الخميس، 1 سبتمبر 2011

مدفأة الماغوط وثلاجة المخابرات


                     مدفأة الماغوط وثلاجة المخابرات                                                                                                                                            د. مصعب أبو عرقوب

"كانت الدنيا برد وشتوية، كان في حزب البعث والحزب القومي ...حزب البعث في حارة بعيدة وَحْل وكلاب تعوي.. وجانب بيتنا الحزب القومي وفيه صوبيا.. دخلت فيه." بأسلوبه البسيط المعبر يروي الشاعر والأديب السوري الراحل محمد الماغوط قصة دخوله عالم السياسة.
عالم وإن اعترف الماغوط بدخوله عبر حزب لم يقرأ مبادئه فصار من سجن إلى سجن، إلا أنّ صدق ذلك الشاعر وبساطة طرحة اختزلت ذلك العالم وتلك التجربة، فصارت كلماته أشبه برموز تختصر المشهد السوري، وقد تعبر نوعا ما عن بعض آفاق التغيير وجذور الثورات ودوافع التحركات.
قرب ودفء جذبا ذلك الشاب ودفعاه لعالم السياسة، ولن ترضى الشعوب الثائرة بأقل من ذلك، فالأمة قد افتقدت دفء الحاكم الذي يرعى مصالحها، وشعرت على مدى عقود من الحكم الجبري الديكتاتوري غياب الراعي الذي يتفقدها إن هي مرضت ... يمسح على رأسها إن لم تجد ما تأكل، يدافع عنها إذا ما ادلهمت الخطوب وصالت جيوش الأعداء في الديار، يرعى أبناءها الخريجين العاطلين عن العمل ... يعيد فلذات الأكباد من بلاد المهجر ... يعيد الجولان ... فلسطين ... العراق ... وسائر البلدان، بل إنّ الأمة قد أدركت أنّ الحاكم المستبد وراء كل مصيبة تكابدها.
فغاب ذلك الدفء الذي يجب أن يغلف العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فالأنظمة الحاكمة بتبعيتها للغرب لا تمثل تطلعات الأمة للوحدة وآمالها في التحرير والعيش بعزة وكرامة، فانقطعت أواصر القرب، وانسلخ الحاكم نهائيا عن الأمة وأصبح أقرب إلى صف الأعداء منه إلى صفوف شعبه وأمته، بعيدا كل البعد عن طموحات شعبه ومتطلبات شباب أمته.
بُعدٌ، وغياب دفء شكلا دافعا قويا للتحرك والبحث عن التغيير والتخلص من تلك الأنظمة الدكتاتورية التي أصرت رغم بعدها عن الأمة وبرودة جوارها أن تسلك كل الطرق في سبيل تثبيت حكمها، طرق وأساليب ساذجة لن تزيد تلك المسافة بينهم وبين الشعوب إلا طولاً وتلك العلاقة إلا برودة.
بُرودةٌ، تشبه تلك التي يشعر بها المعتقلون السياسيون عند وضعهم في "ثلاجة المخابرات"، وهي غرفة أعلى مبنى المخابرات العامة الفلسطينية في الخليل، أداة للضغط والعقاب والتطويع، تلتقي في برودتها وسذاجة صانعيها ومستخدميها مع كل أدوات القمع والترويع والتنكيل التي لا تزيد الشعوب إلا إصرارا وحماسة ومثابرة في السعي للانعتاق من ذلك الظلم وتلك الأنظمة الوحشية.
أنظمة تفتقد إلى أدنى أنواع الشعور بالإنسانية أو احترام الشعوب، سادرة في غيّها، تفتقر إلى أي رؤية "عقلانية أو منطقية " في قمعها الذي فاق كل خيال، تعاند التاريخ والحقائق السياسية وتظن أنّ القتل والترويع وهدم المساجد والاعتقال والاغتصاب قد يوقف عجلة التغيير أو يرهب شعبا شعر بالدفء يسرى في أوصاله؟؟
فقد تنزع الشبيحة حنجرة الشهيد إبراهيم قاشوش، لكنها والنظام بعيدة عن انتزاع تلك الثقافة والقيم المتجذرة في الشعوب، فلن تستطيع أن تنفذ إلى عقول وقلوب شباب أمة تتحرك، وتتلمس ذلك القرب من أمجادها وعزها المسلوب، وذلك الدفء الذي يلف مدنها... وإن كانت تحت القصف، فالكل أفاق على رائحة المجد والحرية تهب من ثنايا تاريخ أمة انطلق علماؤها وقادتها من الجامع الأموي موحدين للأمة ومحررين.
فالأمة الإسلامية ورغم كل محاولات التغريب والتشتيت والهجمات الثقافية المتتالية عبر المناهج المستوردة والفضائيات المستأجرة والجمعيات المشبوهة وعبر حرب العقول والقلوب التي شنها العالم الغربي على الأمة وقيمها ومعتقداتها وأسلوب عيشها، ومحاولة الغرب فرض أسلوب حياته وطراز عيشة وثقافته على الأمة، وسعيه لإلغاء ومحو ثقافة الأمة وطراز عيشها، إلا أنّ الأمة ما زالت تشعر بذلك القرب والدفء مع قيمها التي لم تستطع ثقافة الغرب وقيمه تقديمهما لها، فالغرب لم يقدم عبر ثقافته لنا إلا التدمير والاحتلال وسلب الثروات والدعم والتدريب لتلك الأنظمة الدكتاتورية المنفصلة عن ثقافة الأمة وتاريخها.
فالأمة الإسلامية تمتلك ثقافة عريقة، ضاربة جذورها في صدور أبنائها، كفيلة بإعادتها إلى مكانتها المرموقة، ترسم لها طريقا قريبة المنال، تفضي إلى العيش في ظل حاكم واحد يرعى شأنها ويعيد ذلك الدفء الذي افتقدته ردحا من الزمان ويأخذ بيدها فتتفجر طاقات شبابها لترجع سيرتها الأولى... أمة واحدة ناهضة متقدمة في العلم والسياسة وكافة مجالات الحياة، فتحاول الأنظمة القمعية عابثة الحيلولة دون ذلك، وتستميت في معركة تدلل كل الحقائق على أنها لا محالة خاسرة.
فالتاريخ أعمق من أن تنتزعه أيدي الشبيحة والبلطجية، وثقافة الأمة وقيمها وعقيدتها أرسخ من أن تزحزحها دبابات النظام ومدافعه، وحماسة الشباب وحرارة صدورهم أعظم من أن تُبردها "ثلاجة المخابرات ".

الخميس، 11 أغسطس 2011

طريقة واحدة لإخماد الثورات !!!

طريقة واحدة لإخماد الثورات !!!

الدكتور مصعب أبو عرقوب

"هؤلاء جاؤوا بالعدل، والعدل تربة تموت فيها الثورات، أما غدا، إذا ما ظهر منهم الظلم فستشتد ثورتنا، ونجد من يؤازرنا"، تلك حقيقة سطرها بكلمات مقتضبة أمير اسباني في الأندلس عشية فتحها، فقد لمس الإسبان ذلك العدل الذي حمله الفاتحون، وتلك القيم الإنسانية التي بهرت البشرية واستمالت العقول، وقد صدق ذلك الإسباني نفسه وشعبه بإقراره بعدل الفاتحين، واستصعابه الثورة ضدهم في ظل ما جاؤوا به من عدل.

وعلى النقيض من ذلك فإنّ الظلم الذي جاءت به الأنظمة الحاكمة في العالم العربي شكل تربة خصبة لاندلاع الثورات التي نعيش، وحمل بذور ثورة لن تهدأ إلا ببزوغ العدل ورجوع الأمور إلى موازينها القسط، فقد قُسمت أمة واحدة إلى دويلات إقليمية متناحرة على خريطة سايس بيكو، وسُلبت ثرواتها واحتلت أرضها ومقدساتها، واتخذت الأنظمة التابعة للمستعمر من الظلم شرعة ومنهاج حياة.

فكان الاستعمار ظلم لا مثيل له في تاريخ البشرية، أنتج أنظمة جائرة تتصرف بمقدرات الأمة وكأنها ملك خاص، وتتالت الأحداث ليصبح الظلم مسلسلا ... من تهجير شعب كامل أمام أعين العالم وإبادة قرى كاملة ...إلى المذابح واحتلال الأرض في العراق وأفغانستان إلى قنابل الفسفور في غزة إلى الحصار، إلى الأنظمة والقوانين التي أعطت الشرعية للظلم وجعلت من البلاد وكالات ودكاكين لمافيا العائلات الحاكمة.

وقد وقفت تلك العائلات حارسة على ذلك الظلم وكرسته من خلال شكل الحكم والأنظمة والقوانين والدساتير الوضعية التي ضمنت بقاءها، وارتباطها العضوي بالمستعمر الطامع في بلادنا تحت مسمى القوانين الدولية والمجتمع الدولي، مسميات سلبت الأمة سلطانها وسيادتها واقتحمت عليها ثقافتها، فضيعت فلسطين من خلالها واحتلت العراق تحت ستارها، وقسمت السودان تحت وطأتها، وسرقت الثروات باسمها، ووصف بالإرهابي والأصولي كل من وقف في وجهها.

كل ذلك، شكل التربة الخصبة لاندلاع الثورات، فكان لا بد أولا من إسقاط الأنظمة الحارسة للظلم والمكرسة له، بيد أنّ ذلك لا يعني أنّ العدل سيضرب أطنابه في بلادنا على الفور، فالثورات لن تخمد حتى" يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه".

فقد تهدأ بعض الثورات حينا، إلى أنها ما تلبث أن تستعر، وتبقى الأمة في حالة عدم استقرار إلى أن تشعر بالعدل واقعا ملموسا في حياتها، ولن يتجسد ذلك إلا بالتخلص من منظومة الحكم البائدة واستبدالها بمنظومة جديدة تكفل العدل والاستقرار وتعيد للأمة مكانتها بين الأمم.

وهنا، تعقد الأمة بأصالتها ووعيها المكتسب من نضالات المخلصين من أبنائها مقارنات ومفاضلات، بين ماضيها وإرثها الحضاري العريق وبين ما يُطرح عليها من نظم وأشكال حكم عقيمة مجربة، فالعدل متجذر في حضارة لا ينسى أهلها قول نبيهم "لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وقول خليفتهم الفاروق "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "، وغيرها من النصوص والأحداث المحفورة في وجدان الأمة شريعة وطراز عيش مميز.

فتسبق الأمة بنتائج تلك المقارنات ما تقترحه بعض النخب المتحجرة أو الخائفة أو المرتبطة بالغرب من أشكالٍ للحكم أو أنواع من الدساتير التي تعيد تلك الأنظمة من الشباك بعد إخراجها من الباب، فالحلول التوافقية التي تحاول بعض النخب - التي لم تدرك حجم التغيير الذي يجتاح الأمة- أن تفرضه لتحقق به بعض المطالب السطحية وتطمئن به المجتمع الدولي على مصالحه، تبقى تلك النخب في ضلالها القديم الذي وضعها دائما في خانة الأنظمة والمعارضة الدستورية، فهي لا ترى الأمور إلا من منظار المعارضة الدستورية المرتمية في أحضان الأنظمة البائدة والتي تربت على عدم مخالفة الأنظمة والتعليمات والقوانين الدولية وموازين القوى، والخوف من إثارة القوى العظمى.

وتلك الحلول التوافقية أنتجت مجموعة من المفاهيم والمقاييس والتطلعات، تمس جوهر نظام الحكم وطريقة العيش والدستور، وهي مفردات عظيمة كفيلة بإيجاد العدل أو الظلم، فأنظمة الحكم والدساتير التي طُبقت على الأمة الإسلامية وتقترح تلك النخب تطبيقها ثانية بنسخة معدلة، هي نفسها التي جاءت بالظلم والبلطجية ومافيا العائلات الحاكمة وضياع الأرض والثروات .

فجل ما تقترحه تلك النخب لا يعدو رجعا للفكر الانهزامي الخائف من الغرب أو المقلد له، فالغرب لا يمكنه أن يقدم للأمة نموذجا يُحتذى به في الحكم والسياسة، فالمستعمر القديم غرق في أزماته الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية على وقع نظامه الرأسمالي المادي الذي جعل من الإنسان سلعة رخيصة، ولا يمكن للغرب أن يروج لأفكاره وأنظمة حياته في أمة ذاقت صنوف الظلم والقتل والعذاب في ظلال تلك الثقافة الغربية التي انتجت أبو غريب وقصفت بغداد واحتلت أفغانستان وسكتت وشاركت في قتل الأطفال في غزة وأمدت ورعت كل الأنظمة الدكتاتورية القمعية الظالمة في بلادنا إلى تلك اللحظة التي أحست فيها بعدم جدواها في الوقوف أمام الجماهير الغاضبة.

وقد استنفذت الثقافة الرأسمالية وما أفرزته من ظلم كل مبررات وجودها على أرضنا، وأدركت الأمة أنّ الهيئات الدولية وما تفرزه من قرارات دولية هي أدوات سيطرة وبسط نفوذ ومخالب تنهش ثروات الأمة ومقدساتها، وأنّ الثورة تعني الخروج على كل تلك القيود ، فالحلول المطروحة لشكل الدولة بعد الثورة ودستورها يبقيها دولة إقليمية بحدود سايس بيكو، وبدستور وضعي يبقي الرأسمالية والاحتكام للقوانين الغربية الجائرة أساسا للدولة، والظلم سيدا لبلادنا.

وستبقى رحى الثورات دائرة إلى أن تضع الأمة ما تعتقد من عقيدة وأنظمة حياة موضع التطبيق، فالعدل الذي جاء به الفاتحون الأوائل سببه تطبيق الإسلام ووضع شرائعه موضع التنفيذ في شكل الحكم والقوانين وبذلك تتوحد الأمة وتستعيد مقدساتها وثرواتها وعزتها. فلا عدل إلا بتطبيق شرع الله في الأرض، عندها سيعم العدل عالمنا، والعدل... تربة تموت فيها الثورات.

د.مصعب أبو عرقوب

7-8-2011

الخميس، 16 يونيو 2011

نعلم ما يحدث في موسكو !!

نعلم ما يحدث في موسكو !!
ليلا ..وصلتني رسالة نقلتني من القرن الحادي والعشرين إلى ظلمات القرون الوسطى، حيث محاكم التفتيش وأدوات التعذيب الوحشية، رسالة تسدل ستاراً داكنا على معالم موسكو الزاهية، وتعيد رسم معالم "الجريمة والعقاب" بتراجيدية صامتة تضيف عذابا جديدا لحياة أولئك "المذلين المهانين" عبر العالم ....وتقفز عن "لحظة المجد الروسي " لتدخل إلى"عرض سينمائي مغلق " تعتصر فيه قلوب ملايين المسلمين في العالم ..لتصبح تلك الرسالة حديث "الليل المتأخر" في عالم يتجه نحوالتغيير..
فقد تلقيت كآلاف المسلمين حول العالم رسالة تتحدث عن قيام جهاز الأمن الداخلي الروسي [F.S.B] في مدينة موسكو باعتقال الأخت المسلمة صديقوفا أوميدخا نغانيفنا، التي لم يسمحوا لها بالاتصال لتخبر عن مكانها وتم إيداع أطفالها الثلاثة الصغار في بيت الأيتام.
ومن قبل، كان الزوج صديقوفا فاروخ فضل الدينوفيتش قد أعتقل بتهمة الانتماء لحزب سياسي، حزب التحرير، المرأة المظلومة اعتقلت من أجل الضغط على زوجها ليعترف بالتهم التي لم يرتكبها. ، وقد فرقوا بين الأم وأولادها، و حكمت المحكمة على صديقوفا بالحبس لمدة شهرين.
وفي صورة أخرى من ذلك المسلسل الرهيب قام موظفو الأمن القومي بتفتيش منزل السيدة مانابوفا يولا كازيخانوفا، ثم هددوها بالمفك و المخرز ونادوها بالمريضة نفسياًَ، والضالة... وهددوها باعتقال أبنائها مما شكل ضغطا معنويا عليها. وقد تكرر كل هذا طوال يوم كامل تقريباً، فيما بقي رضيعها وطفلها الصغير ذو الخمس سنوات وحيدين في البيت.
وحيدين في البيت ، رضيع وطفل ذو خمس سنوات ، وثلاثة آخرون يودعون في بيت للأيتام وتسجن أمهم في محاولة للضغط على زوج برئ ... تلك أركان رواية تغرق في الحزن والوحشية تدور أحداثها على مسرح دولة تشجب القتل والاعتقال وانتهاك حقوق الإنسان، ويصدر شعبها للعالم أرق المشاعر مسطرة في الروايات والكتب ومجسدة على مسرح البلشوي الروسي !!!.
وحيدين في البيت، والرئيس الروسي يجتمع لمناقشة انتهاكات القذافي لحقوق الإنسان وضرورة تنحيه عن الحكم، وكيفية التعامل مع القمع الممنهج في سوريا !!!، في انفصام واضح بين الحقيقة والتصريحات، فالأمة الإسلامية وهي تجابه أنظمة قمعية خلفها الاستعمار البغيض وراءه لتنهب ثروات الأمة وتحرس مصالحه، وتضمن تدفق النفط لمصانعه النهمة، لا تنتظر من تلك الأنظمة إلا ذلك الانفصام وذلك العنف والوحشية أمام تقدم الأمة نحو استعادة سلطانها المسلوب، فهل تنتظر صديقوفا أو ميدخانغانيفنا وغيرهما ذلك العنف والانفصام من موسكو أيضا ؟؟.
فقد وضعت موسكو وأجهزتها الأمنية نفسها بهذه التصرفات الهمجية اللاانسانية في سلة واحدة مع تلك الأنظمة التي باتت تقتل شعوبها وتعتقل النساء والرجال وتعذب الأطفال، أنظمةباتت تستهدف أمة عظيمة لها تاريخها الممتد وحضارتها العريقة، في محاولة يائسة لإيقاف عجلة التغيير التي ستعيد الوحدة لأمة شتتها الاستعمار الوحشي إلى دويلات إقليمية ضيقة .
فالأمة الإسلامية تشهد تحولا تاريخيا سيفضي في نهاية المطاف إلى عودة الأمةالإسلامية في كيان سياسي واحد، يجمع شتات حضارة قسمتها حدود استعمارية بغيضة، ليبرز للعالم النموذج الإسلامي في الحكم وطريقة العيش التي تعيد للإنسان قيمته، وتعيد للقيم الروحية والإنسانية والأخلاقية مكانتها التي سلبتها القيم المادية الرأسمالية، وليس من الحكمة بمكان أن تتصرف أي دولة مع أمة ناهضة تتمتع بثروات هائلة بهذه الطريقة المستفزة للمشاعر والقلوب .
فإذا كان تصرف الأجهزة الأمنية في روسيا لا يعبر بالضرورة عن قناعات واتجاهات الرأي العام والنخب المثقفة في المجتمع الروسي ، فان تلك النخب التي لا يمكن لها أن تسكت على هذه الصورة البشعة التي ترسمها الأجهزةالأمنية للشعب الروسي، يجب أن تتحرك وتستنكر على الأقل تلك التصرفات التي تلازم أنظمة قمعية من العصور البائدة.
تصرفات تعيد للأذهان حقبة من القمع والتنكيل بالأقليات والشعوب لطالما أراد الشعب الروسي التخلص من ارثها الثقيل على ضميره وحاضر علاقاته ومستقبلها مع غيره من الشعوب، ولا يمكن للأمة الإسلامية أن تأخذ توجهات الكرملين المعلنة بجدية وهي تشاهد وتقرأ تلك التصرفات، وتسجل في ذاكرتها تصرفات الكرملين تجاه المسلمين في موسكو، وتلكؤه في شجب القتل والقمع على أيدي أنظمة دكتاتورية لا يزال يحتفظ بعلاقات وطيدة معها، بل و يقدم لبعضها المساعدة والدعم في قتل وتعذيب الشعوب التي لم تعد تصدق الرواية الرسمية للأحداث.
ففي عالمنا الإسلامي، نعيش الآن حقبة الشعوب.. تصنع روايتها الخاصة للحاضر والمستقبل، وتظهر صورة جديدة للعالم عن الأمة الإسلامية لطالما اختفت وراء رواية الأنظمة القمعية التي وصفت كل من ينتقدها بالإرهاب، فقد تكون الشعوب اقدر الآن على رسم العلاقات بينها على أساس من الإنصاف، والابتعاد عن تحكم قلة بسيطة بصورة أمة، ولا نستطيع أن نتصور في ظل هذه الحقبة التاريخية أن النخب المثقفة في روسيا، تقف بجانب هذا التخبط والانفلات في سياسة الكرملين أو أن تساهم في رسم تلك الصورة غير اللائقة بالشعب الروسي!!.
فالرسالة وان وصلتني بالعربية، فان الشعوب الإسلامية وبسلمية تحركاتها ستدق أبواب سفارات روسيا عبر العالم، لتوصل رسائل احتجاج على تلك المعاملة والاهانة التي يتعرض لها المسلمون في روسيا، ولتستنكر دور الكرملين في دعم الدكتاتوريات المتهالكة في عالمنا الإسلامي، والى ذلك الحين قد ترون وبالروسية يافطات ترفع في ميادين التحرير في عالمنا سطرت عليها عبارة بسيطة ..." نعلم ما يحدث في روسيا "!!.
الدكتور مصعب أبو عرقوب
13-6-2011م

هذه النسخة العربية للمقالة الاصلية باللغة الروسية .

الأحد، 8 مايو 2011

ثورة حتى .... يزول الألم!!


ثورة حتى .... يزول الألم!!

د.مصعب أبو عرقوب

"سوف نبقى هنا....كي يزول الألم ...سوف نحيا هنا. ...سوف يحلو النغم "، على ضفاف شواطئ بنغازي قبيل الغروب انتظمت الجماهير في ساحة الاعتصام ، ونفثت من صدورها ذلك الألم، لتخرج تلك الحمم منصهرة في بوتقة واحدة لحنا لامس القلوب ، وأمام ذلك النشيد وقف مراسل السي ان ان حائرا منفعلا تاركا للصورة ان تعبر عن نفسها ، في مشهد يلخص حالة تجتاح وتوحد امة فرقت بينها حدود سايس بيكو المصطنعة وجمع بينها ذلك ...الألم و ذلك الإصرار على إزالته .

فقد عاشت الأمة عبر تاريخها المعاصر ألما ، تخلل جسدها فلامس كل خلية ،ومر عبر كل شريان ،وضرب كل فقرة في ظهر الأمة فكاد ان يكسره ، وتسرب إلى دقائق حياتها والتفصيلات فحولها إلى جحيم لا يطاق ،، ارض تغتصب وتحتل وثروات تراق تحت أرجل المستعمرين ومدن تقصف ومقدسات تنتهك، وشباب يعتقلون وفلذات أكباد يغرقون فتلتهمهم شواطئ أوروبا في رحلة البحث عن عمل ،،،ألاف ينتظرون صخرة المقطم تنهي حياتهم البائسة في أحياء الصفيح في القاهرة ، أو عبارة تغوص في قاع المتوسط أو قطار يخرج عن السكة ليضع حدا لأحلام الشباب ، عائلات في القدس تفترش الأرض ويلهو أطفالها تحت حراب المستوطنين ،،، وأهل غزة يحاصرون ويقصفون ويقتلون ،،، أفغانستان وباكستان والصومال وطائرات بلا طيار تقصف وتقتل عن بعد ، وقبل ذلك امة تذوق الذل فيتعدى على ثقافتها وتتهم بالإرهاب ويتطاول على رسولها ...وتقسم ارض سودانها ، ويحتل عراقها وترزح أولى قبلتيها تحت احتلال وحشي لم يبقى ولم يذر ، ويتصرف العالم على وقع ذلك الألم الرهيب وكأنه لا وجود لأمة هنا.. لا آثار لحضارة في هذه الديار !! فتكالبت الأمم على ثرواتها وتعاملوا معها تعامل السيد لعبده ،،، بل تعدى ذلك ليكيل الغرب الاهانات للأمة الإسلامية والعربية على جميع المستويات... الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية .

وفي لحظة لطالما قلنا أنها استثنائية في حياة الأمة ، ظن الغرب المستعمر ومن سار على دربه ان الأمة قد فقدت الإحساس ، فلم تعد تشعر بما يحل بها من كوارث ألحقته بها الأنظمة التابعة للغرب المستعمر ،،،وكان للتضليل السياسي الذي انتهجته الأنظمة الحاكمة دورا في حالة التخدير التي عاشتها الأمة ذلك التضليل الذي حاول ترسيخ الاقليمية الضيقة فنادى بالأوطان أولا وأخيرا ونشر الطائفية وحذر من الإرهاب تارة وتغنى بالمقاومة المقننة تارة أخرى رفع شعار الاشتراكية حينا وقفز للسوق الحرة والخصخصة حينا أخر ...أثار النعرات المذهبية وشن حربا على قيم الأمة وثروتها الفكرية .

و قد ساهمت محاولات الإنهاض الفاشلة في تخدير الأمة كما كان لانتظار الأمة لبعض النتائج المتوقعة من عمليات الترقيع والتجميل للانظمه البائدة التي قادتها معارضة مصطنعة من قبل الأنظمة أضفت الشرعية على أنظمة لم تكن يوما ذات شرعية إلا في مخيلة المنتفعين والجالسين على موائد السلاطين ، كان لذلك كله وقع المخدر على جسم الأمة الواحد ...فسكت ردحا من الزمن ....استثنائيا كما نردد دائما ..

لم يستطع الغرب ان يفهم ، كما لم يستطع عملائه ان يتنبئوا بذلك التحرك، لأنهم قد وقعوا في شباك التضليل التي نسجوها على مر عقود من المؤامرات ، وقد أعمت عنصرية الغرب عيونه ، فنسي تماما ان لهذه الأمة تاريخا مجيدا وإنها امة عريقة تملك فكرا راقيا ، وأسلوب حياة متميز، فالغرب ظن ان أسلوب حياته لا مثيل له في ظل غياب أسلوب حياة آخر متميز عن الساحة الدولية ، وفي ظل انبهار الأنظمة التابعة لهم بذلك الأسلوب استخف الغرب بالأمة الإسلامية ...فلم يتوقع للأمة الإسلامية ان تتحرك ..فقد أغوته قوته وتخاذل حكامنا فلم يعد يرى فينا امة تستحق الاحترام ...على الأقل، أما الأنظمة فهي بعيدة عن الأمة وبعيدة عن ألمها لا هم لها سوى البقاء على كرسي الحكم وترى في الغرب القوة العظمى التي ينصاع لها كل شيء في هذا الكون وضاق فكر القادة ليصبح ما دون فكر العبيد الأسرى للغرب ، وهامت عقولهم في تسبيح الغرب وتمجيده وأوكلت لبلطجية الأنظمة صناعة المشهد السياسي والثقافي والإعلامي على أساس الافتتان بأسلوب حياة الغرب وأنظمة حكمه،،فاحتل إرضاء الغرب أولى أولياتهم ولم يحسبوا لخالق الغرب وللشعوب أي حساب .. فكانت المفاجأة .

ففي لحظة تاريخية لم تعد المسكنات تجدي نفعا وبات الألم شديدا قاسيا ، اتسعت دائرته فطالت كل أفراد الأمة وكل قطاعاتها ، فالكل متضرر من وجود هذه الأنظمة ...الشباب والشيوخ والأطفال والشجر والحجر والأنهار والبحار، ، لم يبقى على هذه الأرض روح إلا وتألمت من تبعات وجود هذه الأنظمة الظالمة..وبداية الشعور بالألم شكل الدليل القاطع على عودة الأمة من غيبوبتها وتململها قبل وقوفها على قدميها....

سوف نبقى هنا كي يزول الألم ، ردد المعتصمون في بنغازي ..ليتردد صداهم في دمشق وصنعاء والمنامة الجزائر وبقية العواصم تباعا ، إلا ان صحوة الأمة وشعورها بالالم ... لم ينعكس على أولائك الذين ما زال التضليل يخدرهم والثقافة الغربية العنصرية تملئ كيانهم وتعشش في عقولهم ، فأصبحوا بعدين عن حس الأمة وشعورها، منهزمين مضبوعين بالغرب وثقافته فلا يرون تحررا إلا من خلاله ، وبعد اخذ الإذن منه، فالتحرر في قاموسهم ان تعيش الأمة حسب أنظمة الغرب وثقافته وأسلوب حياته حتى يرضى الغرب ويمكننا من العيش بحرية ،وتلك عقلية الفئة المرتبطة بالأنظمة البائدة ، التي تشكلت خياراتها على أساس التبعية للغرب والإحساس بالدونية أمامه وبات منطقها معوجا يرى في امة تربو على المليار قاصرة أو عديمة الثقافة حتى تنتظر من اسبانيا أو ايطاليا واو فرنسا ان تضع لها شرعة ومنهاج حياة !!!،

منطق عاجز يتصور ان امة الثروات والرجال والشباب والموقع الاستراتجي بحاجة إلى أي مساعدة من الغرب ، حتى يأخذ بيدها إلى طريقة العيش التي تكفل لها العزة والكرامة !!،

لكنها العقلية الانهزامية لدى بقايا تلك الفئة التي تربت في الحدائق الخلفية للانظمة البائدة أوالتي على وشك ان تبيد ،عقلية مضطربة تابعة للغرب لم تتخلص من عبوديتها له، تريد ان تطمئن الغرب على النظام الذي ستطبقه على الأمة المتحررة وعلى الاتفاقيات الموقعة مع الحكام المخلوعين ذلك النظام وتلك الاتفاقيات التي تضمن مصالح الغرب وتبعية الأمة للاستعمار ، والأخطر من ذلك هو قناعة تلك الفئة بضرورة طمأنة الغرب على أسلوب الحياة التي ستختاره الأمة،،،خوفا من الغرب ...فبعد كسر الأمة لحواجز الخوف يتقوقع هؤلاء ويسيرون للخلف في عجز واضح عن مواكبة حركة الأمة السريعة ، فلا يرون إلا النموذج الغربي صالحا للحياة ، على النقيض من الأمة التي عاشت الألم الحقيقي من نموذج الدولة الغربي الرأسمالي الذي لا يقيم للإنسان وزنا ولا يرى سوى مصالحه ،،شاهدت بأم عينيها وحشية الأنظمة الرأسمالية في العراق وأفغانستان ونفاق الأنظمة الغربية وميزانها المختل وقنابل الفسفور تنهش أجساد الأطفال في غزة ،وعلى المستوى الفردي لا ترى الأمة في الغربي نموذجا يحتذى في الأخلاق أو احترام القيم الأسرية أوالانسانية ، فالأمة قد استعادت وعيها وباتت تميز بين المتقدم والمتخاذل وعلى الذين يسيرون عكس التاريخ ان يفتحوا أعينهم ويعودوا لامتهم العريقة ، فالأمة لن تعطيهم قيادتها وستلفظهم كما لفظت أسيادهم .

فبعد تلك الرحلة الطويلة من التضليل تجسد الألم والهزيمة والذل والتبعية في تلك الأنظمة الحاكمة وعائلاتها وحواشيها من رجال الإعمال والإعلام والتوابع ، ويبدو واضحا ان الأمة لن ترضى إلا بزوال ذلك الألم وستبقى على هذه الحالة من الاعتصام والاحتشاد وعدم الاستقرار...إلى ان تزول تلك الأنظمة .....وذلك الألم.

عندها سوف نحيا هنا...سوف يحلو النغم، سنعيش كما يحلو لنا ولن ننتظر إذنا من احد فلنا أسلوب حياتنا المميز، ولنا نظام حكما ودستورنا المستمد من عقيدة الأمة ، ولنا أرضنا وثرواتنا, وسنفرض رؤيتنا ونحرر أرضنا ونحمل ديننا رسالة نور للعالم.... فالألم سيقتلع ، وسيزول الظلم قريبا.

1-5-20011