املاءاتهم  وأحلافهم والعمل على انشاء كيان موحد للأمة يقوم على عقيدتها ، ويعيش همومها ويعمل لتحقيق احلامها في التحرر والتخلص من العبودية و ارجاع  امجاد الامة الاسلامية .
واجب يحتم على  أهل القوة والضباط الغيورين على الاسلام وأمة الاسلام  ان يخلعوا انظمة الضرار ويخلصوا الامة من الكيان التركي العلماني وأمثاله في العالم الاسلامي ، ويقيموا دولة الخلافة التي تحرك الجيوش والطائرات لتحرق كيان يهود عن بكرة ابيه وتخلع نفوذ المستعمرين وجيوشهم من بلادنا وتعيد الامور الى نصابها فيحمل الاسلام رسالة نور ورحمة ليطفأ الحرائق والحروب التي اشعلها المستعمرون في بلادنا والعالم .
24-11-2016

*عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير في فلسطين



الخميس، 9 أكتوبر 2014

سأهاجر إلى كندا !!

سأهاجر إلى كندا !!
د.مصعب أبو عرقوب*
 تعبت من كل شيء هنا، لم أعد قادرا على العيش حزينا عاجزا، سأهاجر إلى كندا أو إلى لندن أو أي بلد أوروبي، هدوء هناك يناديني،عيش رغيد وهواء نقي وراتب مغروأطفال يذهبون إلى الملاعب والمتنزهات، عشب أخضر وبحر أزرق هادئ، أنهار تحفها غابات خضراء ... أمطار وثلوج وماء.

ماء لا ينقطع وسماء صافية لا دخان فيها، لا طائرات حربية ولا قنابل غاز ولا براميل متفجرة، لا هراوات ولا سجون ولا معتقلات، لا حواجز ولا قتل ولا ترويع ... إلى كندا أريد أن أهاجر.

قد تكون تلك لحظة ضعف تجتاح شابا يعيش مأساة الأمة، لكنه يدرك بعد لحظات أنّ الأمر أكبر من عيشة هنية، أكبر بكثير، إنّها مسألة أمة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ تمتد من آدم إلى نوح فإبراهيم واسماعيل إلى أن تصل إلى محمد عليه السلام، صاحب الرسالة السماوية التي خاطب الله بها أهل الأرض.

أهل الأرض الذين يعيشون شقاءً وتعاسة في ظل نظم وضعية أملتها قوى الشر الرأسمالية المتسلطة على رقاب البشرية، فدماء الشعوب وعلى رأسها شعوب الأمة الإسلامية لا تعني شيئا للجاهلية الرأسمالية الجديدة،فجل اهتمامات الدول الاستعمارية تنصب على تأمين موارد النفط وضمان تدفق الثروات والمواد الخام إلى مصانعهم.

مصانع باتت تتغذى على دماء المستضعفين في الأرض بلا رحمة أو شفقة، فالطائرات تقصف والبوارج تدمر والقوانين تسن والساسة يصدرون القرارات ويتجمعون في أحلاف تحت ذرائع واهية كمحاربة الإرهاب وغيرها من الذرائع... كل ذلك لإشباع نهم مصانعهم وتأمين مصالحهم في العالم، وفي بلادنا خاصة.

فبلادنا أصبحت مسرحا صاخبا لمؤامرات المستعمرين الدموية، سياسية كانت أو عسكرية ...فيلتف الاستعمار عبر أدواته القديمة على ثورات الأمة الإسلامية ويستبدل عميلا لهم بأخر، وإن لم يستطع فيعلن حربا بلا هوادة على كل من قاوم، أو على كل من يحمل فكرا تحرريا حقيقيا يسعى لإخراج الأمة الإسلامية من دوامة الاستعمار والتبعية إلى ميادين التحرر والنهضة الحقيقية.

نهضة لن تتم إلا إذا عادت الأمة الإسلامية إلى رسالتها العظيمة وإلى منهجها القويم الاتي من الوحي، فالأمة الإسلامية لن تقوم لها قائمة إلا بوجود كيان سياسي يضع رسالة الوحي موضع التطبيق في الداخل، ويحمل الإسلام رسالة نور للبشرية فيخرجها من ظلمات الرأسمالية المادية إلى نور الإسلام وعدل تشريعاته وإنسانيتها.

إنسانية في سياسة البشر ورعاية شؤونهم، وفي عمارة الكون، لن تتحقق إلا بإقامة الخلافة التي تعيد للأمة الإسلامية موقعها الريادي في قيادة البشرية وعمارة الأرض ضمن تصور منبثق من رسالة الرحمة التي أرسل الله بها محمدا للعالمين، حينها سينتشر العدل ويشرق في الكون فجر جديد،وإلى ذلك الحين لن تسمع من المخلصين من الأمة سوى إصرار جيل كامل يقول: لن أهاجر.

لن أهاجر سأبقى هنا... تحت القصف في غزة، أمام بيتي المهدوم في رفح،سأرفع رأسي وأتخيل لي بيتا جديدا في تل الربيع، سأبقى هنا في حلب استقبل براميل الموت دون جزع، وأخطط لبناء مدينتي بعد النصر، سأودع أبنائي في حمص وأدفن عائلتي في دمشق وأرى القذائف تخترق جدران بيتي في الفلوجة لكني سأبقى هنا.

سأبقى هنا واقفا تحت زخات الرصاص كعصفور تحت المطر، لكنى سأتقدم نحو ميدان التحرير، سأركض في شوارع القاهرة باحثا عن انبوبة غاز،وأمض الليل بدون كهرباء لكنيسأبقى هنا. ولن أرحل، سأحفظ القرآن في زنازين الأمن الوقائي واتعلم التجويد في سجون الداخلية واللغة العربية في أقبية المخابرات لكني... لن أرحل.

لن أرحل من صنعاء ولن تخيفني طائرات بلا طيار، سأقف على حواجز التفتيش أياما وأبيت ليال على معبر حدود مصطنعة في بلادي لكني لن أرحل،سأنظر في عيون جلادي وأشفق على اخوتي وسيتقطع قلبي على أبناء أمتي حزنا ..كمدا وهم يهاجرون... يغرقون.. يقتلون.. يتسممون بالعلمانية لكني ...لن أرحل.

لن أرحل وإن عشت في خيام اللاجئين في تركيا أو الأردن أو لبنان، وحتى لو تلويت جوعا في مخيم اليرموك ... لن أرحل وإن عُذبت في سجون المخابرات الجوية أو نُقلت بطائرة من "أبوغريب"إلى سجون مصرية ... لن أرحل وإن أصابتني رصاصة قناص في رابعة أو فُقأت عيني في مسيرة أو قتلت طفلتي في مواجهة ... سأصمد هنا ولن أرحل.

لن أرحل وإن أمطرت السماء قنابل فسفورية وملئت الأرض بعناصر أمنية، وأُقفلت في وجهي كل الدروب وتأمر على كل من في البرية، لأنّ الأمر أعظم مني وأعظم من عيشة في كندا أو لندن .... قد أظنها هنية، الأمر طاعة لله أو عيش في معصية،فأنا جيل أعرف لماذا خُلقت ولأي هدف أعيش وبأي هوية، لذلك قررت أن أبقى هنا لأصنع الحرية.

حرية الانعتاق من كل عبودية واستبداد .. إنعتاق من عبودية الاستعمار والرأسمالية واستبداد الشهوات والنعرات والمادية، وتحرر من كل قيود الجهل والتضليل وشعوذات العلمانية،فلا سايكس بيكو تقيدني، ولا كامب ديفيد يعنيني، ولا دساتير الاستعمار توقفني، ولا انتخابات تخدعني، سأمضي في طريق الحرية والتغيير الجذري الذي يقتلع كل استبداد واستعمار من بلادي.
بلادي سأُصّعد فيها الثورة، سأخطب في كل مسجد وسأحشد الأمة في كل ميدان وسأرفع صوتي في ساحات الجامعات، وسأخاطبهم في بيوتهم ومحلاتهم، سأصل للضباط والقادة والجند استنصرهم ليقوموا بواجبهم تجاه أمتهم. لن أصمت لن أطأطئ الرأس للبلطجية والشبيحة، ولن أترك بلادي لهم ولن أهاجر.
لن أهاجر لأنني جيل تربى على الشوق ليوم تُقام فيه لأمة الإسلام، دولة تحرر الأرض وتستعيد المقدسات وتحمل الإسلام رسالة نوَّر وهداية ورحمة للعالمين،وإلى أن تُقام دولة الخلافة ويُعبد الله في الأرض بتطبيق شريعته سأبقى ثائرا على كل عبودية لغير الله، لذلك .... الثورة يجب أن تستمر.

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

8-10-2014

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

غزة تفتح موسم الثورات من جديد

غزة تفتح موسم الثورات من جديد
د. مصعب أبو عرقوب *

قد تخلو ميادين التحرير  من الثوار لبرهة  ، وقد يصاب البعض بالإحباط واليأس من إفرازات الربيع العربي ..فيرجع إلى بيته ليجلس الساعات الطوال أمام فضائيات ووسائل إعلام لم يعد يثق بأي كلمة تقولها, وقد يهاجر بعض أبناء الأمة المخلصين من بلادهم..ليتركوا البلاد للبلطجية والشبيحة ..وقد يستسلم البعض أمام علو موجة الثورة المضادة....، ويعود آخرون لمزاولة حياتهم الروتينية التي اعتادوا عليها قبل الربيع العربي .
ربيع أخرج الصامتين يوما إلى ميادين التحرير ورفع رؤوساً لطالما نكست أمام بلطجية  الشرطة و شبيحة المخابرات ،، ربيع حرك في الأمة آمال تحرير المقدسات واستعادة الأرض المباركة ،، وفتح آفاق المستقبل لشباب ثائر على شيخوخة الاستعمار والذل والتبعية التي عاشت الأمة فيها لعقود .
عقود ناضلت فيها أجيال ونخب لم تصمت  .....فهرمت إلى رأت تلك الحشود تنزل الميادين منادية بسقوط النظام لتخرج كلمات ذلك الثائر معبرة عن مرحلة شاقة من حياة الأمة.... "هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية ".
لحظة لم تكن لتلد إلا بعد مخاض عسير وألم كبير وبركان كان يحتشد..ينضغط.. يتعاظم تحت قشرة الرضى الزائف والصمت الخادع والانكسار المتوهم ، لكن الشعوب الثائرة خرجت دون الالتفات إلى التفاصيل ودون تحمل أعباء التخطيط  وأوكلت أمرها إلى " أوساط سياسية ملوثة  " ارتبطت عضويا بالأنظمة السابقة ممارسا وفكرا وتصورا وتبعية متوارثة عن الأنظمة البائدة  للغرب المستعمر ومشاريعه .
غرب استعماري استثمر في عملائه المخضرمين ليعتلوا سدة الحكم من جديد ويقودوا ثورة مضادة لثورة الشعوب للحفاظ على مصالحهم ونفوذهم في بلادنا ، فكان له ما أراد في بعض الدول ... وأوغل في دماء الأمة في تلك البلاد التي لم يستطيع إخضاعها بالسياسية والدهاء فقتل عشرات الآلاف على يد نظام الأسد في محاولة يائسة لاستعادة نفوذه في منطقة لم يجد فيها إلا الآن بديلا لنظام تهالك خلف آلة القتل الاستعمارية دون جدوى ودون إرجاع الناس إلى بيوتهم كما في مصر وتونس واليمن..فازداد القتل والمكر الاستعماري لدفع الناس ثانية إلى بيوتهم وحشرهم في تفصيلات حياتهم اليومية التي عقدها الاستعمار وأذنابه  في كل جزيئية.
ومع عودة الكثيرين إلى بيوتهم وانغماسهم من جديد في حياتهم الشخصية وانكسار بعضهم ونفاد صبر آخرين  وتكسر آمال شريحة عريضة أخرى وفي لحظة بدأت فلول الأنظمة الساقطة بالتقاط أنفاسها  وظن أهل الثورة  أنهم قد سحقوا...
جاءت غزة مرة أخرى ...لتصنع الأمل وتقف من بين الركام رافعة الرأس ..تلتفت إلى تلك الجموع الهاربة من مسئولياتها والمنكسرة أمام أول عقبة من عقبات التغيير الجذري لتصرخ فيهم....عودوا إلى رشدكم عودوا الى ارض المعركة ... تستطيعون التغيير ولن يحمل عبء تغيير واقعكم إلا انتم ...لا تتراجعوا ..ارفعوا رؤوسكم من جديد المعركة لم تنته بعد.. أنتم من اقتلع ابن على ومبارك والقذافي وصالح وهم في أوج طغيانهم وأنتم من سيقتلع كل أذنابهم وأشياعهم من جديد ..لا تعولوا إلا على أنفسكم.. فلن تجدوا سلما شخصيا وحياة طبيعية أبدا وانتم محاصرون حاضرا ومستقبلا بالاستعمار وأذنابه...صرخات غزة تلك ترددت في وعي أبناء الأمة عبر صور يومية ومشاهد اختزلت ثقافة امة مستعدة للتضحية .
تضحية تجسدت في مواقف الرجال والنساء والأطفال الخارجين من تحت القصف رافعي الرؤؤس مُتَحَدين ، تجسدت في وداع أب لأبنائه الشباب واحتسابهم عند الله شهداء... في صبر امرأة لم يتبقى لها من أبنائها الستة احد، في شموخ رجل فقد عائلته وبيته في قصف بعد تأديتهم لصلاة الفجر جماعة في منزلهم...في عيون طفلة لم يجرؤ احد على البوح لها بموت عائلتها ...في عزة اب وقف يرثي ابنه الاستشهادي ، في إباء امرأة لم تعرف أين بيتها من هول الدمار ..صارخة " سنبني من جديد ولكننا لن نهزم ولن نرفع الراية البيضاء " في مشهد يجسد عزة افتقدتها الأمة .
عزة تلألأت في أعقاب صواريخ " بدائية " أخضعت بعبعا من ورق روجت له أنظمة دول الطوق وضخمت قوته  ...فارتكس كيان يهود وعاد إلى حجمه الطبيعي في لقطة حية أمام أعين أبناء الأمة الإسلامية .
امة رأت الآن اسودا يقتحمون الثكنات فيهرب أمامهم جنود جيش احتل الأرض المباركة ولا يزال، اسودا لم ينتظروا عقودا ليرجحوا موازيين القوى الموهومة ...بعضهم صبر في الأنفاق شهرا ليخرج حامدا الله على السلامة......مشهد يعيد للأمة تلك اللحظة التاريخية.
لحظة اعتصمت فيها الجماهير في ميادين التحرير لأسابيع مطالبة بإسقاط النظام...ها هم أبطال غزة يمكثون شهرا في الأنفاق..هاهم أهل فلسطين وغزة يرزحون تحت الاحتلال والعذاب والقصف والحصار..لكنهم ينكسروا ولم يعدوا القهقرى ..بل عادوا أقوى واشد ليرسموا للأمة طريق التغيير...صبر واحتمال وتحمل وتشبث بالمعنى الحقيقي للحياة والموت... للعزة والتضحية واستشراف المستقبل .
فالمستقبل لا يشرق إلا بالتضحيات ، وواقع الأمة لن يتغير إلا بذلت الغالي والرخيص في سبيل النهضة وتفعيل مشروعها الحضاري المتمثل في إقامة الخلافة الراشدة التي تجمع الأمة في كيان سياسي واحد يلم شتاتها ويحطم حدود سايكس بيكو اللعينة ويحرر الأرض ويستعيد المقدسات والأرض المباركة وما احتل من بلاد المسلمين ويستعيد ثروات الأمة المنهوبة ، ولن يكون ذلك إلا واصلت الأمة ثورتها وعادت تلك النخب المخلصة  التي غادرت ميادين التحرير إلى مكانها في الثورة .
فالثورة تحتاج إلى كل أبناء الأمة وانكفاء بعض النخب المخلصة من أبناء الأمة على حياتهم الشخصية عقد مهمة التغيير وقلل من حرارة الحراك الثوري في الميادين، فعندما اقفل الطبيب على نفسه عيادته والمهندس مكتبه والتاجر محله واعتكف المثقف والأكاديمي والعالم بين الكتب  ..وصل أبناء تكساس و شذاذ الأفاق  إلى عاصمة الرشيد واحتلوها ،،وصعد البلاطجة والشبيحة وعصابات الاستعمار الى سدة الحكم  ليحكموا  خير امة أخرجت للناس .
أمة باتت تدرك إن حياة أبنائها الشخصية يتحكم بها الاستعمار وأذنابه ، فالأمر لم يقتصر على احتلال الأرض ونهب الثروات فقط ،  فالأنظمة  التي تحافظ على مصالح الاستعمار لا تتجذر إلا بزرع ثقافة استعمارية تضمن العبودية والخضوع للمستعمر ، فالعلمانية والديمقراطية أصبحتا حصان طروادة للمستعمر يضمن بهما وجوده ونفوذه في بلادنا ...فلباس البنت أو الزوجة والأخت والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل تفاصيل حياتنا ستصاغ على هوى المستعمرين الغربيين إن لم تتحرك النخب المخلصة للتغيير الجذري وتقود الأمة.
امة آن لها أن تلتقط رسالة غزة في التضحية والإصرار والتعلق بالعقيدة ومعنى الحياة الحقيقي في الثقافة الإسلامية...  ونخب آن لهم آن يدركوا أن لا مستقبل لهم ولا لأولادهم إلا إذا عادوا ليضطلعوا بالعمل الحقيقي الذي أوجبه الله عليهم لينخرطوا بكل قوة في  العمل لنهضة الأمة وانتزاع سلطانها المسلوب وإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تعيد الأمة إلى عرش عزتها وتحمل الإسلام رسالة نور وهداية للعالم والى أن يكون ذلك فان على الثورة أن تستمر .
18-8-2014

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين 

الخميس، 3 يناير 2013

الربيع العربي...الخروج من المصفوفة


الربيع العربي...الخروج من المصفوفة
                                                                                د. مصعب أبو عرقوب*
"الشعب...يريد...اسقاط النظام"، تلك كانت البداية، وبذلك الشعار أعلنت الشعوب عن فلسفتها في الثورة، فلا تحرر من العبودية وضنك العيش إلا بإسقاط النظام، فلسفة بسيطة لكنها عميقة خرجت من رحم المعاناة والقهر والشقاء والمفارقات التي عاشتها الشعوب و أدركت من خلالها عبثية الحلول الجزئية ولمست مرارا وتكرارا تناقض أفكارها وقيمها وآمالها وطموحاتها مع النظام ووجوده، فخرجت مصرّحة بتلك الفلسفة منادية بالحل الجذري المتمثل في اسقاط النظام.

ذلك النظام الذي حبس شعوب الأمة في دول اقليمية ضيّقة شكلت كل واحدة منها مصفوفة من القوانين والعلاقات والحدود والدساتير والنظم السياسية والإقتصادية والتعليمية تضمن تبعيتها للنظام وعبوديتها للقائمين عليه، وما لم تحرر الشعوب من قوانين تلك المصفوفة فإنها لن تهدد النظام وسيبقى وإن سقط بعض رموز النظام وحراس المصفوفة ستبقى الشعوب تكابد التبعية للنظام والعبودية لقوانينه والارتهان لقراراته، فهي تعيش حبيسة للمصفوفة.

فالمصفوفة التي وضع قوانينها النظام الرأسمالي العالمي البغيض تفرض بقوانينها هيمنة وعبودية أبدية إن بقيت حاكمة في بلادنا، فالتقييد بنظمها وعلاقاتها لا ينتج إلا مزيدا من التبعية وضياع الثروات والطاقات ، فالتسيج بسياج سايكس بيكو جزء من قوانين المصفوفة ومعالمها البارزة يكرس شرذمة الأمة وتفتيت كيانها، والالتزام بالمعاهدات الدولية رقم آخر في المصفوفة يضمن ضبط عملها في حدود النظام الإستعماري، والمحافظة على كامب ديفيد وعملية "السلام" يبقي سقف الآمال ضمن قوانين المصفوفة، وارتباط الإقتصاد بالنظام الرأسمالي والبنوك والقروض الربوية والخصخصة والمساعدات الخارجية أبقى ثروات الشعوب نهبا للنظام الاستعماري وبلادنا سوقاً استهلاكية كبيرة لبضائع الغرب ومنتجاته...وضمنَ  بذلك استقرار المصفوفة لعقود؛
عقود دخلت فيها قوانين المصفوفة إلى مناهج التعليم محاولة غَرس الثقافة الغربية في عقول أبنائنا، فأصبحت رموز المصفوفة وعلاقاتها وأرقامها التي تضمن هيمنة النظام تدرس على أنها منهج حياة لارجعة فيه، فقُدّست الوطنية الضيّقة ومُجّدت الديمقراطية وأصبح فصل الدين عن الحياة تقدماً، والنظام الجمهوري تمدناً والدولة المدنية العلمانية مطلباً ..لتكتمل بذلك قوانين المصفوفة وتستحكم حلقاتها وتضيق على الشعوب؛
شعوب عريقة ذات ثقافة عميقة في النفوس، وفكر متميز لم يغادر المخلصين من أبنائها الذين حلّقوا بفكرهم  دوماً خارج أسوار المصفوفة، وعقدوا لشعوبهم المقارنات بين ما يجب أن تكون عليه وما تكابده من عيش ضمن تلك المصفوفة البغيضة، فأنتج ذلك فكراً اختمر في وجدان الأمة على مر السنين ليخرج ثورة...تنادي بالخروج على قوانين المصفوفة وإسقاط النظام برمته في بلادنا ، فكانت.... المرحلة الأولى من الربيع العربي؛

ربيع أسقط رموز النظام وحراس المصفوفة في تلك المرحلة ، إلا أن الزعماء الجدد في بلاد الربيع لم يرتقوا إلى مستوى شعوبهم التي غرّدت خارج المصفوفة، وأصرّوا على البقاء ضمن أسوارها بانتمائهم القديم إلى تلك الفئة التي عاشت في كنف النظام وسيطرت قوانين المصفوفة على عقولها وأطروحاتها في معالجة المشاكل، فتلك النخب التي أعطت الشرعية للمصفوفة عبر تشكيلها "للمعارضة الدستورية " التي كرّست قوانين المصفوفة...وانبثقت من رحم تجلياتها لا يكمن أن تفكر إلا ضمن حدود المصفوفة، فالمعاهدات الدولية والحدود والاتفاقيات والاقتصاد الرأسمالي والديمقراطية في نظر تلك النخب مقدسات؛

مقدسات هيمنت على أداء الزعماء "الجدد" والنخب "الجديدة" في دول الربيع العربي... مما قاد الشعوب لتدرك أنها تعيش مرحلة التأكد من ضرورة الخروج من المصفوفة نهائياً، فالحلول لقضايا الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تأتي في ظل الزعماء "الجدد" لدول الربيع العربي جزئية مرتبكة تبقي الشعوب حبيسة للمصفوفة القديمة التي دمّرت الشعوب ونهبت ثرواتها وأذلت أبناءها ودفعتهم للهجرة والغرق في البحار بحثاً عن لقمة العيش، وضيّعت مقدساتها، وأهدرت كرامة شعوبها بين الأمم، وهي ذاتها التي أخرجتهم يوماً مطالبين بإسقاط النظام في تحرك فاجأ تلك النخب؛

نخب وقفت حائرة عند خروج الشعوب ولم تستطع مواكبتها لأنها بقيت حبيسة المصفوفة ولا تتقن إلا لغتها، لغة الأمم المتحدة والسلام والمواثيق والنظام الدولي والمساعدات العسكرية والمعارضة والدولة المدنية والدستور الوضعي، وفي لحظة من الربيع ظنّت تلك النخب المتنفذة أنها قد استولت على "تركة الربيع"، فتقدمت -وبتلك العقلية المرتهنة للنظام الرأسمالي- لتصبح حرسا جديداً للمصفوفة القديمة!، فوقعت بذلك في ذات الخطأ الذي وقع فيه رموز النظام وحراس المصفوفة المخلوعين ، وانحازت للمصفوفة وارتبطت من جديد بالنظام العالمي الرأسمالي المستعمر فابتعدت كثيرا عن شعوبها وعن فلسفة الربيع العربي الذي خرج في وجه النظام ولأجل اسقاطه بدأ ثورته؛

ثورة ستكتشف تلك النخب وحراس المصفوفة الجدد أنها لم تتوقف بعد، وإنما دخلت مرحلة جديدة تسعى من خلالها الشعوب إلى الخروج من المصفوفة البغيضة حتى تتمكن من إسقاط النظام في بلادنا، فقد تحققت من ضرورة إكمال أهداف ربيعها وتأكدت الشعوب مرة أخرى من صدق فلسفة ثورتها.

ففلسفة الربيع العربي ، المتمثلة بإسقاط النظام،والتي صدحت به حناجر الشعوب في ميادين التحرير، لا سبيل إلى تحقيقها  إلا عبر التحرر من المصفوفة وكسر كل القوانين التي تبقي الشعوب في عبودية دائمة لها، فلا بد من كسر كل قوانينها وعلاقاتها وارتباطاتها ومقدساتها والخروج إلى فضاء الحرية ، ولا سبيل أمام  الأمة إلا الخروج من قمقم سايكس-بيكو والنظام الديمقراطي العلماني لتعيش في دولة واحدة منيعة قوية ضمن قيمها وقوانينها المتمثلة في الشريعة الإسلامية، لتحكم نفسها بنفسها بمنظومة تشريعية نابعة من عقيدتها، لا وجود فيها لدول إقليمية ضيّقة ولا معاهدات دولية تحرمها حقوقها وتسلبها أرضها وسيادتها، تشريعات وقوانين توزع ثروات الأمة على الشعوب وتطبق نظاماً اقتصادياً متكاملاً  قائماً على الأحكام الشرعية التي تحدد الملكيات وتقسم الثروات...تنشأ فيها ثورة صناعية قائمة على تحقيق الكفاية والمنعة للدولة الإسلامية ولو كلف ذلك المليارات، لأن العبرة في التحرر من النظام العالمي وليس تحقيق المكاسب المادية الرخيصة.

فالصناعات الثقيلة يجب أن تتوفر في دولة الأمة...دولة الخلافة، عبر إطلاق الطاقات واستفزاز الجهود في سبيل تحقيق التحرر والمنعة لدولة الاسلام كفرض شرعي يطال كل مسلم، ولابد لمناهج التعليم أن تحرر ومن أول يوم لتقوم على ثقافة الإسلام التي تحرر الإنسان من عبودية البشر وقوانينهم الوضيعة ليعيش في ظل عدل الإسلام وروحانيته، والحدود يجب أن تزال لتلتحم الأمة في الدولة الواحدة دون أن تعبأ بأي قوانين ومعاهدات ومصفوفات، فالإسلام يفرض أن تعيش الأمة في ظل حكم واحد ودولة واحدة، دولة تتكامل فيها ثرواتها البشرية والطبيعية لتشكل دولة عالمية حال قيامها بهذا المفهوم المتحرر من كل النظم والمصفوفات.

بذلك التحرر والخروج من المصفوفة نهدم النظام الرأسمالي  المستعمر في بلادنا، ونشكل نظاماً عادلاً فيه الأمن والسعادة والرخاء والروحانية التي افتقدتها البشرية، عالمٌ ما إن يرى ذلك النموذج المتحرر العادل حتى يبطل سحر المصفوفات الرأسمالية المتوحشة عالميا، لتبدأ شعوب العالم في الخروج على مصفوفاتها التي صنعتها لها الشركات الرأسمالية، ووضعت قوانينها النخب الرأسمالية المتنفذة والمتحكمة في أقوات البشرية وثرواتها...لينهار بذلك النظام الرأسمالي ويبدأ الربيع العالمي.
وإلى أن يزهر ربيعنا بإقامة الخلافة...يجب على الثورة أن تستمر.

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
30-12-2012

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

كلينتون والأسد ...والمولود الجديد


كلينتون والأسد ...والمولود الجديد
د.مصعب أبو عرقوب
"إنتهت الروم منهزمة إلى هرقل وهو بحمص والمسلمون في آثارهم يقتلون ويأسرون ويغنمون ،فلما وصل الخبر إلى هرقل ارتحل من حمص، وجعلها بينه وبين المسلمين وترس بها ،وقال هرقل: أما الشام فلا شام، وويل للروم من المولود المشئوم" ،..كتب ابن كثير ذلك في كتابه البداية والنهاية يصف معركة اليرموك التي مهدت الطريق أمام الفتوحات الاسلامية في بلاد الشام ووضعت حدا فاصلا في تاريخ العلاقة بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم.

وقد التقط هرقل بحنكته السياسية تلك الإشارات التي دللت على انبعاث أمة جديدة بفكر جديد سيجتاح العالم ،وسيقتلع  الامبراطورية الرومانية من كل مناطق نفوذها ، فودع دمشق "وداعاً لا لقاء بعده"، ولم يخفي "كقائد  تاريخي " خشيته المبررة من وصول رجال تلك الدولة الجديدة إلى عمق الإمبراطورية الرومانية، ليشكلوا تهديداً وجودياً على القوتين العظميين في ذلك الزمان ، فكانت "تصريحاته" تلك استشرافا لمستقبل تحقق أمام اعين الروم وغيرهم من الشعوب , ودللت عباراته تلك على دقة فهمه لطبيعة الامم  وحجم التغيير الذي اجتاح عقول تلك الامة الوليدة.
دقة في الفهم وإدراك لحجم التغيير... افتقرت له تصريحات وزيرة خارجية الولايات المتحدة وهي تنصب نفسها وصية على شعوب ثائرة، فتعطي الشرعية لفئة وتنزع الشرعية عن اخرى وتتهم اخرين بالتطرف وتعلن عن أسماء ترتضيها لتمثل الشعوب الثائرة وتقود زمام الثورة وتنصبهم قادة لمرحلة ما بعد الثورة ، في استخفاف واضح لشعوب الأمة الإسلامية العريقة ، وفي افتقار كبير لفهم مدى التغيير الذي يجتاح الأمة .
فالأمة قد تجاوزت منطق الدفاع عن قيمها وعن "سلمية ثورتها " وعن رقي وعدالة شريعتها ،ولم يعد شبابها في ميادين التحرير  بحاجة إلى التبرؤ من "الإرهاب" أو شرح معنى التطرف ومحاولة اقناع الغرب بأننا لسنا إرهابيين أو متطرفين ، فهذه الخدعة الطفولية لم تعد تنطلي على الثوار الذين خبروا على الأرض عدوهم الحقيقي، وذاقوا طعم الإرهاب والتطرف والوحشية والاستعمار على يد الغرب ووكلائهم في بلادنا، فقد لامست أجسادهم شظايا القنابل الامريكية وقذائف الطائرات الروسية ولم تسلم بيوتهم من الصواريخ الصينية، فلم يعد يعبأ من تحت النار والقصف والقتل بآراء وتصورات الغرب والشرق في شكل المستقبل الذي تريده الأمة، وتسعى لصياغته،فالعدو ليس شريكا ولا تقبل منه نصيحة.
نصيحة..كتلك التي تقدمها الولايات المتحدة للثوار و "للمعارضة"  في سوريا على لسان وزيرة خارجيتها "التي أعربت عن قلقها حيال تمدد القوى الإسلامية المتشددة في سوريا منتقدة المعارضة التي قالت إنها لم تقم بما يكفي من أجل وقف ذلك " ،لن تلاقي تلك النصيحة  أي اهتمام من الشعوب الثائرة، ولن ينبري الثوار لتبرير مواقفهم وبعدهم عن "الإرهاب"،  كما لن يجهد اهل الثورة انفسهم في شرح معنى الارهاب والتطرف كما جرت العادة عند المهزومين من الداخل، فالثورة قد تخطت تلك الحقبة التاريخية ، وخرجت الشعوب لتعلن " الشعب يريد إسقاط النظام"، فقد آن لكلينتون ودولتها أن تدرك أن الشعب يسقط الأنظمة ,وأن الشعوب هي التي  تعطي الشرعية، وأن شرعية الأنظمة لم تعد تستمد من المستعمرين الطامعين في بلادنا بعد الآن، وأن الأمة تريد أن تعيش وفق منظومة قيمها الحضارية العريقة، ولا تريد أن تعيش وفق أنظمة ثارت عليها واكتوت بنار ذلها وتبعيتها للمستعمر ،فهي لا تريد العيش مجددا على مقاس أطروحات الديمقراطية والعلمانية.
فالأمة باتت تدرك أن علمانية الدولة وطريقة العيش الغربية تبعدها عن مصادر قوتها وقيمها وحضارتها واستقلال قرارها وسيادتها على ثرواتها، فالعلمانية تقرب الأمة من الغرب وطريقة عيشهم وتفكيرهم وتقيد وحدة الامة وتطلعاتها وتضمن تسلط مافيا الانظمة الحاكمة وارتهان قرارها للغرب المستعمر الذي يدعم العلمانية كنظام حكم يؤمن مصالحه في بلادنا ...هنا التقط الأسد اللحظة التاريخية ليستدر عطف الغرب ويحذر من نفس الخطر فالتقى في تحذيراته مع كلينتون على أرضية واحدة، وهي أساس المعركة وجوهرها.
فجوهر المعركة هو الصراع بين طريقتين مختلفتين في العيش فالنظام السوري يعتبر نفسه "المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة" ويعتبر أن العالم من هذا المنطلق غير قادر على تحمل "تكلفة غزوه" للنظام السوري، فالتضحية بالمعقل الأخير للعلمانية وبحسب الأسد " سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، ولذلك فان الأسد والى الآن مطمئن:  " لا أعتقد أن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكن إذا فعلوا ذلك، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث بعده." ، لكن الغرب لن يضحي به قبل أن يصنع البديل ان استطاع .
بديل يسعى الغرب لتشكيله على عجل قبل أن يسقط المعقل الأخير للعلمانية التي تضمن مصالح الغرب في بلادنا وتكرس تبعية الأنظمة والحكام للغرب وترمم نفوذ المستعمرين وتسلطهم على ثروات بلادنا ، وتقف سدا أمام انبعاث الأمة الإسلامية من جديد ، لكنه بديل يصنع بإرتجالية متسرعة في أروقة الفنادق بعيدا عن نبض الأمة وميادين التحرير ويفتقر ثانية إلى دقة الفهم وإدراك حجم التغيير الذي اجتاح الأمة الاسلامية ،بديل لم يلتقط صانعوه الإشارات التي تستشرف المستقبل او أنهم يحاولون معاندة حركتها فجاء مولود الدوحة سقطا لا حياة فيه ،فالأمة خرجت للميادين وأدرك ثوارها وشبابها معنى القوة الحقيقية التي يستمدوها من قيمهم وعقيدتهم وصدق انتمائهم لأمة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ.
تاريخ عريق ..انتشر عبقه في ميادين التحرير وأزقة حمص وحواري دمشق العتيقة ، فعادت أسماء الصحابة ورايات الإسلام وألوية  الجيوش ومصطلحات العزة والوحدة والتحرير تقود شباب الأمة من جديد، وعادت مؤتة و اليرموك وحطين وعين جالوت وغيرها من أيام العزة لتفرض رؤية متصلة بالواقع والثورة، وارتسمت على أرض الشام صورة مكررة لوقوف أمة بقليل عدة وعتاد أمام أعظم قوة وأعظم إمبراطورية في ذلك التاريخ، بهذا تنبض قلوب الثوار وبذلك العزم الذي اجتاح العالم يخطون أروع الملاحم ويبرقون للأمة أصدق الإشارات .
إشارات التقطها هرقل قبيل معركة اليرموك فنصح قومه قائلا " ويحكم إن هؤلاء أهل دين جديد، وإنهم لا قِبَلَ لأحدٍ بهم، فأطيعوني وصالحوهم بما تصالحونهم على نصف خراج الشام، ويبقى لكم جبال الروم، وإن أنتم أبيتم ذلك أخذوا منكم الشام، وضيقوا عليكم جبال الروم." ، " فنخروا من ذلك نخرة حمر الوحش كما هي عاداتهم في قلة المعرفة، والرأي بالحرب، والنصرة في الدين والدنيا." والكلام لابن كثير، فأصروا وعاندوا تلك الإشارات ..فكان الوداع الذي لا لقاء بعده ،وضاقت جبال الروم عليهم أمام تلك الأمة الحية .
أمة تنبض الآن على وقع معارك الشام ، بأفق يتعدى حدود سايس بيكو المصطنعة ويتجاوز الوطنيات الإقليمية الممزقة لجسد الأمة، لتدخل الأمة في حرب تشتعل في بقعة صغيرة من أرضها، لكنها تطال كل أبناء الأمة في باكستان والعراق وتركيا وأفغانستان ومصر الجزائر واندونيسيا والبنغال وماليزيا لتضعهم أمام حقيقة مفادها أن الحرب واحدة على أمة واحدة تريد اقامة خلافة تجمعهم وتذود عن حياضهم وتحرر ارضهم ومقدساتهم وتحمي إخوانهم في بورما ، فالمعركة في سوريا والحرب مع الأمة كلها، والإشارات لا تكذب.
اشارات عقائدية وميدانية تبشر العالم بمولود جديد ..خلافة موحدة للأمة الإسلامية ،تأخذ الشام وتضيق الجبال على الروم والفرس ،وتحمل الإسلام رسالة نور وهداية وعدل لعالم ضجر وكابد وحشية الرأسمالية وعلمانية النخب المتنفذة ..وإلى أن يسعد العالم بذلك المولود الجديد....يجب على الثورة أن تستمر.

15-11-2012

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

الحج في موسم الثورات


الحج في موسم الثورات


د.مصعب أبو عرقوب
"تواضعت ‏الجبال... لدعوة ‏الخليل ‏إبراهيم ‏عليه ‏السلام ‏حين ‏انتهى ‏من ‏بناء ‏البيت ‏العتيق ‏ونادى ‏الناس ‏لحج ‏بيت ‏الله ‏الحرام‏، حتى ‏بلغ ‏الصوت ‏أرجاء ‏الأرض فأسمع ‏نداؤه ‏من ‏في ‏الأصلاب ‏والأرحام ‏فأجابوا ‏النداء ‏‏"‏لبيك ‏اللهم ‏لبيك"، ليتقاطر الناس إلى مكة المكرمة من كل فج عميق في "استجابة الروح لله الذي نفخها من روحه فصار الإنسان إنسانا. وهو المعنى الذي يليق بالأناسي أن يتجمعوا عليه, وأن يتوافدوا كل عام إلى المكان المقدس الذي انبعث منه النداء للتجمع على هذا المعنى الكريم".

فالإسلام يجمع البشرية على عقيدة واحدة تحررها من كل عبودية لغير الله، وعقيدة التوحيد إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، وثورة عالمية على العبودية لغير الله، وتحرير للإنسان من كل عبودية لغيره من بني الإنسان، وتحريره من الخضوع للجهل والشعوذة وتسلط "رجال الدين- حسب تسمية أهل الديانات الأخرى"، وإغواء الشهوات، وكسر لكل قيود الهرطقات والتمتمات، وإطلاق لطاقات البشر ليسيحوا في الأرض إعمارا واكتشافا لقوانين الخالق ونواميسه في الكون.

فالثورة التي أعلنها الإسلام وجمع عليها البشرية، ثورة على كل أنظمة الحكم والدساتير التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، وعبودية الإنسان للإنسان، هدفها ابتداءً إزالة كل تلك الأنظمة والدساتير والعصابات الحاكمة، ليحكم البشر بنظام تكون قاعدته العبودية لله في ظل تطبيق شرعه، وبعد إزالة تلك المعيقات والقيود التي تكبل البشر وتقيدهم،،، يصبح البشر أحرارا بالفعل في اختيار عقائدهم بعيدا عن تأثير الرأسمالية ووحشية جيوشها وجشع شركاتها التي أغرقت الشعوب الفقيرة في عالم من العبودية.
عبودية.. جاء الإسلام بأفكاره ومشروعه الحضاري ليحررهم ويخرجهم منها إلى عدل أنظمته وروحانيتها، فَََنَظّمَ الإسلام العلاقات بين بني البشر على أساس بشريتهم، لا فضل لأعجمي على عربي إلا بالتقوى، الغني والفقير سواء أمام الأحكام الشرعية، الوزير والغفير سواسية أمام القضاء، الكل سواسية أمام الدستور، ولا اعتبار لعرق أو طائفة أو اعتقاد، فالكل أمام أحكام الشرع المطبقة في دولة الاسلام  "رعايا" يحملون التابعية بغض النظر عن دينهم أو عرقهم فالكل سواء.

سواسية لا فرق بينهم... وهو المعنى الذي يجسده الحج، فترتسم في مناسكه لوحة تليق بالبشرية، فالكل في الحج متحررون إلا من الخضوع لأنظمة دقيقة فرضها الخالق، وبينها رسول هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والتسليم، يجتمعون رغم كل  الفروقات في اللغة والعرق والمظهر ليشكلوا هوية راقية تبتعد عن وحول العنصرية والطائفية والمادية والمصلحة التي تعمي القلوب وتسحق الشعوب، هوية تتجاوز حدود الجغرافيا وتقسيمات سايكس بيكو ونفوذ الأجانب في بلادنا... هوية تعيد كل عام للأمة ذاكرتها... وتلهب في موسم الحج من جديد ثورتها، وتحدد معالم ربيعها المنشود.

فالربيع "العربي" أعاد مفهوم الأمة الإسلامية لموقع الصدارة الجدي.ر بها، فالربيع لم توقفه حدود سايس بيكو اللعينة، وتنقل بين بلدان الأمة الإسلامية لينظم شعوبها في ثورة تغييرية تناولت نفس الشعارات، وأطلقت ذات الآهات والأنات، وخرجت تلك الشعوب لتعبر عن ذات الألم والأمل في التحرير و الإنعتاق من هيمنة المستعمر وأتباعه، خرجت لتتنفس عبق المجد المسلوب والانتصارات الموروثة، خرجت تنشد عدل الفاروق وعزة هارون الرشيد في مراسلته لأعداء الأمة، خرجت باحثة عن صلاح الدين في ميادين التحرير، في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا، خرجت تبحث عن مصدر قوتها وعزتها وانتصاراتها... خرجت لتعيد حضارتها إلى حيز الوجود... خرجت لتعيد أمجاد الأمة.

فالأمة الإسلامية وعبر عقود من التجزئة والتفكيك ومحاولات التذويب في سوائل الإقليمية والطائفية المائعة، عادت لتستشعر وحدتها وارتباط أعضائها ببعض، وكان الحج دوما يحمل تلك الرسالة ويجسدها لكل شعوب الأمة الإسلامية في مؤتمره السنوي الحاشد، ليؤكد على أنّ حالة التفكك والتشرذم التي تعيشها الأمة الإسلامية حالة غير طبيعية لأمة عريقة حكمت العالم ونشرت عدل مبدئها بين شعوب الأرض، فغياب دولة الخلافة الجامعة للأمة يعد استثناءً قبيحاً في تاريخها المليء بالانتصارات والتقدم والتربع على عرش الحضارات والأمم، والحج إذ يعيد لكل مسلم هذه المعاني السياسية الراقية... يصبح موسما للوخز بالإبر لكل من يحمل طرحا وطنيا إقليميا ضيقا لشعوب الأمة الإسلامية.

فلا يجد أصحاب الأطروحات الوطنية المفصلة على مقاس حدود سايكس بيكو الاستعمارية لهم مكانا في موسم الحج، ولا تجد دعوتهم في "إعادة تشكيل الهوية الوطنية للشعوب بعد الثورات" أي صدى لدى أمة بعثت كل قرية صغيرة نائية فيها ممثلا أو أكثر عنها إلى مؤتمر الحج الأعظم، ليعود ويقص بشوق وحرقة ما شاهده من اجتماع المسلمين من كل الأجناس والأعراق، ويعبر ببساطة شديدة عن ضرورة اتحاد هذه الأمة في كيان واحد يجمعها، فكل الحجيج تعود بالدعاء بالوحدة والتمكين للأمة، وتضع المفارقات والتناقضات في ميزان بسيط، لتخرج بنتيجة مفادها... أنّ الحل لمشاكل الأمة فقط يكمن في الوحدة ولم الشمل في دولة للمسلمين واحدة، يحكمون فيها بشرع الله .

وبذلك التصور الذي يجسده الحج كل عام تدخل الأمة في طور جديد من ثورتها، لتسقط كل الأطروحات الإقليمية والوطنية الضيقة التي ثارت عليها الأمة، والتي شكلت حاجزا منيعا لعقود أمام الأمة وأمام انبعاثها من جديد، فالأنظمة المهترئة وما خلع من قياداتها كانت دوما الحارس الأمين لمصالح المستعمرين وأطماعهم في بلادنا، وكانت حدود تلك الأنظمة هي السياج الذي يمنع الأمة من التوحد والوقوف أمام المستعمر، والقيود التي تمنع الأمة من التحرر وتفعيل مشروعها الحضاري المتمثل في إقامة دولة الخلافة.

فالمشروع الحضاري للأمة الإسلامية لا بد له من إزالة تلك الحدود الاستعمارية التي تقيد الأمة وشبابها وتنهب ثرواتهم وتمزق طاقاتهم، فلا نهضة لمصر بدون السودان، ولا أمن لسوريا بدون تركيا، ولا عزة للجزائر بدون المغرب، ولا غنى للحجاز عن اليمن، ولا تحرير لفلسطين بدون الأمة الإسلامية، ولا صون لحضارة المسلمين ومقدساتهم وأعراضهم إلا بوجود كيان واحد يجمعهم... في دولة الخلافة، وبذلك لا يبقى مكان لدعاة الوطنية والإقليمية الضيقة بين دعاة النهضة والتغيير والثورة على الاستعمار والتبعية.

والثورة على الاستعمار والسعي للتحرر نقيض التبعية والتقيد بما أفرزه الاستعمار وفصّله على مقاسه ومصالحه في بلادنا، ولا منطق يبرر التشبث بحدود رسمها المستعمر  إمعانا في تقسيم الأمة وتجزئتها... إلا رغبة فلول الأنظمة المهترئة في تكريس وجود الاستعمار وتثبيت أركانه في بلادنا، والإصرار المفضوح على التبعية والدونية أمام المستعمرين من قبل "المعتدلين"، ليكتمل المشهد بإعلان الفلول والمعتدلين الحرب على كل الثائرين في ميادين التحرير،  وتجريم كل من يتخطى بتفكيره ومشروعه تلك الحدود المصطنعة ليشير إلى مشروع الأمة الوحدوي المتمثل في إقامة دولة الخلافة، وبذلك دخل "أصحاب الطرح الوطني الإقليمي الضيق" ومن شايعهم من "الزعماء الجدد " في تناقض مكشوف مع  أبسط معاني الثورة.

فالثورة في أصدق تجلياتها لا تعني إلا التحرر من كل القيود القديمة التي كبلت الأمة ومنعت نهضتها وكرست تبعيتها وعبودية قادتها للغرب، فدعاة إعادة تشكيل الهويات الوطنية للشعوب الثائرة يطرحون تكبيل الأمة الثائرة من جديد بتلك الحدود "الوطنية" التي أنتجها المستعمر وحافظت عليها مافيا العصابات الحاكمة في عالمنا الإسلامي، وهو طرح يتوافق مع مصالح المستعمرين الذين باتوا يلمسون صحوة الأمة وشوقها لاستعادة وحدتها ومكانتها بين الأمم، ويتعارض ذلك الطرح مع ثوار الأمة وحجيجها... وكل ما تعتقده الأمة من معتقدات.

فالحج ركن الإسلام الخامس... في كل عام ينعقد ذلك المؤتمر المليوني في أطهر بقاع الأرض وفي أفضل الأزمنة، ليضم المسلمين بين جناحيه، يذكرهم... ويرفع من هممهم، ينظمهم في سلسلة حضارية تخترق العقول والقلوب ولا تقف أمامها الحدود والأسيجة، لتعلن لكل أولئك المضبوعين بالثقافة الغربية والوطنية الإقليمية... لتعلن لهم أنّ أمة الإسلام أمة واحدة من دون الأمم، وأنّ انتظامها في الحج فريضة،،، وانتظام عقدها في دولة واحدة... دولة الخلافة فريضة أيضا... وإلى أن تعيد الأمة تفعيل مشروعها الحضاري وتعيش في تلك الدولة التي تحكم فيها بالإسلام وأنظمته... إلى... أن تعلن إقامة الخلافة، إلى أن يكون ذلك... سيبقى الحج في موسم الثورات،،،،،،
 وسيكون لزاما على الثورة أن تستمر.
د.مصعب أبو عرقوب
29-6-2012