الأربعاء، 17 يونيو 2009

اوباما ...وتصفيق الكومبارس









اوباما ...وتصفيق الكومبارس





د.مصعب محمد أبو عرقوب


"خمسون ألف روماني... يراقبون كل حركة من سيفك يرغبون بان تجعل ضرباتك قاتلة .. الصمت قبل ضرباتك ..والصياح والتصفيق بعدها يعلو... ويعلو مثل العاصفة وكأنك إله الرعد نفسه", بذلك الوصف أغرى سيدٌ أحد المصارعين ليشارك في حلبة الصراع في الكولوسيوم أشهر مسارح ذلك العصر، ففي قمة عظمتها كانت الإمبراطورية الرومانية تقيم حلبات للمصارعة تسحر الجمهور، وتصرف انتباههم عن فتك الطاعون ومآسي الحياة التي يكابدون، وغالبا ...ما ينتهي العرض بمقتل احد المتصارعين فتسيل الدماء وتفوح رائحة الموت..
والغريب أن الجمهور كان يصر على قتل الخاسر ليستمتع بلون الدم ..فيضج المسرح بالصراخ والتصفيق في مشهد أبعد ما يكون عن الإنسانية.
وفي مشهد آخر من عصر الجاهلية كانت طقوس العبادة، طواف حول الكعبة يعلوه التصفيق والصراخ ..واستمر التعبير عن المشاعر المختلطة أحيانا والمتناقضة أحيانا أخرى بالتصفيق والصراخ كظاهرة تصاحب أحداث يصعب نسيانها،
و يفسر احد نواب مجلس الدوما السوفيتية سر مشهد التصفيق المتواصل بعد خطاب ستالين...يفسره بخشية الحضور على حياتهم من سطوة الزعيم ومعتقلاته ونفيه لخصومه في سجون سيبيريا و صقيعها إن توقفوا عن التصفيق قبل أن يطلب ستالين منهم ذلك.
وفي مشهد درامي مشابه ومن جامعة القاهرة هذه المرة تعالت الصيحات واخترق التصفيق كلمة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مرات ومرات، مناقضا لكل المشاعر و المشاهد والسيناريوهات.
فأوباوما... وإن وقف كمصارع في الكولوسيوم شاهرا سيفه و الدم يقطر منه في العراق وباكستان وأفغانستان والصومال وفلسطين ،فإن الأمة الإسلامية التي وجه خطابه لها لا تستمتع أبدا بهذا المشهد الدموي الحزين ،ولا تشبه بحال من الأحوال سادية الجمهور في المسارح الرومانية، فهي أمة واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى....فلن تصفق له، كما أنها لم تعبد الديمقراطية ولن تطوف حولها ولا حول صنم من تمر إن جاعت أسواق الرأسمالية أكلته، فهي تملك نظاما أخرجها من الظلمات إلى النور و عاشت في ظله قرون، عزيزة منيعة صان بشرائعه حرمات نسائها ومقدساتها ....فلن تصفق له، ولم تؤمن يوما بهرطقة الدولتين وقسمة الأرض المباركة بين أهلها ومغتصبيها لتصفق له، ولن ترقص تلك الأمة طربا لإزالة مستوطنة هنا أو حاجز هناك فالقدس وفلسطين كلها ملك لهم, كما أنها لن تصفق له خوفا فقد طار الخوف من عيون أطفالها الذين تعودوا أزيز الطائرات، ورؤية الأشلاء في الأفراح والمناسبات، وباتت نزهتهم الوحيدة زيارة آبائهم في المعتقلات ،ولم تعد جيوش الاحتلال ترعبهم فللمقاومة في العراق ولبنان وفلسطين أمام ناظرهم صولات وجولات...فلن يصفقوا..
لكنه الاستعراض على الطريقة الأمريكية في هوليوود, فقد تنبه المخرجون لأهمية التصفيق كأحد المؤثرات الصوتية الضرورية لإعطاء الانطباع بالموافقة والإعجاب ،وإضفاء نوع من التفاعل مع المشاهدين، فبرزت أهمية استئجار بعض الممثلين الثانويين أو ما يسمون بالكومبارس مهمتهم التصفيق عند طلب المخرج ، أو القيام بأدوار ثانوية لا تغير النص ولكنها تضفي عليه نوعا من الواقعية والإثارة، وقد لا يبتعد دور الكومبارس ومهمته كثيرا عن المشهد السياسي في العالم العربي والإسلامي كظاهرة تفسر وجود ألاف من مدعي العمل بالسياسة والاضطلاع بشؤون الأمة يصفقون متى طلب منهم المخرج الأمريكي ذلك بما يتناسب مع النص ونوعية العرض.
إلا أن التصفيق في مشهد القاهرة جاء نشازا وخارجا عن السياق الموضوعي والتاريخي، فيبدو أن الجمهور خارج القاعة قد سئم هذه الاسطوانة المشروخة، وخرج من عالمه الافتراضي الذي صنعه المخرج وجوقته من الكومبارس السياسيين، فلم تعد المؤثرات الصوتية أو المرئية تخفي واقعه المرير، ولم تعد لا الوعود ولا التضليل يجدي نفعا مع أمة شاهدت كل الاستعراضات الوهمية وحرقت كل الأفلام وشبعت من أباطرة الكلام...امة ترنو للتغيير وهي ترى اوباما رئيسا لأمريكا في تحقق سريع للأحلام ,فقبل ست وأربعين سنة فقط وأمام مئتين وخمسين ألفا وقف الزعيم الأمريكي من أصل إفريقي مارتن لوثر كينج ليلقي واحدة من اشهر خطبه "لدي حلم"
أعلن كينج فيها رفضه للتمييز ضد أبناء جلدته " لن نرضى أبداً ما دام الزنجيُّ في المسيسيبي لا يملك حق التصويت ، والزنجيُّ في نيويورك لا يؤمنُ في شيءٍ يصوّتُ من أجله . لا ، لا ، لسنا راضين . ولن نرضى حتى يتدفّق العدلُ كالماء ، والاستقامةُ كالنهرِ العظيم.... لدي حلم . "... وفي مشهد تاريخي مؤثر.. صفق الجمهور المحتشد حول نصب لنيكولن التذكاري وعلت اصوات التأييد، واعتبر كثيرون ان رسالة لوثر كينج قد تحققت وان التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية.
فالأيام حبلى وعصر الإمبراطورية الرومانية قد ولى، وصار الكولوسيوم أثرا بعد عين وانتهت الجاهلية بخوفها وظلامها، و أطل عصر جديد لن يبقى فيه المسرح حكرا على الكومبارس يخذلون آمال أمتهم وتطلعاتها ... و يصفقون ،فالجمهور قد ضاق ذرعا بعرض هزيل آلم القلوب وأبكى العيون.
ولعلنا على أبواب حلم آخر يتحقق ,حلم اكبر من حلم كينج ،...حلم يعتلي المسرح فيه أبطال حقيقيون، السحاب فيه قد يخاطبون:"أمطري حيث شئت فخراجك عائد إلي"... ولملك الروم برسالة قد يبعثون "الرد ما تراه لا ما تسمعه"، وليصلوا في قبلتهم الأولى... جيوشهم قد يحركون، فيعلو التكبير والتهليل، ومن على منبر صلاح الدين انتهاء عصر الكومبارس بلا رجعة ... سيعلنون.

الأحد، 7 يونيو 2009

وتبقى القدس ...ورقة عبّاد الشمس




وتبقى القدس ...ورقة عبّاد الشمس



تراها صغيرة صامتة جامدة منسية، لا تكذب ولا تنافق ...لكنها ما تلبث أن تغير لونها لتضعك أمام حقيقة لا جدال فيها .. تلك ورقة عبّاد الشمس، إن كنت في عالم الكيمياء فهي رفيقتك تميز لك الحامض من القاعدي، وفي عالم السياسة إن هبت عليك رياح التصريحات واعتلتك أمواج التضليل وغمرك الإعلام بالتحليلات والمناظرات، إن أسرتك بعض القيادات هنيهة ثم حيرتك، إن ابتهجت لهم حينا وغضبت منهم دهرا، إن كنت في حيرة من أمرك أتصفق لهم أم تبكي، أتصدقهم أم هي عادتهم، هل تغيروا أم لا أمل فيهم، هل ما يقولون دعاية انتخابية وعنتريات إعلامية أم حقيقة تلفنا حولهم، إن كنت كذلك فأنت لا ريب محتاج لورقة عبّاد شمس سياسية تنبئك بالخبر وتكشف لك ما استتر.

ألم يعدوك برميهم في البحر؟، ألم يتشدقوا بعروبة القدس وقوميتها؟، ألم يزورها ويُصَّلوا فيها ألم يُغنوا لها؟، ألم يعقدوا الاتفاقيات لأجلها و المؤتمرات؟ بل أنشئوا صندوقا لدعم صمودها، لماذا لا تصدقهم ؟ أم أنهم لم يجتازوا فحص عباد الشمس؟.

منهم من صرح يوما بضرورة إزالة "إسرائيل" عن الوجود ووقف حاملا راية الحق أمام الشيطان الأكبر ولكنه في لقاء تلفزيوني أكدّ أنه لن يمنع الفلسطينيين من الاعتراف بالدولة العبرية في إطار حل إقليمي على أساس "دولتين"، وأضاف نجاد "مهما كان القرار الذي يتخذونه، لا مشكلة بالنسبة إلينا، لن نحول دونه، مهما كان القرار الذي سيتخذونه فإننا سندعمه". ، ...أترى لم يستطع أن يخفي الحقيقة أمام ورقة عباد الشمس ..القدس وفلسطين، وخرج آخر من منتدى دافوس مغاضبا، وأسرك بفعلته تلك ورأيت فيه القائد القوي والراعي المزعوم لبلاد المسلمين لكن أردوغان رد على الأصوات الشعبية المطالبة بتجميد العلاقات مع الكيان المحتل بالقول"من السهل للأعزب أن يطلق زوجة " في إشارة منه إلى عدم إمكانية ذلك! فما قيمة وما وزن هذه التصريحات والأفعال التي شَغَل مسئولو حكومة حزب العدالة والتنمية المسلمين بها على المستويين المحلي والعالمي ما لم تؤدِّ إلى قطع العلاقات كاملة مع إسرائيل كخطوة أولى ومع كل الدول التي تقف خلفها, أليست القدس وفلسطين محكا لكل زعيم.

ماذا لو وقف سيد البيت الأبيض ووهبك "دولة " بين السطور، و دخلت المدينة المقدسة بتصريح كتب بالعبرية، أو بتأشيرة من سفاراتهم في عواصم الدول العربية والإسلامية، ماذا لو صليت تحت حراب المحتلين وطفت كسائح بساحل فلسطين, وأغروك بالقدس الشرقية دون بقية الأرض التي بارك الله حولها ...هل سيشفى صدرك أم تريد أكثر، أم أن القدس تعني لك شيئا أكبر, أكبر من الأرض والتراب و وعد اوباما من بلد الأزهر.

فقد تعيش في مقابر قاهرة المعز كآلاف المصرين أو تحت ظلال الأشجار في الصومال أو قد يكون عنوانك دورات المياه مع إخوانك المغاربة, قد تؤويك الخيام في باكستان أو معسكرات اللجوء في أوروبا أو تتقاذفك أمواج الأطلسي في رحلة البحث عن مستقبل, قد يطالك القصف في وزيرستان أو شظايا المتفجرات في العراق قد تحاصر في غزة أو الفلوجة، قد تحمل شهادة جامعية عالية وتبيع الشاورما في باريس أو السجائر في تونس قد يعتقلوك في غوانتاناموا أو يودعوك سجن أبو غريب أو يغيبوك في المزة أو تزمامارت, لكنك لن تنسى القدس فهل يستطيعون محي وعي سكب في تلافيف عقلك أو يستطيعون من جسمك نزع عقيدتك التي جمعتك بكل أولئك أم أن "عقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله . . ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج ! ".

أما إن لم تكن من أولائك المعذبين وسكنت القصور والمنتجعات وكنت رئيسا أو ملكا أو قائد جيش فاعلم أن مليارا ونصف يملكون ورقة عباد شمس ويفرقون بين الأعمال والأقوال، بين الشعارات وصناعة الأحداث، هؤلاء يملكون القدس و لن يسكتوا حتى يعيدوها سيرتها الأولى ...درة تاج الدولة الإسلامية، فلن تخدعهم بمعسول كلامك وحرصك الزائف، ما لم يروا فاروقا أو صلاحا يعتلي منبر المسجد الأقصى محررا فإنهم لن يصدقوك... فانظر أمرك إن كنت من أهل العزم فتقدم وإلا فتنح عن الطريق لكيلا تدوسك الجموع فقد سقطت ورقة التوت ولم تعد تستر خنوعك واستسلامك، ألا ترى أنهم يُقتلون ..يتألمون ..يحاصرون ولكنهم يتذكرون... فلا تقف في طريقهم، ألا ترى الغضب في عيونهم ؟..ألا ترى تحرقهم ليوم نصر وتحرير؟ فلا تقف في طريقهم، فالقدس وفلسطين جزء من عقيدتهم والعقيدة لا تباع ولا تشترى، أترى...

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما

هل ترى..؟

..هي أشياء لا تشترى


د.مصعب محمد ابو عرقوب