الأربعاء، 22 أغسطس 2012

الانتخابات الأمريكية والربيع العربي


الانتخابات الأمريكية والربيع العربي


د. مصعب ابو عرقوب
سعى الواصلون لسدة الحكم في ظل "الربيع العربي" الى تقديم الضمانات والتعهدات "للمجتمع الدولي"، وطمأنة الغرب والشرق على مصالحهم في بلادنا، وجاءت تلك التعهدات  في خضم الثورة وخلال الحملات الانتخابية وعند تسلم السلطة على شكل لازمة لا مفر منها.
وتكررت تلك  التعهدات على ألسنة "الزعماء الجدد" حتى أخذت شكل قسم أبقراط قبل مزاولة المهنة، لتضيف لمسرح نقل السلطات وتغيير الأشخاص مشهدا ثابتا يقسم فيه "الزعماء الجدد" ويتعهدون بالالتزام بالمعاهدات الدولية، وعدم التدخل في شؤون الغير، والحفاظ على مدنية الدولة وديمقراطية النظام واحترام حقوق الأقليات، وعدم المساس بالتزامات النظام السابقة...وغيرها من بنود "قسم مزاولة مهنة الزعامة السياسية بعد الثورة".
زعامة تتناقض بقسمها هذا وتعهداتها تلك مع ثورية الشارع وروح التغيير الجذري التي تجتاح الأمة، فبعد أن ركبت تلك القوى موجة التغيير ووصلت لسدة الحكم  أبقت على جذور النظام وأركانه، وتعهد "الزعماء الجدد" بالوفاء والالتزام والمحافظة على شبكة الارتباطات الخارجية للأنظمة السابقة، تلك الشبكة من العلاقات التي ضمنت ارتهان الأنظمة السابقة  وتبعيتها للدول الاستعمارية التي دعمت وجودها وساهمت في ترسيخ أركانها، ذلك لأنها لم تكن إلا  الحارس الأمين على مصالح الدول الاستعمارية في بلادنا، جاء ذلك التعهد على شكل ضمانات بالالتزام بالمواثيق الدولية والمعاهدات الموقعة من قبل الأنظمة السابقة.
تعهدات أربكت بعض الثوار الحقيقيين وشتت بعض  الأنظار عن التغيير الجذري الذي يجب أن تصل إليه الثورة بعد تلك التضحيات الجسام، وقد ساهمت أبواق الأنظمة المتهاوية وبرغماتية بعض "الزعماء الجدد" وارتباطات بعضهم الآخر بشبكة النظام السابق في الترويج لضرورة تقديم تلك التعهدات وفي صناعة الخوف والرعب من التغيير الجذري، وادارة الظهر لعلاقات الأنظمة السابقة مع الدول الاستعمارية، ففشل الثورة وتحلل الدولة والحرب الأهلية والاقتتال وانهيار الاقتصاد وتهديد السلم العالمي واستقرار المنطقة، مخاطر على الأبواب إن لم تقدم تلك التعهدات والالتزامات.
فقد بلغ التهويل ومحاولة الاقناع بضرورة تلك التعهدات مبلغا قد يتصور معه أنه لا وجود لدولة إلا عبر تقديم فروض الطاعة "للنظام الدولي" والتعهد للعالم بعدم تهديد أية مصلحة لأية دولة، وإتباع أسلوب عيش يتناسب مع أسلوب الدول الأخرى ولا يتعارض مع قيمها ونظرتها للحياة والمجتمع، وجاءت تعهدات "الزعماء الجدد" لترسخ ذلك المنطق الأعوج .
وبذلك المنطق التهويلي الأعوج كان لابد لمرشح الرئاسة الامريكي، ونحن في ظل الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية، أن يقدم الضمانات والتعهدات  للعالم والمجتمع الدولي ولدول الربيع العربي والعالم الاسلامي بشكل خاص - كأحد أهم مصدر للطاقة والثروات التي تؤثر في الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعالم- ففي ظل ذلك المنطق وأسوة "بالزعماء الجدد" على المرشح الامريكي للرئاسة أن يحمل برنامجه الانتخابي تلك التعهدات والضمانات.
وعلى المرشح الامريكي بحسب ذلك المنطق الذي سار عليه "الزعماء الجدد" أن يبدأ حملته الانتخابية بقوله: "أتعهد أن لا تشكل الولايات المتحدة الامريكية تهديدا للسلم العالمي، من خلال التزامي بالعمل على تقسيم الولايات المتحدة الى بضع وخمسين دولة مستقلة حتى لا تعود أمريكا دولة قوية تهيمن على العالم وتسيطر على الأمم الأخرى، وسيكون لكل دولة علم خاص يسمى علم الاستقلال، وسيزين علم دولة واشنطن هلال أخضر ليكون عنوان للتفاهم  ورمزا للتسامح مع الشعوب التي قهرت تحت ظل العلم القديم في افغانستان والعراق وغيرها من الدول، وأتعهد بتفكيك السلاح النووي حتى لا تتكرر المأساة التي ارتكبتها جيوشنا في هيروشيما ونكازاكي، وسنسمح لتونس ومصر وقطر والسعودية وليبيا وغيرهم من الدول بإقامة قواعد عسكرية  ثابتة على أراضينا لضمان الاستقرار في المنطقة، ومنع أية محاولة لإحياء الامبراطورية الامريكية، وسندعم جمعيات تحفيظ القران الكريم ونشر تعاليم الإسلام السمحة في اطار تمكين مؤسسات المجتمع المدني، وسنغير المناهج الدراسية لتتلاءم مع القيم الإسلامية والانفتاح على الاخر، وسنضبط لباس المرأة لتلتزم باللباس الساتر حفاظا على مشاعر المسلمين الزائرين لبلادنا .."!!!.
وقد يضيف المرشح الامريكي لتعهداته ليطمئن العالم على شكل النظام وعلاقاته مع العالم فيقول: "سأعمل على تغيير النظام الجمهوري وتحوليه إلى "نظام حكم إسلامي" حتى لا تتحكم الشركات الرأسمالية في النظام الاقتصادي وتستغل الشعوب الفقيرة، وأتعهد أن يكون نائب الرئيس مسلما للمحافظة على حقوق الأقليات ودورهم في بناء المجتمع، وأتعهد بتمكين الشركات الخليجية وغيرها من شركات النفط من استخراج النفط وتصنيعه من حقول النفط في تكساس حتى لا تحتكر الشركات الأمريكية الانتاج فتتحكم في اسعار النفط ..، وستكون قناة بنما شاهدة على سلاسة الحركة التجارية وإزالة كل العوائق أمام المنتجات العالمية لتصل للمستهلك الأمريكي"!!.
ولإثبات صدق توجهاته قد يصرح مرشح الرئاسة الامريكي فيقول: "سأرسل وفدا من الكونغرس الامريكي يمثل الأغلبية لزيارة البرلمان المصري والتونسي وغيرهما من المجالس النيابية ليشرح صدق نوايا وتوجهات وتعهدات الرئاسة الامريكية أعلاه، وسنضع على جدول أولوياتنا زيارات دورية لوزراء خارجية مصر وتونس وليبيا وقطر للاجتماع مع هيئة الاركان الأمريكية أو "المجلس العسكري الأمريكي" لوضع الخطط الأمنية الكفيلة بحفظ مصالح تلك الدول في بلادنا، وسنضمن كامل الحق لسفراء تلك الدول في الاطلاع ومتابعة تعهداتنا السابقة"!!!.
وقد يتوجه مرشح الرئاسة الأمريكي بعد تلك التعهدات لشعبه فيقول: "إن الالتزام بتلك التعهدات هو مصلحة حيوية للشعب الأمريكي، وإن عدم الالتزام بها يشكل تهديدا وجوديا للأمة الامريكية، وكبادرة حسن نية مع الشعوب الإسلامية التي حاربنها عقودا سنطبق الشريعة الاسلامية،...لكنني اتعهد لكم بالتدرج في تطبيق الديمقراطية التي تؤمنون بها، إلى أن تنضج الظروف المحلية والدولية المحيطة التي تسمح بتطبيق الديمقراطية كنظام وأسلوب حياة، فتطبيق الديمقراطية الآن يعيد للأذهان ذكريات افغانستان والعراق ...وغوانتاناموا ..وأبو غريب وغيرها، ولنطلق عليها تسمية الشورى حتى لا تثير النزاعات الطائفية "!!!.

هكذا ....نعم هكذا وبهذا السخف سيبدو خطاب المرشح الأمريكي للرئاسة إن احتكم لذلك المنطق الغريب الذي روج له كل من قدم تلك التعهدات وكل من حاول أن يقنع شعبه بضرورة تقديمها والالتزام بها، فمرشح الرئاسة الأمريكي لا يسعى بحال من الاحوال الى استرضاء شعوب غير الشعب الأمريكي ولا يضع في اعتباراته غير المصلحة الأمريكية ولا يرى في طمأنة أي أحد فريضة عليه، سوى طمأنة وتامين مصالح  الناخب الأمريكي ومستقبله، ولا يعبأ بأي أمة أخرى في رحلة خدمة الشعب الامريكي والسهر على مصالحه.
 هنا ...وتحت هذا الاختبار البسيط الذي يفرز المنحاز لمصالح أمته عن غيره من الذين اختاروا السير في ركاب الأنظمة السابقة...هنا تسقط أعذار كل الاطياف التي تنادي بضرورة الالتزام بتعهدات الأنظمة السابقة وطمأنة الغرب والشرق على مصالحهم في بلادنا، تسقط كل تلك الأطياف وان اختبأت تحت مسميات العلمانية أو الوطنية أو الديمقراطية أو اليسارية أو حتى الإسلامية المعتدلة، فكل تلك المسميات تصبح أداة أو امتدادا للأنظمة السابقة التي كانت تستمد شريعة وجودها من ارتباطها بالغرب ومحافظتها على المعاهدات الدولية وسهرها على مصالح الدول الاستعمارية في بلادنا تحت مسميات "السلام والاستقرار العالمي ومكافحة الارهاب" .
إلا أن بعض السباقين لأداء قسم "مزاولة مهنة الزعامة بعد الثورة " قد يُرجع حرص مرشح الرئاسة الامريكي على مصالح دولته فقط، وعدم تقديمه أية ضمانات للعالم إلى كون الولايات المتحدة الامريكية هي الدولة الأولى في العالم، ويسقط ذلك العذر القبيح أمام حقيقة أن كل دولة، مهما كانت صغيرة، وكل قيادة مخلصة مهما قلت امكانياتها، لا تحرص إلا على مصلحة شعبها.
فالشعوب التي كسرت حواجز الخوف وتسعى للتخلص من حياة العبيد التي عاشتها في ظل تلك الأنظمة البائدة، ستلتف حول قيادة تريد الانعتاق من التبعية والذل، واسترداد ثروات الأمة المنهوبة، وتلك الأعذار والتعهدات تتناقض مع جوهر الثورة وتلتقي مع  منطق التبعية وإلحاق الشعوب بمنظومة العبودية من جديد عبر الالتزام بما خط في زمن الاستعمار بأيدي أتباعه ، فمطالبة العلمانيين واليساريين بضرورة اعطاء التعهدات والالتزام بشكل الدولة حتى يرضي الغرب، اعلان حرب على الثورة وشوق الشعوب للانعتاق نهائيا من العبودية للغرب، ومحاولة لتكبيل ارادة الثوار في التغيير الجذري.
إرادة تسعى حركات "الإسلام المعتدل" من طرفها أن تكبلها عبر تقديمها لنفس التعهدات، وبذلك فإنها تضيف لتناقضها مع ارداة الشعوب في الانعتاق التام من التبعية للغرب تناقضا صريحا مع ما تعتقد من عقائد ومع ما تحمل من ثقافة تملي عليها أن النصر يكون حليف أمة الإسلام فقط، إن هي التزمت إسلامها نظاما ومنهاج حياة، وتوجهت لخالقها بالانصياع لأوامره وتطبيق شريعته، ومعارك بدر وحنين واليرموك والقادسية وغيرها الكثير تحمل دورسا لطالما تغنت بها حناجر بعض "الزعماء الجدد"، فالنصر والتمكين عند الأمة الإسلامية له معادلة مختلفة لا تمر عبر الاتفاقيات الدولية ولا تعبأ بالتوازن العددي بقدر ما تعبأ بنصر الحق والثبات على المبدأ.

فالثبات على المبدأ كفيل بتحقيق النهضة والنصر، والارتماء في أحضان المستعمرين والعمل على طمأنتهم وتأمين مصالحهم لن يجلب للأمة الإسلامية إلا مزيدا من التبعية والارتهان للغرب والشرق، فلا بد للأمة الإسلامية، وهي على طريق استعادة سلطانها وإرادتها التي سلبت، أن تدرك أن النهضة لن تكون إلا بقلع جذور الاستعمار من بلادنا، وتطبيق الإسلام جملةً وتفصيلا، والتعهد لخالقها فقط بإقامة دولة الخلافة التي توحد المسلمين في دولة واحدة تكون ثمرة الربيع العربي وحصاد التضحيات الاليمة لشباب الأمة في ميادين التحرير، و بذلك تحقق مشروعها النهضوي وتحمل الإسلام رسالة نور للعالم،  وما لم يتم ذلك التغيير الجذري والانعتاق التام...

فالثورة يجب ان تستمر
20-8-2012